القاهرة 12 مارس 2019 الساعة 11:18 ص
كتبت: إنجي عبد المنعم
يستعرض التشكيلي مجدي أنور من خلال معرضه الشخصي "ذاكرة الأبيض" المقام حاليا بقاعة الباب تجربة مكملة لما بدأه خلال مسيرته الفنية، حيث تمتاز لوحات مجدى أنور بتأثره بالعبق التاريخي والحضاري وكذلك الإنساني، بأسلوب فلسفي خاص به، مستخدما ألوان الأكريليك.
وعن معرضه الجديد أكد أنور في حديثه ل"مصر المحروسة" أن هذه التجربة أتت استكمالا لتجربته الفنية قائلا: "اللون الأبيض مثير جدا كتجربة إنسانية وفنية كما اللون الأسود، وأنا عادة عصبي بطبعي فاللون الأبيض أثر في شخصيتي".
مستكملا أن تناوله للون الأبيض يرجع لما به دلالات وقيم تاريخية ودينية وروحية، معالجا التكوين بحروف أبجدية تشبه الغائر والبارز، لتعطي إحساس للمشاهد بتراكم الحضارات والأجيال، وذلك من خلال تراكم الملمس على مسطح العمل الفني.
وأشار أنور إلى أن معرض "ذاكرة الأبيض" يعد رقم 18 الخاص، ومع ذلك يفضل وقوفه في صفوف الهواة، بعيدا عن الصراعات، وأكد انا الفن يعطيه نوعا من الراحة والسعادة والصفاء الذهني.
وكتبت الناقدة منى عبد الكريم حول قراءتها النقدية عن أعمال الفنان: في الطريق إلى وكالة الغوري تتداخل الأصوات والروائح والحكايات التي تمتزج بعبق المكان، تلك التفاصيل والمشاهدات التي يحرص الفنان مجدي أنور على أن يسجلها عبر مشاوير متكررة إلى مرسمه الذي يقع ضمن مراسم الفنانين بتلك الوكالة الأثرية التي تضفي سحرها على زوارها وروادها من الفنانين، واصلة الماضي بالحاضر، حيث يستمع مجدي إلى أصوات الآذان والأدعية والتواشيح القادمة إليه من مسجدي الحسين والأزهر بل ويتسلل إلى وجدانه أصوات بعيدة لأولئك القادمين بلهفة المجاورة واللقاء، فيعيش تلك الأجواء الروحانية بينما يأتيه نور النهار عبر مشربية المرسم الخشبية، أو ربما حين تصدح الموسيقى في الأمسيات التي تستضيف فيها الوكالة عروض التنورة حيث تتداخل الألوان ويحلق الراقصون الصوفيون.
ويأتي هذا المعرض في وقت حاسم، عقب الحادث المؤسف الذي وقع مؤخرا، كرؤية استشرافية إلى ما نحتاجه اليوم لنرمم الشروخ العميقة التي أصابت أرواحنا، يأتي كدعوة إلى السلام والمحبة، ذلك السلام الذي انتشر على مسطحات مجدي باللون الأبيض الذي اختاره بطلا أساسيا يحمل في طياته رسائل خفية في كل أعمال المعرض التي تقترب من الخمسين عملا والتي خرجت كنبوءة بيضاء.
والفنان مؤمن أن الألوان ما هي إلا إحساس يعبر بها الإنسان عن حالته النفسية كالفرح والحزن والغضب، وكان اللون الأبيض له قدسية واحترام لدى المصري القديم ويعتبر رمز للقوة والنصر واعتبروه منذ القدم رمزا للطهارة والنقاء والصفاء والرفعة، وكان اللون المميز لتاج الوجه البحري فكان رمزا للسعادة والانتصار، وقد عرف قديما باسم "حدج" Hadageوهو لون الكتان الأبيض الذي يرتديه الملك والنبلاء وكبار الكهنة.
أما على الصعيد الشخصي فقد اختار أنور اللون الأبيض ليعبر به عن تلك الحالة من التخلي عن قيود العالم المادي، ورغبة منه في إيجاد ملجأ آمن للتأمل بعيدا عن قسوة المحيط الخارجي وعن الصراعات التي تلتهم الجميع دون رحمة، لذا اختار هذا اللون محملا إياه برسائل عدة أراد أن يبعثها في الوقت الحالي، فما كان منه إلا أن دونها بأبجدياته ورموزه على مسطحه كلغته الأم التي يجيدها.
