القاهرة 15 يناير 2019 الساعة 12:33 م
د. هـنـاء زيــادة
تنتشر الأبنية المائلة حول العالم، سواء من الأبنية القديمة التي أدت العوامل الطبيعية إلى ميلانها عبر السنين، إلى الإبداعات الهندسية المائلة التي يعمد المصممون إلى إبهارنا بها، وهناك أبراج مشهورة قد لا يلاحظ كثيرون أنها مائلة، مثل ساعة "بيج بين" الشهيرة في لندن، والتي تميل بزاوية 0.28 درجة إلى الشمال. لكن لا شك بأن برج بيزا المائل هو أشهر بناء منحني في العالم. والذي بدأت عمليات البناء له في عام 1174م، ولكن لم تكتمل حتى عام 1350م تقريباً، والسبب في هذا التأخير الطويل هو أن العديد من الحروب التي وقعت في تلك الفترة، والتي شاركت فيها مدينة بيزا وكان التأخير على الأرجح ميزة فارقة في بناء البرج، لأن التربة أصبحت مضغوطة أكثر على مر السنين، مما ساعد على الحفاظ على البرج من السقوط رغم ميله. ومن المثير أن هوية المهندس المعماري الأصلي لبرج بيزا مازالت غير معروفة، يُقال أحيانا أن "بونانو بيسانو" هو المهندس الأصلي للبرج، ولكن من المحتمل أيضاً أن يكون "جغيراردو دي جيراردو" هو المهندس الأصلي له، وكان المهندس المعماري الآخر "جيوفاني دي سيمون"، والذي تولى أعمال البناء في عام 1272، وقيل انه بنى الطوابق العليا، بجانب واحد أطول من الآخر، وهذا هو سبب في ميل البرج، لكن ما هو مؤكد أنه قد تم الانتهاء من البرج من قبل "توماسو دي أندريا بيسانو"، وقد بني البرج نفسه على الطراز الروماني.
لكن كيف يميل البرج؟، في البداية كان يميل إلى الشمال، ثم بدأ يميل إلى الجنوب بعد مزيد من البناء في عام 1272، ولا يزال يميل إلى الجنوب حتى اليوم، وقد كان ذلك مدعاة للقلق لفترة طويلة جداً، وأجريت تصحيحات في القرنين العشرين والقرن الحادي والعشرين قبل التصحيح في عام 1990، البرج يميل حوالي 10 درجات حالياً، وحوالي 3.99 درجة، أو 5 أمتار عمودياً. لكن ما السبب في ميل برج بيزا والذي لا يزال غامضاً حتى اللحظة؟
الأرجح أن التأخير في البناء تسبب في تحول التربة، وقد تكون التربة التحتية الضعيفة وغير المستقرة من الطين والرمل والقذائف الضعيفة جداً جعلته يقف في وضع مستقيم من جانب واحد بالإضافة إلى الخلل الذي حدث نتيجة فجوة بعمق ثلاثة أمتار،ربما تسببت في هذا الميل، زاد الميل بمرور الوقت بمعدلات مختلفة ومثيرة للدهشة في بعض الأحيان، وقد مال البرج بدرجات مختلفة خلال سنوات، لكنه كان يميل حتى قبل الانتهاء منه ومنذ إضافة الطابق الثالث له، ومن القصص المثيرة حول البرج أن "جاليليو" عالم الفلك الشهير، وهو بالمناسبة ابن مدينة بيزا، قد أسقط مدفع وقذيفة من أعلى البرج في أواخر القرن السادس عشر، لاختبار الكتلة مقابل السرعة.
لــكــن ماذا لو استقام البرج ؟!
مؤخراً، وجدت دراسة سنوية أن برج بيزا المائل، يزداد استقامة مع مرور الوقت. وتقول الدراسة التي نشرتها مجموعة Tower Surveillance، وهي فريق من الباحثين تأسس في عام 2001 لمسح المعالم الأثرية، إن البرج تحرك بمقدار 4 سم، خلال السنوات العشرين الماضية. ويبدو أن برج بيزا المائل، الذي يبلغ طوله 57 مترا، أكثر ثباتا مما كان متوقعا، حيث أقرّ الخبراء بأن الأعمال السابقة والملحة في أوائل التسعينيات، كانت السبب وراء البنية المحسنة. وفي أوائل التسعينيات، كان البرج يميل مسافة 5 درجات عن الاتجاه العمودي، ما دفع بحركة التربة إلى تصحيح الميل. كما تم تركيب دعائم حديدية وكابلات لإبقاء برج بيزا قويا، ويبدو أن هذه الإجراءات قد أثمرت، إذ انخفض الميل قرابة 45 سم، بحلول العام 2001. ومنذ إنشاء "Tower Surveillance"، استمرت البنية المكونة من 8 طوابق في الاتجاه نحو الوضعية المستقيمة. طبقا للدراسة فإنه "منذ بدء العمل القديم، أصبح البرج يميل بمقدار نصف درجة أقل، كما أن استقراره يتحسن بشكل أفضل من التوقعات الأولية"، وتجدر الإشارة إلى احتمال إعادة تسمية برج بيزا المائل، "برج بيزا" فقط، في يوم من الأيام، ليكون الاسم أقل إثارة للاهتمام مع استمرار التوجه الحاصل لاستقامة البرج.