القاهرة 12 فبراير 2019 الساعة 12:25 م
د. حسين عبد البصير
كانت أفريقيا مهمة للغاية لدى المصريين القدماء.
ومنذ أقدم عصور الحضارة المصرية القديمة لعب الفراعنة دورًا كبيرًا في الانتشار في أفريقيا وكشف معالم هذه القارة القديمة العظيمة. وقام الفراعنة بتمصير القارة الأفريقية منذ بدايات التاريخ المصري القديم. وكانت أفريقيا هي العمق الجنوبي للحضارة المصرية. وأمدت أفريقيا مصر والمصريين القدماء بالعديد من السلع والمنتجات التي كان المصريون القدماء يحتاجون إليها من أجل تشييد حضارتهم العظيمة.
وقام فراعنة بداية الأسرات المصرية القديمة وعصر الدولة القديمة بتعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية مع أفريقيا وإرسال البعثات والوفود لجلب المنتجات الأفريقية إلى مصر القديمة. وكانت أفريقيا منجمًا لمصر القديمة؛ نظرًا لوجود العديد من المنتجات التي لم تكن موجودة في مصر القديمة في تلك الفترة.
وفي عصر الدولة الوسطى، بدأ مصر سياسة تمصير النوبة بشكل كبير ومنهجي. وبناء على ذلك، قام الملك العظيم سنوسرت الثالث بتوسيع حدود مصر الجنوبية في النوبة حيث أقام سلسلة من القلاع النهرية الضخمة منها بوهن وتوشكي ووصل إلى الجندل الثالث. وهناك مسلة تذكر إنجازاته الحربية في النوبة.
وفي عصر الدولة الحديثة قام فراعنة الدولة الحديثة بتأمين حدود مصر وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها. وشن الملوك أمثال تحتمس الأول وحفيده تحتمس الثالث الحملات العسكرية ومدوا نفوذ الفراعنة إلى بلاد النوبة، وذلك تدعيمًا للولاء وللحصول على الواردات الأفريقية المطلوبة لمصر. وتم ضم النوبة إلى الممالك التابعة للإمبراطورية المصرية وتم تعييين أحد الممثلين لمصر لحكم هذه البلاد نيابة عن الفرعون العظيم، وأخذ لقب "ابن الملك في كوش". وجاء أهل هذه البلاد يحملون الجزية لبلاط الملوك المصريين القدماء كما هو مصور، على سبيل المثال، في مقبرة الوزير رخ مي رع الموجودة في البر الغربي لمدينة الأقصر، والذي كان يعمل وزيرًا للملك الفاتح العظيم الملك تحتمس الثالث من عصر الدولة الحديثة.
وبعد نهاية عصر الدولة الحديثة انهارت هيبة مصر انهيارًا كبيرًا. واستقل ملوك مملكة كوش أو الكوشيون وأسسوا مملكتهم التي تمركزت في نباتا في جنوب السودان. وقام الكوشيون خلال تلك الفترة بغزو مصر تحت قيادة الفرعون بعنخي أو بيا، وسيطر على طيبة والدلتا ومن ثم سيطر الملوك الكوشيون على مصر في القرن الثامن قبل الميلاد. وقد حكموا الملوك الكوشيون مصر باعتبارهم الأسرة الخامسة والعشرين. وحكم ملوك الأسرة الخامسة والعشرين الكوشية مصر الفرعونية في ما يعرف تاريخيًّا بعصر الانتقال الثالث. وقام الكوشيون بحكم مصر لمدة تقرب من مائة عام، ومن أشهر ملوك تلك الحقبة الفرعون الكوشي طهرقا والذي تم تتويجه في منف بمصر. وحكم طهرقا كوش ومصر معًا، وقام بترميم المعابد المصرية في الكرنك، كما قام ببناء العديد من المعابد والأهرامات الجديدة في النوبة. غير أن دولة كوش الضعيفة لم تستطع أن تستمر في حكم مصر القوية.
وبعد فترة من حكم الكوشيين لمصر، بدأ الآشوريون هجومهم وغزوهم لمصر. فحارب كل من الملكين الكوشيين طهرقا وخليفته تانوت أماني الآشوريين. وفي نهاية المطاف، أجبر الآشوريون الملوك الكوشيين على العودة إلى بلادهم، واحتلوا منف، وعزلوا معابد طيبة. وهكذا انتهت الأسرة الخامسة والعشرون الكوشية.
وحلت مكانها أسرة مصرية أصيلة من أعماق الدلتا المصرية من مدينة سايس أو صا الحجر الموجودة في مركز بسيون في محافظة الغربية الحالية، وأسست ما يعرف بعصر الأسرة السادسة والعشرين أو العصر الصاوي نسبة إلى عاصمتهم. وقام فراعنة الأسرة السادسة والعشرين الصاوية بتقليد كل ما هو جميل في عصور الازدهار السابقة. وكانت هذه الأسرة من أجمل وآخر الومضات الحضارية في مصر القديمة قبل غروب شمس مصر الفرعونية وتحولها إلى مملكة يحكمها الغرباء.