القاهرة 19 مارس 2019 الساعة 01:24 م
كتبت: جيلان صلاح
المسيحي والمسيحية في الدراما والسينما المصرية يعدان ضرباً من الخيال العلمي، شخصيات خيالية لا وجود لها سواء في طريقة حديثها أو أسلوبها في الحياة, وفي هذه الدراسة نحاول تحليل الشخصية المسيحية في السينما والدراما المصرية ومدى الاهتمام بتناولها.
نماذج ناجحة...ولكن
عام 2006، أخرجت ساندرا نشأت فيلم الرهينة، ليُقابل بحفاوة شديدة من شريحة الشباب المسيحي، وهذا لأن سيناريو نادر صلاح الدين خلق شخصيات أيقونية مسيحية مثل كلاوي خبير الكمبيوتر، وعماد مثال الشاب المسيحي العصري الذي تأقلم مع الغربة ومكانته فيها كمواطن درجة ثانية، والعالم المصري مكرم الحائز على جائزة نوبل، وغيرهم، وقد التفت الكثير من النقاد وقتها إلى الحوارات الجانبية التي دارت بين الشباب المسلم والمسيحي لتعبر بعفوية عن واقع يمر به كليهما على أرض الواقع. تدافع الشباب المسيحي وقتها لمشاهدة الفيلم في السينما، خاصةً أن البطل أحمد عز وقتها كان يمثل شاباً مصرياً عادياً، محايداً رغم ديانته المسلمة في الفيلم، تماهى المسيحيون مع شخصية مصطفى بنفس القدر الذي تماهوا فيه مع كلاوي أو عماد، وأصبحت إيفيهات الفيلم منتشرة، نظراً لشهرة مخرجته –المسيحية بالمناسبة- وقتها، وطاقم الأبطال المتميز، والحبكة الدرامية المثيرة، التي نسجت المشاحنات اليومية بين المسلمين والمسيحيين بشكل كوميدي بعيد عن السطحية. وعلى الرغم من نهاية الفيلم الركيكة، إلا أنه مجملاً فيلماً جاداً في تناوله لقضية شائكة بانتزاع الضحكات من طرفي النزاع أو -كما تحلو للجرائد أن تسميهما- قطبي الأمة.
في فيلم "حسن ومرقص" عام 2008، شهدت الجماهير المسيحية ثورة سينمائية، تتلخص في أن معشوقهم عادل إمام يؤدي دور شخصية مسيحية بارزة، وقد قام الزعيم بالتحضير لدوره جيداً بما يغازل المشاهد المسيحي العادي باستشارة البابا شنودة الثالث وعدد من الكهنة والرهبان، مرتدياً زي الرجل الدين المسيحي والصليب مما أدى لأن تُلتقط عدة صور له وهو يرتدي الصليب وأثارت الصور كالعادة جدلاً واسعاً أثار غضب العديد من المسلمين، متهمين الفنان المثير للجدل على الدوام والمتهم بمهاجمة والسخرية من الدين الإسلامي –وهو ياللعجب الدين الذي يعتنقه– بالتنصر ومطالبين بمقاطعة أفلامه.
بعيداً عن الجدل، فإن الفيلم لعب لعبة ذكية بدون تعمق أكثر في المادة الثرية التي كانت بين يديه، ربما لأن الكاتب هو يوسف معاطي، والمشهور بالأفلام الخفيفة والمواضيع التجارية التي لا تتسرب إلى أعماق القصة، لكنها لاقت هوى كبير لدى أطياف المسيحيين المتعطشين لتمثيلهم على الشاشة بما يرضيهم. في بداية طرح الفيلم في دور العرض، لاحظ الجميع تدافع الشباب المسيحي على صفحة الفيسبوك الرسمية للنجم محمد إمام، بصورة توضح حالة الرضا التي شعرها معظمهم عن أداءه لدور "جرجس" في الفيلم.
