القاهرة 08 يناير 2019 الساعة 11:00 ص
كتب : أحمد مصطفى الغـر
أصبحنا في العام 2019، ومازال البعض يُصر على أنه أقدر على معالجة أمراضه أفضل من أمهر الأطباء، يتعلل البعض بالمقولة الشهيرة "الإنسان طبيب نفسه"، متحصنين بثقافة صحية وطبية ضئيلة، فيبدأون رحلتهم في عالم الدواء دون علم أو دراية كافية أو وعي، في واقع الأمر فإن الإنسان لم يعدً طبيب نفسه، فالأم لا يمكن أن تتحول طبيباً لطفلها، خاصة أن مناعة الطفل تكون ضعيفة مقارنةً بكبار السن، وبالتالي قد يعود تناول الطفل لأي دواء بمفعول عكسي عليه، كما أن بعض الأمهات يعانين جهلاً في علاج أطفالهن، خاصة عند عدم مواصلة تناول الدواء الموصوف بسبب التحسن المبدئي لحالة الطفل، وهو أمر خاطئ ترتكبه أغلبية الأمهات، وله آثار سلبية أهمها عودة إصابة الطفل بالأعراض المرضية بشكل أشدّ وأقوى، أيضا.. بعضنا يلجأ لقطرات العين بمجرد حدوث احمرار بالعين أو التهاب بسيط، دون إدراك أنها قد تحتوي على الكورتيزون، وماله من آثار خطرة على العين عند استخدامه لفترة طويلة. هنا لا يكفينا أن نحفظ عن ظهر قلب أسماء أدوية وعلاجات أجنبية، صحيح أن العلاج متداول ومعروف لدى أبسط الناس، لكن ليس بالضرورة أن يكون هو العلاج المناسب لهذا المرض أو ذاك، فاعتمادنا على استشارات الأصدقاء أو التجريب يؤثر سلباً على صحتنا، وقد بات علينا أن ندرك أهمية ترشيد استخدام الأدوية.
الدواء الذي يصلح لمريض لا يجوز بالضرورة أن يتناوله مريض آخر، حتى ولو الأعراض قريبة من أعراض المريض الأول، فربما تكون الجرعة التي يحتاجها المريض الآخر أكبر او أقل، وبالتالي فإن الاعتماد على وصفة طبية من صديق كانت لديه نفس الأعراض المرضية يعتبر أمر خطير، فمن الوارد جداً أن يؤثر الدواء بشكل خطير على أمراض أخرى، ومن الأمور الأخرى الهامة أيضا والتي يغفلها كثيرون، هي الزيارة الدورية للطبيب لأصحاب الأمراض المزمنة، فمن الضروري جداً مراجعة الطبيب من وقت لآخر، لمعرفة مدى تأثير الدواء على الجسم، كما أن علوم الدواء تتطور من يوم لآخر، و دواء الأمس قد لا يصلح لمرض اليوم. قد تكون الظروف المعيشية الصعبة أو ارتقاع أسعار زيارة الطبيب، من الأسباب التي تدفع بعضنا إلى اعتماده على الكثير من الوصفات العلاجية من الأصدقاء، أو في أحسن الأحوال.. الاعتماد على الصيادلة في الاستشارة الطبية والحصول على الأدوية منهم، هذا بخلاف الكثير من الوصفات الطبية التي يحفظها معظمنا للعديد من الأمراض، والتي في أغلبها بلا سند طبي صحيح، فهى ليست سوى مجرد وصفات تناقلتها الأجيال وأصبحت من موروثاتها. لكن التسرع في تناول تلك الوصفات دون مراجعة الطبيب قد يكون له عواقب وخيمة، فبعضها قد يؤثر بالسلب في بعض الأجزاء من الجسم، مثلاً الحساسية من أبر البنسلين.
ومن الأمور السيئة أيضا أن يكون هناك خلط أحياناً لدى بعض المرضي بين دور الطبيب المختص والصيدلي، وكثيراً ما نجد الصيادلة يساعدون المرضى بإعطائهم أنواع معينة من الأدوية، وأحيانا ما تؤتي مساعدتهم نتائج إيجابية، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن صحة البشر لا يمكن التلاعب بها، أو التجريب فيها، حتى لو كان الصيدلي يملك خبرة شخصية طويلة، فمثلاً قد يأتي مريض لصيدلاني ويشتكي له من الصداع، فيقدم له الصيدلي الأسبرين مثلا بدون أن يسأله إذا كان يعاني من القرحة أم لا، فيتعرض المريض بسبب الأسبرين إذا كان مصاباً بالقرحة إلى حالة نزيف بالمعدة، إذن فالصيدلي غير مؤهل لإعطاء دواء بدون وصفة، وما هو مطلوب من الطبيب والصيدلي أن يتعاون الاثنان معاً، ويؤدي كلاً دوره فقط، لأن هذا سيساهم في تحسين الخدمة العلاجية التي يقدمها كليهما، وسينعكس بالإيجاب علي صحة المرضي، كما سيساعد علي تطوير خبرة كل منهما مستفيداً من خبرات و مهارات الآخر و التي تتنوع و تختلف علي حسب دراسة كليهما. ولاشك أن الذهاب للطبيب المختص والخضوع للعلاجات الطبية المعتمدة هي مما تدعو إليه السنة الصحيحة، ففي الحديث الشريف عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : قَالَتْ الأَعْرَابُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ، إِلا دَاءً وَاحِدًا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ ) ، وعن أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا ).
من المحزن أنه مع انتشار القنوات الفضائية .. انتشرت بالتوازي إعلانات الأدوية والوصفات الدوائية، حيث تقدم الأدوية لمن يطلبها تلفونيا، والمؤسف فى الأمر أن الأمور تتم دون أدنى مراجعة للطبيب، بل المؤسف أن الإعلان يؤكد للمشاهدين أنهم لم يعودوا في حاجة الى مراجعة الطبيب أو زيارته مجددا!، هذا السلوك لم يعد فاعلاً، بل صار خطيراً جدا، في واقع يعج بأمراض لا تعدّ ولا تحصى، كما لم يعد يجدي نفعاً المثل القائل "اسأل مجرب، ولا تسأل طبيب"، خاصةً وأن ثقافة التداوي لدى معظمنا لا تبدو تامة الوعي، وقد بات علينا أن نتيقن أن طرق العلاج قد تطورت كثيراً، وأن الذهاب إلى الطبيب ليس عيباً أو رفاهية أو إضاعة مال ووقت، فالصحة هى أغلى ما نملك.