القاهرة 15 يناير 2019 الساعة 11:58 ص
كتب ـ أحمد مصطفى الغـر
الصداقة هي علاقة اجتماعية تربط شخصين أو أكثر، على أساس الحب والثقة والمودة بينهم، وفي اللغة.. كلمة "الصداقة" مشتقة من الصدق، لكن ما هو ملحوظ هذه الأيام هي صداقات من نوع جديد، صداقات الـ "فيس بوك" ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث لا قيود على الصداقات بين الجنسين، البعض يراها انفتاحاً وتخلصاً من قيود بالية، لكن هل حقاً يمكن للإنسان أن يجد من يحبه ويبادله نفس المشاعر علي تلك المواقع؟، هل يمكن أن تؤسس لمشاريع زواج شرعية أم هي شهوات ورغبات بأشكال وصور مختلفة؟، إذ تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، وخاصة فيس بوك، وسيلة أساسية للتواصل بين الناس، وبشكل خاص وسيلة للتعارف وتكوين الصداقات، ولكن هذه الصداقات لا تكون بالضرورة بناءاً على معرفة مسبقة أو تواصل شخصي قد تم بالفعل في واقع الحياة، هي مجرد ــ وكما يصفها البعض ــ "صداقة الكترونية"، يتعرف الناس من خلالها على بعضهم البعض ويتواصلون، وربما يتحدثون لساعات طويلة، فقط من خلال شاشة الكمبيوتر أو الهاتف المحمول!
لا يمكن التشكيك فى الفائدة التى يمكن أن يقدمها الفيس بوك لعلاقات الصداقة، لكن المشكلة تكمن فى أنه قد يحول الصداقة إلى إحساس وهمى!، ومهما تحدثنا عن أن صداقات الفيس بوك في أغلبها تكون سطحية وعابرة.. إلا أن حاجة الانسان الأزلية تبقى كامنة في البحث عما يتفاخر به، ومنها في عصرنا الحديث.. عدد المتابعين والأصدقاء الافتراضيين، غير أن الصديق الحقيقي لا تعرف معدنه إلا في وقت الضيق. ووفقا لدراسة أمريكية أجراها "روبين دونبار"، أستاذ علم النفس التطوري في جامعة أكسفورد، كشفت النتائج أن الفرد على مواقع التواصل الاجتماعي يمتلك ما معدله 150 صديقا على فيسبوك في المتوسط ، لكن 15 منهم فقط يمكن أن يحسبوا "أصدقاء حقيقيين"، و5 فقط "أصدقاء مقربين" ،أما البقية فهم إما صداقات مزيفة أو أنتجتها ظروف معينة لكنها فى النهاية لا ترتقي لكونها "صداقات" بالمعني الحقيقي للكلمة.
فأي صداقة أو علاقة سوية تحتاج إلى لقاءات وجها لوجه من أجل المحافظة على استمراريتها، لكن في نفس الوقت فإن الحسنة الوحيدة ـ ربما ـ التي منحتنا إياها مواقع التواصل.. هي منع الصداقات من الاندثار مع مرور الزمن، فالمشاركة على الفيس بوك يجب ان تقف عند حد معين، مناقشات مع الأصدقاء والمعارف والأقارب فقط، حتى عندما يقوم الشخص بتسجيل رأيه عبر تعليق على صفحة عامة، لا يجب أن يدخل فى نقاش داخلى مع الآخرين عبر التعليقات، أما عن تطور الصداقات إلى علاقات عاطفية، فلا يجب أن تطور تلك الصداقات لتصل إلى مرحلة الحب والإعجاب، لأن نجاح هذه العلاقات سيكون شبه معدوم غالبا، وهذه العلاقات تكون غير جادة وتكون فقط لمجرد التسلية والعبث بالآخرين.
وفقا لإحدى الدراسات، فإن 66% من حالات الطلاق في الولايات المتحدة، كانت بسبب مشكلات تتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص "فيس بوك"، حيث أصبحت وسائل التواصل مَدْعَاةً للهروب من التعامل المباشر، وإقامة العَلاقات ألاجتماعية في المجتمع الامريكي، وإنَّ ضعف هذه العَلاقات في الواقع وندرة القيام بالزيارات الاجتماعية يقلل التحاور وتبادُل المشاعر، حيث أكدت دراسات أخرى أجراها "د. روسل كلايتون" من جامعة "ميسوري" الامريكية، وبمعاونة باحثين وأساتذة بجامعة بوسطن، وشملت الدراسة مستخدمي "فيس بوك" الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عام، وكان السؤال: كم من الوقت يقضون على الفيس بوك؟ وكم مرة حدثت مشكلة مع شركائهم العاطفيين بسبب هذا الموقع؟، فأظهرت نتائج الدراسات أن استخدام فيس بوك، كان مؤشرًا كبيرًا على ارتفاع معدل الطلاق بين الزوجين وتزايد معدل الخلافات والمشاكل بينهما، وأفادت الدراسات بأن معدلات الطلاق بين الأزواج تزايدت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي في 45 دولة، في الفترة ما بين 2010 و2014.
مأساة هذه المواقع تظهر عند الحديث عن الخيانة الزوجية ، تلك التي أصبحت في يومنا هذا سهلة ـ للأسف ـ بفضل مواقع التواصل الاجتماعى، حيث يدخل الشخص إلى الدردشة من خلال الفيس بوك أو غيره، فيتعرف على امرأة افتراضية في البداية، ومن ثم تتحول إلى حقيقية لاحقاً، فمن كان مستعداً للخيانة الزوجية يذهب ويلتقي بمن تعرف عليها عبر السوشيال ميديا، وتبدأ العلاقة، ولكن قد تنكشف اللعبة، وتحدث الكارثة وتنتهي العلاقة الزوجية، والكارثة الأعظم أن هذه السهولة لا تنطبق على الرجال فقط، بل يمكن للزوجة أيضاً إيجاد عشيق لها عبر الفيس بوك، فتدخل في المحادثة بغياب زوجها، ويقع الزواج في الهاوية، خلاصة القول: إن الفيس بوك سلاح ذو حدين ، لكن الأسوأ أن الحد السيء له يفوق في مساوئه بكثير الحد الجيد!