من نماذج التمثيل الجيدة للأقباط على الشاشة هو "فيلم هندي" الذي كتبه هاني فوزي وأخرجه منير راضي؛ نظراً لأن الفيلم يحتوي على عدد من الشخصيات المسيحية التي تتسم بالتنوع، فهناك الفتاة المتدينة ماري القالب الجاهز لنمط الفتاة المسيحية الجادة، وهناك الفتاة المنحلة أنجيل والتي تتشابه مع صديقتها المسلمة عايدة في الانفتاح الجنسي والرغبة في قضاء وقت جيد، وهناك عائلة عاطف من أخته التي سافر زوجها وابن أخته وأمه، وعائلة خطيبته ماري. هذا التنوُّع وإن لم يكن متفرداً، خاصةً في رسم شخصية أب اعتراف عاطف والتي ظهرت شديدة الكليشيهية، أو في رسم شخصية الشاب القبطي كشاب قليل الخبرة الجنسية، ملتصق بأمه وعائلته، لكنه محموداً في محاولة لكسر قوالب تمثيل المسيحيين على الشاشة، لكن الفيلم لم يلق نجاحاً يُذكر ربما لانعدام جماهيرية أحمد آدم السينمائية.
التعددية والتمثيل – Diversity and Representation
في نقد حديث لفيلم بلاك بانثر أو الفهد الأسود والذي أثار موجة عارمة من النجاح لدى الأفروأمريكيين المتعطشين لكيفية تمثيلهم على الشاشة، تبارى النقاد في وصف ما اعتبروه عبقرية فيلم "بلاك بانثر" وهي قدرته في تخيُّل أفريقيا بلا استعمار أبيض للأسود؛ هناك قارة أو دولة حيث للسود هيمنة على حياتهم وأرواحهم وقراراتهم دون تدخل من البيض. هناك عالم بأكمله لا يعيش فيه السود تحت وطأة الرجل الأبيض ومحاولة إثبات أنفسهم في عالم أُجبروا فيه على أن يكونوا الكيان الأقل الذي يطالب لانتزاع حقوقه. في لحظة مشابهة، ظهر عادل إمام بطلاً شعبياً تتعطش له الكتلة المسيحية وهو يرتدي زي رجل الدين المسيحي، يتسم ربما بروح قداسة البابا شنودة الثالث الرمز المسيحي الأكثر اكتمالاً وامتداداً على مدار عقود كثيرة لما يتطلع إليه الرجل المسيحي العادي؛ الاستقامة والحسم الممزوجان بروح الدعابة والثقافة الواسعة. تأكد المسيحيون أن عادل إمام لن يخذلهم بينما يؤدي دور رجل الدين المسيحي ويجعل من ابنه مثال للشاب المسيحي الكوول بينما تُثار عدة موضوعات اعتيادية مثل الاحتقانات بين المسلمين والمسيحيين وزواج الصالونات في المسيحية، والأخير هو الموضوع الأكثر تناولاً في الأفلام التي تقترب من جيتو الأقباط كملف شائك دائماً في تناوله، حتى ولو على يد كاتب ومخرج يدينان بالمسيحية. وهذا يذكرنا بما تشدد عليه الناقدات النسويات الأمريكيات من تضمين كل عمل فني على امرأة في فريق العمل وتراتبية صناعة القرار، ليتم التأكد من تمثيل المرأة بصورة سليمة وبما يتوافق مع صورتها الجندرية الذهنية كامرأة، لا كامرأة يريدها الرجال بصورة معينة.
يهتم آل العدل بالشخصية المسيحية بنفس القدر الذي اهتم به الراحل أسامة أنور عكاشة بتناولها، بحيث يتم إدراج شخصية مسيحية على الأقل في كل عمل. من أهم مميزات التعددية diversity والتي ساهمت في أن تصل السينما الأمريكية إلي بلاك بانثر هو الاهتمام منذ فترة ليست بقليلة بتمثيل الفئات المتنوعة على الشاشة، بأن تكون هناك على الأقل شخصية مثلية أو من عرق مغاير للبيض في كل عمل فني سواء درامي أو سينمائي، وهو تقليد اتبعه آل العدل في معظم الأعمال التي ينتجونها وتحديداً، الأعمال التي يقوم مدحت العدل بكتابة السيناريو والحوار لها، فنجد في مافيا خبير الكمبيوتر المسيحي، وفي محمود المصري عدد من المسيحيين سواء الجاليات الأجنبية في مصر كالسيدة كليو وابنتها، أو عائلة السيدة بولين والتي تتشابك في خط رومانسي ركيك مع عائلة محمود المصري المسلمة، أو أدريانو المسيحي من فيلم "همام في أمستردام" الجدع ابن البلد والذي يدعم أبناء بلده في الخارج، وفي حالة أسامة أنور عكاشة، فإن شخصياته القبطية لا تنتهي، من أول كمال خِلة في "ليالي الحلمية" ومكرم في "الشهد والدموع" وحتى أبلة مارسيل في "ضمير أبلة حكمت"، الشخصيات المسيحية الوحيدة التي كان عكاشة يسمح لها بالتلوُّن بنفس قدر هي الشخصيات الأجنبية فشخصيات الإيطاليين المتدينيين في "زيزينيا" تحمل نفس الدرجات الرمادية التي تحملها الشخصيات المسلمة.
