القاهرة 19 فبراير 2019 الساعة 11:05 ص
د. هناء زيادة
النباتات هي أفضل الوسائل لتنقية كوكب الأرض من التلوث والحفاظ على بيئة نظيفة مستدامة، بسبب امتصاصها لثاني أكسيد الكربون وإنتاجها لغاز الأكسجين الداعم الأول لاستمرار الحياة، ودعماً لحملات حماية النباتات وزراعتها لإكثارها وحمايتها من الانقراض، لجأ خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى تكثيف الجهود في كل مناطق الريف والحضر، من أجل دفع تعزيز الوعي والاهتمام لدى جميع الجهات، لكن في نفس الوقت فللأسف ثمة الكثير من النباتات المهددة بالانقراض، والتي كنا قد استعرضنا بعضا منها خلال مقال سابق، فإننا نكمل ما تبقى خلال هذا العدد من مجلتنا "مصر المحروسة". فطبقا لتقرير عن حالة نباتات العالم الذي أعده خبراء في الحدائق النباتية الملكية بلندن، فإن واحد من بين كل خمسة أنواع من النباتات في شتى أنحاء العالم معرض لخطر الانقراض، بسبب تهديدات عديدة مثل الزراعة وقطع الأخشاب. وقد خلص التقرير إلى إنه بشكل إجمالي توجد 391 ألف نوع من النباتات معروفة للعلم ابتداء من زهور الأوركيد الصغيرة إلى أشجار السيكويا العملاقة، وما زلنا نكتشف الكثير من النباتات الجديدة، حوالي ألفي نوع جديد من النباتات يتم اكتشافها سنويا، وهناك نباتات جديدة للغذاء وللحصول على الوقود وهناك أيضا نباتات مخدرة. لكن الأمر السلبي أننا نلاحظ تغييرا كبيرا في الغطاء النباتي، سببه النشاط الزراعي وهناك أيضا عامل المناخ.
من بين النباتات المهددة بالانقراض، نجد "الزهرة الغربية تحت الأرضية"، والتي تعرف علميا باسم (ريزانثيلاّ غاردينري)، حيث تنمو فقط بين الشجيرات في أدغال "برووم" غربي أستراليا، وتعيش هذه النبتة كل حياتها تحت سطح الأرض، حتى أنها تزهر تحت سطحها في أواخر شهر مايو وأوائل يونيو من كل عام، وتنقصها مادة الكلوروفيل، لذا لا يمكنها أن تستمد الطاقة من أشعة الشمس مثل باقي النباتات، وتنتج النبتة الواحدة أكثر من 100 زهرة ذات ألوان بيضاء وحمراء، وذات عطر قوي، وعوضاً عن فقدانها للكلوروفيل، فإنها تأخذ ما يغذيها من جذور شجيرات البرووم عن طريق الفطريات الطفيلية التي ترتبط بها. ويعتقد أن ما يوجد منها لا يتجاوز 50 نبتة فقط في الوقت الحالي، وهى مصنفة باعتبارها مهددة بالانقراض بشكل حرج. أما شجيرة "فيندا سايكاد" (والمعروفة علميا باسم: إينسفالارتوس هيرسوتس) وتوجد فقط في ولاية ليمبابو في جنوب أفريقيا، وقد وصفت لأول مرة باعتبارها نوعاً جديداً في عام 1996م، وهي مهددة بالانقراض بسبب من يقومون بجمعها بشكل غير قانوني كنباتات للزينة. ولذا انخفض عددها تدريجياً، وتفيد تقارير غير مؤكدة بأنها قد أنقرضت بالفعل في الحياة البرية. ونظيرتها شجيرة "Poke-me-boy" (والمعروفة علميا باسم: أكاسيا أنيغادينسيس) هي شجيرة شوكية للغاية توجد فقط في جزيرتي أنيغادا و فولن جيروسلم، والتي تقع ضمن مجموعة جزر فيرجن البريطانية في المحيط الأطلسي، وهاتان الجزيرتان منبسطتان ولا تعلوان عن سطح البحر كثيراً، لذا فإن المدّ البحري يغمر هذه الشجيرات. وعدد هذه الشجيرات غير معروفة بشكل واسع النطاق، إلا أن المعروف عن هذا النوع من النباتات أنها تنمو في مساحة لا تتجاوز عشرة كيلومترات مربعة. ولتعزيز فرصها في البقاء، يتم إنبات تلك الشجيرات في حديقة نباتات "جي آر أونيل"، وأيضاً في الحدائق النباتية الملكية في كيو بالمملكة المتحدة. أما شجرة "Monkey Puzzle" فهى من الأشجار دائمة الخضرة، التي تنتمي إلى غابات تشيلي، ولها أوراق ثلاثية وحادة، كما تشتمل على مخاريط، وتعتبر الشجرة الوطنية في تشيلي، كما تُزرع في جميع أنحاء العالم، لكن بالرغم من ذلك فإنها مهددة بخطر الانقراض.