ولطالما اشتهر مجدي أنور بأبجدياته التي صاغها بنفسه، إذ تبدو حروفياته مألوفة تقترب كثيرا من اللغات القديمة التي نشاهدها على الحفريات وجدارن المعابد وفي المخطوطات، إلا أنها في الواقع لا تنتمي إلى أي لغة من اللغات المعروفة، بل هي لغة تصويرية خاصة به صاغها من مشاهدات عدة وتراكمات حضارية، إذ أن الفنان المصري عموما كما يقول أنور يمتلك الكثير من المخزون البصري المتراكم والذي يمكنه -مع شيء من الوعى والدراسة الأكاديمية - من الوصول إلى عمل فنى صادق.
والمتأمل للأعمال يمكنه أن يلمح الكثير من تلك التراكمات الحضارية التي وجدت طريقها على المسطح المؤلف من طبقات تحمل في ثناياها تاريخا مستقلا يضاف للعمل، إذ اعتمد مجدي في كثير من الأعمال السابقة على تجهيزه السطح بطبقات عدة من خامات متنوعة تمتزج بألوان الأكريلك، إذ تقوم تجربته الفنية على تقديم تجارب على السطح الهدف منها محاولة التوصل لحلول تشكيلية للوحة التصويرية، وهو ما يؤدي – كما يذكر الفنان- إلى الوصول إلى مدخل جديد للتعبير ولمزيد من التفهم لإمكانية أن تكون الخامة مُثيراً جمالياً لدى ممارسي التصوير لإنتاج إبداعات ذات قيمة فنية مستحدثة بعيدا عن الصياغات المتعارف عليها.
ويبدو أن السطح في المعرض الأخير أكثر نعومة من المعارض السابقة إذ تتواري كثيرا الملامس الخشنة والتأثيرات البارزة وهو ما يؤكد على رغبة الفنان في بث شعور بالهدوء والسكينة داخل نفسه قبل نفوس المشاهدين، ومع ذلك خرجت الأعمال محملة برموز متشابكة متداخلة بعضها يؤكد على فكرة إسقاط حواجز التمييز الدينية، وبعضها يحيلنا إلى أصولنا المصرية القديمة، ففي أحد اللوحات يخيل لي أنني أرى حورس يفرد جناحه الأبيض على المسطح حاملا السلام والحكمة إلى العالم، بينما أرى في لوحات أخرى شخوص خفية تتوارى وراء اللون الأبيض في مشهد أقرب للحلم .
إن ما يقدمه مجدي أنور هو ما وصفه شيخ النقاد الراحل كمال جويلي في أحد معارض أنور المبكرة "بخبرات متراكمة على السطح"، مضيفا: دائما ما تأخذنا أعماله المباغتة بالدهشة والدعوة للتأمل مع إطلاقها لطاقة إيجابية إبداعية متجددة لدى المشاهد، شحنة من الإبداع القلقة الهادرة المصحوبة بالطموح تمثل طلاقة في التعبير وامتداد في الخيال، أعماله تثير التعاطف والتأمل والجدل المنصف، إنها أعمال تدهشنا وتستوقفنا مرارا وتكرارا، أسلوب تلقائي مدروس يجمع بين أنماط مختلفة فتخلق تكوينات من طبقات تتحاور فيما بينها هذه الروح المميزة للأعمال لا تجعل العين تمل من توقفها وتأملها للأعمال وتكويناتها وطبقاتها، وقد يكون هذا مفتاح الاستمتاع بها.
ولعل تلك التلقائية التي تحدث عنها الجويلي مبعثها أنه منذ بداية مشواره الفني يحرص الفنان مجدي أنور على ألا يغادر مقعد الهاوي في ممارساته الفنية وهو ما يعني ألا يترك نفسه لمقصلة الاحتراف، إذ يرى أن الفن كغيره من الممارسات كلما كنت فى صفوف الهواة كلما زادت متعتك الشخصية، فينعكس ذلك على أدائك دون توتر يفرضه على الفنان آليات سوق الفن.
يذكر أن الفنان مجدي أنور من مواليد الجيزة عام 1968، وحاصل على بكالوريوس كلية التربية الفنية جامعة حلوان، عضو بنقابة الفنانين التشكيليين، عضو جماعة الفنانين والكتاب والأدباء "أتيليه القاهرة"، والجمعية الأهلية للفنون الجميلة، وجمعية أصالة للتراث والفنون، وجمعية فناني الغوري، وقدم الفنان عدد من المعارض الفردية الخاصة، والجماعية المحلية.
كما صمم العديد من ديكورات المسارح الطلابية والمسارح الخاصة، والعديد من الجداريات والأعمال الفنية، بالإضافة إلى العديد من البوسترات والشعارات واللوجوهات، والأعمال الفنية الخاصة بكبرى الشركات والمؤسسات، وأيضا تصميم وتنفيذ "البروشورات والمطبوعات" الخاصة بشركات البترول والسياحة والفنادق.