وإن كان أسامة أنور عكاشة لا يُلام على تقديمه الشخصيات المسيحية الملائكية، نظراً لأنه مغرم بتقديم الشخصيات الدون كيشوتية والتي تتسم بمثالية عامةً في التصرفات والقناعات، من أبو العلا البشري، لدكتور محمد أبو الغار، لأبلة حكمت هاشم، تحرُّر أسامة من عباءة المثاليات وتقسيم الشخصيات بتدرجات الرمادي بحيث تضم الأبيض والأسود عند أقصى طرفي الصراع، استهلكا منه وقتاً طويلاً، لم يكن ليسعفه في تأهيل المشاهد المسيحي ليرى نفسه بنفس الدرجة من الالتباس على الشاشة، خاصةً، وهو كان يؤمن بحساسية وضعه ككاتب مسلم يعبر عن شخصيات مسيحية في مجتمع غالبيته العظمى من المسلمين.
الشخصية المسيحية في تاريخ السينما والدراما
للأسف من أول فيلم "الراهبة" وحتى مسلسل "محمود المصري" تظهر الرهبنة كوسيلة تهرب بها الشخصية المسيحية من قصة حب فاشلة. تفشل فتاة في حب رجلاً، فتهرب من الحب البشري للحب الإلهي، وكأنما لا طريق للرهبنة كفكرة وفلسفة وجزء من العقيدة المسيحية إلا كوسيلة هروب من كسرة القلب. ويمكن قياس هذا المثال على أكثر من نموذج مثل فيلم "لقاء هناك" حيث سهير رمزي المسيحية تهرب من فشل قصة حبها للمسلم الملحد –والذي عاد لرشده وإيمانه في نهاية الفيلم– الذي يؤدي دوره نور الشريف بالرهبنة والاختباء بالدير، وفي فيلم "شفيقة القبطية" تفشل كالعادة فتاة في حب حبيبها ابن شفيقة القبطية فتلجأ للدير، وفي مسلسل "محمود المصري" تفشل سيلينا الجميلة في الاقتران بحبيبها المسلم ابن محمود المصري، فتلجأ للدير وتترهبن، أما مصطفى الشاب المسلم فيهرب من الدنيا بالتدين والصلاة بسبب فشل قصة حبه مع مريم المسيحية.
غالباً ما يدور الحوار بين الشخصيات المسلمة والمسيحية ركيكاً، الأسرة المسيحية يتم تصويرها على أنها أسرة من كوكب فضائي يوتوبي، تتمتع بأخلاقيات ومُثُل عليا لا غبار عليها، نادراً ما يتم الإشارة إلى الدين بالطريقة الاعتيادية مجتمعياً، فمثلاً، من المعروف أن لكل أسرة شفيع أو قديس تتبارك به، وتلتمس منه الأمان وقت الأزمة أو الشدة، لكن هذا نادراً ما يتم الإشارة إليه في المسلسلات أو الأفلام، فلا نجد مثلاً الإشارة إلى مارجرجس، أو البابا كيرلس، أو أبونا فلتاؤوس، أو القديسة ريتا؛ يتم التركيز على صور العدرا أكثر بكثير حتى من صور المسيح ذاتها؛ فلا ندري هل هي محاولة للتقريب مع الغالبية العظمى من المشاهدين المسلمين واستخدام العدرا بالذات كرمز مشترك بين الديانتين قد يخفف من وطأة صورة المسيحي كآخر ينبغي التعامل معه بحذر في التناول سواء موضوعياً أو بصرياً.