من بين النباتات التي تقاوم الانقراض وبصورة حرجة نجد أيضا "عشبة البقدونس السرخسية" الموجودة في جزيرة "أسنسيون"، وتشبه هذه النبتة السرخسية عشبة بقدونس مصغّرة، وتعرف علميا باسم "أنوغرامّا أسنسيونيس"، وتوجد فقط على جزيرة أسنسيون وهي جزيرة بركانية في جنوب المحيط الأطلسي، وكان يُعتقد لخمسين سنة خلت أنها قد أنقرضت، حتى جاء عام 2009 عندما صادف فريق من علماء النبات أربع نبتات منها، وكانت تنمو عرضياً على وجه منحدر غير مستقر في الجبل الأخضر لجزيرة أسنسيون في ظروف قاسية وجافة، وللحفاظ على المتبقي منها، اهتم الباحثون بها لأسابيع وقد هبطوا على حافة ذلك المنحدر مستخدمين حبال الأمان لسقيها وإزالة الأعشاب الضارة حولها، وعندما بدأت تلك النبتات في إنتاج البذور، قام الفريق بقطع الأجزاء الصغيرة الحاملة للبذور وأرسلها إلى الحدائق النباتية الملكية في كيو بالمملكة المتحدة بغرض إكثارها. ومع ذلك فان هذه النبتة السرخسية هي نادرة جداً، وتعيش قرابة 40 نبتة كاملة النمو منها في البرّية. فيما تنتشر شجرة "دم التنين" في جزيرة سوقطرة اليمنية، وهي موجودة منذ أكثر من 2000 سنة، وتشتمل على نحو 40 نوعًا مختلفًا، يتم زراعة كثير من هذه الأشجار على نطاق واسع، وتوجد في قارة أفريقيا، كما توجد بعض الأنواع في أماكن مختلفة.
وبعيدا عن هذه القائمة من النباتات المعرض للانقراض فإن النباتات الطبية التي تستخدم في صناعة الأدوية باتت تتعرض حالياً أيضا لخطر الانقراض والاختفاء، فبحسب تقرير صدر عن الجمعية الدولية لحماية النباتات (Botanic Gardens Conservation International) ، التي تمثل الجمعيات النباتية لمئة وعشرين دولة حول العالم. فمن خلال مسح شمل ستمائة من أعضاء الجمعية، وأساتذة الجامعات، والخبراء الأكاديميين، خلص تقرير الجمعية إلى أن أكثر من أربعمائة صنف ونوع من النباتات الطبية، أصبح مهدداً حالياً بالاختفاء والانقراض التام. وتعزو الجمعية هذه الظاهرة المؤسفة إلى سببين رئيسيين، هما فقدان الغطاء النباتي في العديد من مناطق العالم بسبب التصحر واقتلاع الغابات، أو فرط الجمع أو الحصاد وهي العملية التي يتم فيها جمع وحصاد تلك النباتات بمعدلات أكبر من قدرة البيئة الطبيعية على الإحلال. وتحذر الجمعية من أن استمرار هذه الظاهرة، لن يقضي فقط على أحد أهم المصادر المتاحة لعلاج الكثير من الأمراض والعلل، بل سيهدد أيضاً قدرتنا على اكتشاف علاجات جديدة وحديثة للكثير من الأمراض التي لا تزال مستعصية على العلاج، مثل الإيدز والسرطان.
الخبراء في مجال البيئة والنباتات يؤكدون أن الكثير من الغابات خاصة الإستوائية منها تقطع أشجارها لتتحول إلى مزارع أو إلى مدن جديدة، وذلك مثل نبات "Bois Dentelle" شجرتان فحسب على وجه الأرض، والاثنتان موجودتان في غابات السحاب في موريشيوس، وهو نبات على وشك الانقراض، بسبب ما تعرضت له غابات السحاب من تلف نتج عن الأنواع غير المألوفة. فوفقا لتقرير الحدائق النباتية الملكية بلندن، فإن الزراعة تمثل أكبر تهديد لأنواع النباتات وذلك بنسبة 31%، يليها قطع الأشجار بنسبة 21% أما تغير المناخ فإنه مصدر تهديد أيضا، لكن لا تتجاوز نسبته 9.9% فقط، وفي ظل ذلك فإن هناك مناطق قليلة جدا معروفة باحتضانها للنباتات المهمة، معظم هذه المناطق محمية، لكننا في نفس الوقت بحاجة ماسة إلى التوعية بأن هذه المناطق هي محطات رئيسية للعناية بالنباتات التي على وشك الانقراض. فالحدائق النباتية تضم عددا كبيرا من أنواع النبات، لدراستها والتمتع بمشاهدتها، لكنها تمثل جزءا بسيطا مما يوجد في كوكبنا.