القاهرة 21 يناير 2019 الساعة 01:21 م
د. هويدا صالح
على هامش فعاليات مهرجان الشارقة للشعر الشعبي في دورته الخامسة عشر أقيم اليوم الاثنين 21 يناير 2019 في تمام العاشرة والنصف صباحا ندوة فكرية بعنوان:"التنوير في الشعر الشعبي(الرواد المكرمين).
بحضور دكتور بطي المظلوم وضيوف المهرجان من الشعراء والإعلاميين والنقاد من الإمارات وجميع أنحاء الوطن العربي.
وقد شارك في الندوة كل من:
د. منصور الشمسي بورقة بحثية بعنوان:" البلبل المغرد، الشاعر الذي لا يتحول عن الشعر؛راشد سعيد شرار". بدأ الشمس ورقته بمقدمة طويلة عن الشعر والشاعر وطرح سؤالا يبدو بديهيا : لماذا يتعين على الشاعر أن يشعر بضرورة أن يكون موضع إعجاب ، وأن يوجد حوله وهما، مفاده أنه شاعر متميز وفريد لا يضاهيه شاعر آخر؟ وأفاض في الحديث عن النظرية الإبداعية والعملية الشعرية، ورأى أن الشعر إبداع، والشاعر مبدع، وبالتالي النظرية الإبداعية بكلياتها وتفاصيلها وتطبيقاتها العملية جزء من العملية الشعرية وتفصيل الشاعر والشعر ذاته، انعكاس لهذا الإبداع .
وأكد الشمسي أن الشاعر يجب أن يبحث عن" مصدر لامع للطاقة والأفكار" ويجب أن يفعل ذلك، حتى تظل اللحظة الشعرية حالة دائمة لديه، كما يتم تجاوز فعل الكتابة الشعرية إلى فعل الإثارة، والقدرة على إحداث تغيير؛ تغيير للأفضل، والشاعر قادر على فعل هذا الشئ الإيجابي في الحياة والتمهيد له كونه يملك هذا التنوع الذاتي والاختلاف الكامن.
كما رأى الشمسي أن الشاعر يمارس سحرا، لكنه ليس ذلك الممنوع أو المحرم، ولكن ذلك السحر المباح؛ كنهه التأثير والجاذبية، ذلك السحر الشاعري يتساقط رذاذا على الدنيا، يجعل الحياة ألقا، بصورة دائمة، أو يسعى لجعلها ألقا دائما، أو أن ذلك السحر الشاعري عبارة عن قوة تأثير الشاعر المتنوعة في الحياة.
وبعد هذه المقدمة التي تغرق في المجاز، وتبعد بالورقة عن المنهجية النقدية قدم الشاعر الجزء الثاني من الورقة تحت عنوان:" أن تكتب عن صديقك!" وتساءل حين يكتب الإنسان عن صديقه هل ينحاز له؟ أم يبقى مسافة بينه وبينه، حتى تستقيم الكتابة بطريقة معينة؟ أم هي مراوحة بين الانحياز والمسافة؟
وقرأ قصيدة له بعنوان"السماء تمطر في قلبك أيها الشاعر"، ثم قرأ نصا يغرق في المجاز أيضا وأهداه للشاعر راشد شرار.
لكن الملاحظ أن الباحث لم يقارب جماليات المشروع الشعري لشاعر شعبي كبير بحجم راشد شرار، ولم يتعاط نقديا مع مشروعه، ولم يكشف جمالياته، رغم أن الشاعر أحد رموز الشعر الشعبي في الإمارات وأحد المكرمين الثلاثة الذين كرمهم صاحب السمو سلطان بن محمد القاسمي أمس في افتتاح المهرجان
أما الباحثة شيخة محمد الجابري، فقد قدمت ورقة علمية بعنوان:" أحبت البر وعشقت الطبيعة وحياة البداوة الشاعرة ريم البوادي إطلالة على إبداعها". قدمت لها بإطلالة سريعة على المشهد الشعري النسوي في الإمارات، ومن ثم انتقلت إلى السيرة الشعرية والأدبية للشاعرة ريم البوادي، وأكدت أنها من الشاعرات اللاتي ظهرن في تلك الفترة وجايلن أسماء متعددة من شعراء وشاعرات حقبة الثمانينيات، فهي تعد من شاعرات الرعيل الأول ممن ذاع صيتهن في تلك الفترة وانتشرت قصائدن عللاى صفحات الشعر الشعبي في صحيفة"البيان" التي كان يشرف على تحريرها شاعر الإمارات الكبير حمد بوشهاب.