عادةً ما يظهر المسيحيون يبتهلون للعدرا وكأنما –كما علق أحد المسيحيين ساخراً ذات مرة– يصلون لها وليس لله. كما أن كلمة "الرب" التي تستخدم بكثرة لا يتم تداولها على لسان المسيحيين بالصورة الفجة التي تستخدمها الشخصيات المسيحية الكاريكاتورية في الحوار، والأغرب أن المسيحيين العازفين تماماً عن القسم بالله يقولون "والله" أو "والمسيح الحي" بكثرة في الحوارات الدرامية والسينمائية على عكس الحقيقة التي نجدهم فيها عازفين عن القسم في أغلب الأوقات؛ والجمل الأكثر تداولاً بينهم "صدقني" و"بأمانة". زيارات الأديرة التي يتناوب عليها المسيحيون لا يتم ذكرها أو حتى الإشارة إلى قيمتها لديهم، ونادراً ما يتم الالتفات إلى تفاصيل صوم الأقباط والتي تختلف من صيام لآخر. بل وحتى الصلبان التي ترتديها الشخصيات القبطية في الواقع تختلف من قبطي لآخر، بحسب الشريحة والطبقة الاجتماعية، وهناك من الأقباط من لا يرتدون صليباً، إضافة إلى عدم الالتفات لتفصيلة مثل الوشم كرمز ديني ومدى علاقته بالطبقة الاجتماعية أو المنطقة الجغرافية التي تنتمي إليها الشخصية القبطية.
في تحقيق في جريدة إيلاف، نوه السيناريست هاني فوزي إلى أن صورة الأقباط في السينما المصرية عادة ما تظهر بشكل نمطي حيث تكون ضعيفة لعدم وجود عناصر قبطية في فريق العمل الخاص بالأفلام وهو ما يؤدي الى عدم الدراية الكاملة بالديانة المسيحية وتفاصيلها, بينما في مقال آخر، انبرى السيناريست عاطف بشاي يبرر الاتهامات التي تعرض لها عقب كتابته شخصيتين مسيحيتين متناقضتين في مسلسل "يا رجال العالم اتحدوا" ما بين التشدد الديني والمرح الدنيوي:
"وتأتى تلك الاتهامات كنتيجة منطقية لمجموعة من الدوافع والأسباب والرواسب المعقدة التى تحتاج إلى دراسات دقيقة من قبَل علماء النفس والاجتماع يتمحور الكثير منها فى التأثر بعزلة اختيارية فرفضوها على أنفسهم كرد فعل لما يتصورونه اضطهاداً من الآخر، ففرضت عليهم تلك العزلة إحساساً بالتمايز الخادع الذى لا يرضى من خلاله المسيحى إلا أن يكون نموذجاً للطهارة والنقاء، روح محلقة بالإيمان وقلب عامر بالحب والقداسة.. وسلوك يفيض بالرحمة والتسامح والمغفرة، ونفس تمتلئ بالتقشف والزهد".
بنفس الطريقة التي تتناول بها الدراسات النسوية تعامل السينما ذات الهيمنة الذكورية، تتعامل السينما والدراما مع الشخصية القبطية في الدراما ك "آخر" فائق الطيبة والأخلاق والأريحية. لا يتم الإشارة إلى علاقة الفتيان والفتية الأقباط ببعضهم البعض إلا من خلال كوميديا أو تعامل سطحي، وغالباً ما تصور الشخصية المسيحية النسائية لتقع في غرام شاب مسلم، وينتهي بها الحال إلى الترهبن في غالب الوقت، أو إشهار إسلامها لتنال رضا الغالبية المسلمة من المشاهدين؛ على غرار مسلسل "من الذي لا يحب فاطمة؟
ماذا يريد المشاهد القبطي؟
هل يريد الأقباط بطل شعبي قبطي؟ وهل المجتمع الآن في حالة تقبُّل لبطل شعبي قبطي؟ يتم دائماً التعامل مع فيلم "حسن ومرقص" على أنه فيلم سطحي غازل المجتمع والكنيسة بتقديم صورة المسيحي كما تريدها السلطة، ولكن؛ ما لا يعلمه المثقف القبطي هو أن القبطي المصري العادي لم يعتد أن يرى نفسه بصورة طبيعية حتى يتم تهيئته ليرى نفسه بصورة فجة مبالغ فيها مثل فيلم "بحب السيما" أو بصورة متحررة عن الطبقة الوسطى القبطية على غرار شخصية روز المسيحية التي تزوجت برجل مسلم أو نِهال الصديقة المسيحية المتحررة في مسلسل "أوان الورد"، غالبية الأقباط الذين شاهدوا "بحب السيما" أو "واحد صفر" لم يقعوا في غرام الشخصيات القبطية فيه، ولم يتعاطفوا مع أي شخصية قبطية ظهرت فيهما على الشاشةـ، بل كانوا عازفين عن التماهي مع أي هذه الشخصيات، وهاجموها بشدة. اتهم المثقفون الأقباط المشاهد القبطي العادي بالخوف من الكنيسة، لكن حقيقة الأمر أن فيلم مثل "بلاك بانثر" و"مونلايت" كانا يجب أن يظهرا بعد عقود من الأفلام التي تمهد لظهور الشخصية السوداء على الشاشة بصورة ثلاثية الأبعاد، من خلال عدد من الأدوار والأفلام التي تظهر الشخصية السوداء النمطية أو المثالية أو تتماهى مع المشاهد الأسود الذكر والأنثى بصورة تروق لكليهما.
