القاهرة 15 يناير 2019 الساعة 12:11 م
د.محمد السيد إسماعيل
" لا كرامة لمستطيل " هو الديوان التاسع للشاعر اليمنى هانى الصلوى ويتكون هذا الديوان من أربع وحدات أو حركات لا تحمل الأولى عنوانا جامعا وتشمل عدة قصائد منها : " مرآة حادة ( أو شهادة زور غير مأجورة ) " و" صفقة : لا يسمح الثور لفريسته بالمستقبل )" و" فهرست دار " و" تخطيطات قادمة " و" الموعد " ...والوحدة الثانية تأخذ عنوانا جامعا هو " برق ملعون الطلعة " والثالثة " يضربفى اللغة ( مع الشروحات ) " والرابعة " مسكينة أنت يا بلجيكا " وعلى الرغم من استعارة عنوان هذه القراءة " شعرية تضرب فى اللغة " من عنوان الوحدة الثالثة " يضرب فى اللغة " فإن متن هذا الديوان يقدم أكثر من شاهد على هذه المغايرة اللغوية وما قد تصنعه من اضطرابات دلالية ومن ذلك استخدامه لعنوان يحمل درجة كبيرة من الإبهام الأمر الذى يصعب معه أن يكون عتبة أولى لعالم النص كما اعتدنا أن نقول فما هو ذلك المستطيل الذى أصبح بلاكرامة هناك إشارة إلى " الخدود المستطيلة " لكنها ليست كافية فى تفسير دلالات هذا العنوان وسوف يكون من التعسف أن نقول إن الشاعر يتحرك فى محيط أربعة أماكن : اليمن – مصر – تونس – بلجيكا والتى قد تمثل"هكذا يمكننى أن أتصور "زوايا مستطيل يحاصر الشاعر .
لايقين – فى حقيقة الأمر – فى شىء وكأننا نمارس لعبة خطرة مع اللغة كأننا نستخدمها للمرة الأولى بلا مرجعيات دلالية مسبقة ثم يأتى العنوان الفرعى " ذلك الغيورة " الذى لا نستطيع فهمه إلا بتقدير مذكر محذوف كأن نقول " ذلك حال الغيورة " مثلا .كل ذلك يظل على سبيل الترجيحات لاأكثر .لكن مالم أستطع تأويله هو استبدال علامات الإعراب بعضها مكان بعض ولنتأمل قوله " قررت أمى ومنجمة القرية استدراجى /إلى غرفة جدتى / حيث لاموضع قدم / إلا وتقف فيه ناصحة بإجاصة وسكين " ( الديوان ص 16دار أروقة ) حيث يستبدل التنواين بالكسر مكان التنوين بالفتح فى " ناصحة " التى هى حال منصوب وفى أكثر من موضع نجد تنوينا – دون ضرورة شعرية – للممنوع من الصرف مثل " مآتما – حواجزا " فى قوله " نشجت أعراسا ومآتما لتقولى إنك الفارعة " وقوله " تضع المفاتيح حواجزا لغوية " واستخدام نفوق للدلالة على موت الإنسان .
من المؤكد أن هانى الصلوى يمتلك طاقة شعرية واضحة ولديه قدرة على توظيف الخيال لكنه أحيانا يقع فى تقريرية تفتقر إلى روح الشعر كما فى السطر الأخير من هذه الصورة " لا تمت فى الصباح الباكر / حيث تشبه الشمس نفسها تماما / كنفلامجال للعبث مع المسئولية والترتيب " وعلى النقيض من هذه التقريرية نجد صورا يمكن وصفها بالإغراب والاستحالة الخيالية كأن يقول مثلا " أخرجت البساتين من أعشاشها / البندقية من ظلمة السر / لكنك لم تشربى رقبة واحدة أو فلاة " وهناك تركيبات لاتقوم على استحالة الخيال فقط بل على استحالة الفهم مثل قوله " مفضوحة بروقك المتنكرة خلف سين نونية الألف " ولا أظن أن الشاعر فى حاجة إلى هذا الإغراب وهو قادر على كتابة شعرية عالية فى العديد من قصائد هذا الديوان.
ولنتأمل فقط هذا الشاهد " مت لحظة الغروب وأنت ترى الدموع تهطل من مزاريبها / والعشاق يحتمون بأرواحهم من الأجساد / يتمنون الموت قبل أن يكونوا فراقا / والفناء قبل أن يكونوا نهرا / يكذبون على ضلوعهم عنوة ولا يتوقفون عن النحيب " هذه سطور تقوم على شعرية واضحة وخيال قابل للتأويل وتوظيف للمفارقة بين الفناء والخصوبة والروح والجسد والتجاوب بين الغروب والفناء والنحيب كما يعتمد فى مواضع كثيرة على آلية التكرار لكن خطورة هذا التكرار تكمن فى التراكم الكمى دون تصاعد أو تحولات دلالية وشعورية وكذلك آلية الإثبات والنفى للعبارة الواحدة كما فى تكراره لعبارة " أدخل من باب وأخرج من نافذة " التى يكررها ثمانى مرات متتالية مع إثبات " أخرج من نافذة " ونفيها بصورة منتظمة .
إنها غواية الاستطراد التى نلاحظها أيضا فى قصيدة " كان الحزن إلها قديما " التى يقول فى بعض سطورها " قطعوا أصابع قدمه اليمنى وهو يقهقه / اليسرى وهو يقهقه /بتروا ساقيه وهو يقهقه " وهكذا تتكرر الجملة الحالية " وهو يقهقه " سبع عشرة مرة وهذا على العكس مما فعله الشاعر باقتدار فى قصيدة " المداعة " التى تعتمد على التكثيف واللغة الإشارية التى تضمر أكثر مما تعلن وتترك مساحة لخيال المتلقى حين نقرأ " – أمى فى البرد / - زوجة أبى فى المعركة /- أصابعك فى المسامرة / فنار فى التيه ..." وهو يمتلك هذه القدرة على التكثيف حتى فى القصائد التى تقوم على السرد الشعرى كما فى " بئر الفوز – غارى بالدى " وفى قصيدة " على بابا " التقاطات ذكية تقوم على التعبير بالكناية حين تصور شخصا يقدم الكوكاكولا وهو يندد بمساوئ الإميريالية العالمية متجاهلا أن هذه الزجاجة رمز لهذا النظام العالمى ولعلنا لا نخطىء على مادر الديوان توظيف جغرافية المكان وهى تيمة عربية قديمة.
وفى تصورى أنها سوف تزداد حضورا فى ظل الانهيارات الحادثة فى العديد من الأقطار العربية ومن الطبيعى أن يأتى المكان بمستوياته جميعها ومن هنا تأتى صيغة التوحد بين الإنسان والكائنات الطبيعية .وهناك ما يمكن أن نسميه اللغة البدئية أو السحرية التى ما إن يتلفظ بها الإنسان حتى تحدث نتائجها غير المتوقعة حين نقرأ :" قلت الثور فسقطت العصفورة فى حجرك / السحابة فغارت أحلامك / الزاوية فبرز السطح سهلا ممتدا / التميمة فانكفأ السحرة فى المحاريب " .
وأخيرا يمكننى القول إن هانى الصلوى يمتلك طاقة شعرية واضحة وقدرة على توظيف الخيال ولغة متميزة فقط أشير عليه أن يفكر فيما ظننته عوامل مؤثرة بالسلب على هذه القدرات الواضحة .