ثم تحدثت عن الولادة والنشأة للشاعرة ريم البوادي وأسرتها الشعرية ، حيث كانت جدتها شاعرة، وأمها شاعرة وأبوها شاعرا أيضا. واستقصت الباحثة رحلة حياة الشاعرة ريم ومشوار تعليمها وعملها وعلاقتها بالشعراء الشعبيين، وانعزالها كذلك عن المشهد الشعري، واكتفائها بكتابة قصائدها الاجتماعية التي كانت تخاطب فيها أسرتها.
كذلك استقصت الشاعرة الحضور الإعلامي لريم البوادي وعلاقتها بالشاعرة الإماراتية الراحلة عوشة بنت خليفة السويدي أو فتاة العرب، وتحدثت ريم البوادي للباحثة عن هذا اللقائء الأول، وكيف كانت تشعر بالرهبة أمام هذه القامة الشعرية المجيدة.
ثم ذكرت الجابري "مجاراة" شعرية حدثت بين الشاعرة ريم البوادي والشاعرة عوشة بنت خليفة حيث تقول فيها عوشة:
يا شفاتي لي لك اشتافي
منك يكفي الروح ما ياها
شو حكم والصد بالجافي
صد لي عن عيني أغفاها
حيث قالت ريم البوادي
ها السنين التي مرت عجافي
لا طعم لا ذوق بالمره
ذقت فيها من الشقا أصنافي
والجوارح تذرف العبرة
لي صدر حكمه بالأنصافي
سمع قول الواشي وغدره
كما تحدثت الباحثة عن العاطفة الدينية في قصائد ريم البوادي، حيث يظهر ذلك في كثير من النصوص ، فيما قرأت قصيدة" يا رب يا علام الغيوب" التي تجلت فيها تلك العاطفة الدينية والحس الإيماني. كذلك قرأت الباحثة البعد الاجتماعي في قصائد ريم البوادي، حيث رأت أن الشاعرة ذهبت في قصائدها الحالية إلى نقد بعض السلوكيات التي يقوم بها البعض من أفراد المجتمع في ظل التطور والنمو المتسارع في الدولة وفي كافة المجالات، الأمر الذي أثر على ثقافة وسلوك البعض، بخاصة السيدات، وسلطت الشاعرة الضوء على تلك التصرفات التي تجاوزت الثقافة الإماراتية واللغة والهوية.
كذلك وضعت الباحثة يدها على البعد الوجداني في أشعار ريم البوادي، وقرأت قصيدة" خافي ضلوعي" التي يتبدى فيها صدق الشعور والتمسك بعزة النفس والحرص على المودة واستمرارها والتغاضي عن بعض الأخطاء من أجل استمرار التواصل والمحبة، حيث تقول فيها:
أقر لك وأوطي الراس
وأخضع ولو ماني خضوعي
ولو ما جرى ودمعي على ناس
عليك كم هلت دموعي .
صوان قلبي وأصبح نحاس
وإن ذاب وأمسي لك سنوعي.
كما قدّم الباحث علي العبيدان ورقة بحثية بعنوان" بن رضوة الكتبي شاعرا متفردا في أسلوبه وتجربته الشعرية؛ قراءة جمالية وأدبية وفنية". قدم فيها سيرة مختصر للشاعر محمد بن رضوة، ثم قارب فيها السمات الفنية والجمالية لمشروعه الشعري. وقد وضع يده على عدد من الجماليات والسمات الفنية التي تميزت بها قصيدة بن رضوة حيث يرى العبيدان أن هذه السمات الفنية تتلخص في:
1ـ موضوعات الشاعر وأغراضه متنوعة، لكن يغلب عليها طابع الغزل والمشاكاة، وهما على كل حال غرضان رئيسان في الشعر الشعبي، ومع ذلك فهو عفيف في الطرح والوصف.
2ـ يحرص الشاعر على تبسيط وتسهيل لغة الشعر.
3ـ في لغة الشاعر الكثير من مفردات اللهجة المحلية عربية الأصل، والتي تعود جذورها إلى العربية الفصحى.
4ـ ينوّع الشاعر في أوزان قصائده، فهناك وزن"الردح" ووزن مجزوء الرمل، ووزن المديد، ويختار منها ما يتوافق مع موضوعاته.
5 ـ يحرص الشاعر على الجماليات الصوتية للحروف العربية، وجرس الألفاظ، ويستخرج منها إبداعاته النغمية في تزيين وزخرفة مفردات القصيدة.
وقد انتهت الندوة بتكريم الباحثين الثلاث من قبل مدير بيت الشعر الشعبي في الشارقة الدكتور بطي المظلوم.