هناك مثالين لعملين اهتما بتصوير الشخصية القبطية بصورة مغايرة نسبياً عن السائد، ومع كلٍ، لم يلاقيا الشعبية المتوقعة, والعملان من تأليف مدحت العدل وعمرو الدالي؛ والاثنان مسلمان بالمناسبة.
في فيلم "همام في أمستردام"، تتميز شخصية أدريانو بكونه ذكر الألفا المميز مقارنةً بأقرانه في الفيلم، وهو المسيحي الوحيد بينهم. والغريب أن أدريانو هو أكثر الشخصيات الذكورية في الفيلم تماهياً مع صورة البطل المصري، كما أن الدور يؤديه أحمد السقا، أيقونة الأكشن وحلم شباب جيل الألفينات المميز، لماذا إذاً لم يلاقي أدريانو تماهياً شديداً مع الجمهور المسيحي؟ لماذا لم تحدث ضجة كبيرة لظهور هذه الشخصية المسيحية الإيجابية الممثلة تمثيلاً جيداً، وهذا على الرغم من تمتع الفيلم نفسه بقدر هائل من النجاح التجاري.
بينما حاز مسلسل "دوران شبرا" الذي تنوعت فيه الشخصيات المسيحية ما بين الأرملة لولا وابنها أشرف وحبيبته ماجدة على هجوم حاد من المشاهدين الأقباط والذين رأوا في تمثيل بعض الشخصيات بصورة منفلتة قليلاً –ملابس ماجدة، علاقتها المشحونة بأشرف، وتدخين أشرف للحشيش- نوع من الإساءة للمواطنين الأقباط. وعلى الرغم من تميُّز مضمون المسلسل في تنوُّع الشخصيات القبطية المكتوبة، إلا أنه لم يصل لحالة تحقيق الجماهيرية المتوقعة منه، نظراً لكونه يصور الأقباط في نظر المواطن القبطي بصورة يغلب عليها الانحلال الأخلاقي، فلا يتماهى المشاهد القبطي العادي معها، فالقبطي ابن الطبقة المتوسطة المحافظة مازال غائباً عن هذا المسلسل، كما أن المسلسل لم يتصدر له ممثلين جذابين للمشاهد بحيث يتفاعل معهم المشاهد القبطي ويتعاطف مع زلاتهم وانحرافاتهم، مما سيتطلب مجهوداً أكبر من صناع العمل، قد يكونون هم في غنى عنه.
نظريات تلقي الأفلام واستقصاء رأي الجمهور المسيحي
يجب أن تكون هناك دراسات موسعة لقطاعات عريضة من الجماهير المسيحية، لاستقصاء آرائهم حول أكثر مرة شعروا بتمثيلهم تمثيلاً حقيقياً على الشاشة، ومدى اتساق الشخصيات التي تعبر عنهم مع الواقع الذي يعيشونه. في عالم لا تهتم به السينما بآراء الجماهير، أو بتمثيل فئاته العريضة تمثيلاً حقيقياً، يضطر المشاهدون فيه إلى البحث عن بدائل، سواء في الفن التركي أو الأوروبي أو الأمريكي، حيث التنوع والتعددية يسمحان بأن يجد مختلف الأشخاص أنفسهم على الشاشة، جزءاً مما يشاهدون, كما أن ما يريده المشاهد القبطي العادي، يجب أن ينفصل عما تريده الكنيسة، وما يريده مثقفو وفنانو الأقباط، بحيث يكون هناك تنوعاً مضموناً لمختلف الفئات القبطية المجتمعية.