القاهرة 05 مارس 2019 الساعة 10:36 ص
كتب : أكرم مصطفى
"من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام" كتاب جديد لبندلي جوزي من دراسة وتحقيق: د. محمود إسماعيل صدر عن دار رؤية بالقاهرة.
إذ يرى المؤلف أننا إذا نحن عرفنا أن أول من وضع مبادئ علم التاريخ وأساليب الانتقاد التاريخي هم مؤرخو الغرب مثل نيبور «niebhur» ورانكه «Ronke» وشلوسر «Schosser» وغيرهم، وهذا حكم خاطئ؛ لأن مؤرخي الإسلام هم الذين وضعوا أصول البحث التاريخي ومناهجه، بل قواعد تفسيره أيضًا، وأن هؤلاء المؤرخين بنوا أحكامهم ونظرياتهم على تاريخ الغرب وحده؛ إذ لم يكونوا يعرفون من تاريخ الشرق إلا الشيء اليسير.
سهل علينا والحالة هذه أن ندرك مقدار ما في أقوال بعض مؤرخي الغرب عن الشرق وتاريخه من الغرابة والطيش، فهل من طيش أكبر من أن يقول أحدهم «إنه لم يكن ولن يكون للأمم الشرقية تاريخ بمعنى هذه الكلمة المعروف بين علماء أوروبا، وإن أساليب البحث التاريخي التي وضعها علماء الغرب لا يمكن أن تطبق على تاريخ الشرق»، وأي غرابة أو بالأحرى أي جهل أعظم من أن يقال «إن العوامل المؤثرة في تاريخ الأمم الأوروبية والنواميس العمومية الفاعلة في حياتهم الاجتماعية هي غير العوامل والنواميس العاملة في تاريخ الأمم الشرقية وحياتهم وثقافتهم.
إن تاريخ الشرق وحياته الاجتماعية وعقلية شعوبه على الإطلاق والشعوب الإسلامية على الأخص تخضع للنواميس والعوامل نفسها التي تخضع لها حياة وتاريخ الأمم الغربية، وإن أمم الشرق قطعت في حياتها الطويلة وستقطع المراحل ذاتها، أو الأدوار الاجتماعية التي قطعتها الأمم الغربية، فلا فرق إذن في هذا الوجه بين الشرق والغرب، ولا يوجد أي تفوق طبيعي لأحدهما على الآخر، وهذا بعض ما نحاول أن نبينه في كتابنا هذا.
ويكشف الكتاب عن تاريخ القرامطة الذين أنيط بهم نشر الدعوة بين العرب والنبط خاصة، وكانوا يتبعون في جميع حركاتهم وسكناتهم الأوامر التي تصدر إليهم من إمام الزمان في واسط بين الكوفة والبصرة، وأكثر سكان هذه البلاد خليطاً من العرب والنبط والسودان الذين كانوا يجلبون من أفريقيا لاعتمال الأراضي واستغلالها،
فلا عجب أن ترى الأكثرية منهم مستائين وميالين إلى كل دعوة من شأنها أن تخفف عنهم حملهم الثقيل وتدعو إلى الرحمة والرأفة بهم، وكانوا يعتقدون أن صاحب الزمان ودعاته سوف يحررونهم من نير العبودية وظلم الدولة وأصحاب الأملاك.
وانتقلت الدعوة إلى البحرين، فالتف حولها سكان تلك المقاطعة على اختلاف طبقاتهم وعناصرهم من أهل المدن الناقمين على الدولة العباسية ونظامها السياسي والاجتماعي، ومن أعراب البادية الذين كانوا يكرهون كل ما له علاقة بالزكاة والأعشار التي لم يتعودها البدو.
وهاجم القرامطة البصرة وانتصروا على جيش الخليفة هناك، ثم صار كل إقليم البحرين واليمامة وقسم كبير من عمان لهم, لولا أن توفي أبو سعيد الجنابي، فخلفه أبوطاهر سليمان فصار يزحف على البصرة وبغداد والحجاز والحرمين.
وأول حلقة أخوية ظهرت بين القرامطة كانت حلقة «إخوان الصفا» التي تأسست في النصف الثاني من العصر العاشر، وهم طائفة من الذين تأثروا بمبادئ.