القاهرة 25 ديسمبر 2018 الساعة 02:22 م
كتب : أحمد الدلة
تملكت الدهشة والخوف الإنسان إزاء جهلة بالطبيعة فاندفع إلى سلوك يتسم بالتعبيرية, وأقام شعائر رمزية واستخدم قوة سحرية للوقوف أمام سيطرة الطبيعة, بل اندمج بالطبيعة وجعل من نفسه جزءا منها, والمصريون هم من حددوا علاقات الآلهة بالبشر وأول من آمن بالحياة الآخرة؛ وكان من نتيجة ذلك اعتقادهم بخلود النفس ومغايرتها للجسد؛ فالنفس خالدة والجسد فانِ , وكذلك هم أول من وحد الآلهة فالكون فى العقيدة المصرية يرجع إلى جوهرين – روحانى – ومادى, وأثرت وتفاعلت هذه الثقافة المصرية مع الشعوب والأمم التى امتزجت مع المصريين بداية من الآشورين والفرس فاليونانيين ثم العرب , وحدث الامتزاج بين الثقافة المصرية والأفريقية وأوروبا وآسيا ومفردات عقائدهم.
أما فيثاغورث: فقد اعتقد بخلود الروح وتناسخها وكل كائن يظهر ويتلاشى ويعود مرة أخرى إلى الحياة كل ثلاثة آلاف عام, وأن النفس جوهر مغاير للجسد.
وأما أفلاطون: فقد اعتبر الانسان مركبا من عنصرين مختلفين – العنصر الأول (الجسد) مركز الأهواء والشهوات والأوهام – والعنصر الثانى ( النفس) تسعى للمعرفه فإذا تخلصنا من أهواء وشهوات ومخاوف الجسد تدرجنا للنقاء.
أما أفلوطين المصري: الذى فر إلى روما فعاش حياة زهد وتقشف وقد رأى " أن النفس البشرية عرضة للشر والألم فى الجسد, فالجسد بمثابة سجن واحد والعالم بمثابة كهف ومغارة, والنفس نقية طاهرة فى طبيعتها واتصالها بالمادة يفقدها نقاوتها".
وقد وضع أفلوطين فى قمة الوجود " الواحد وعنه يفيض العقل - وعن العقل تفيض النفس - وصدرت الكائنات عن الواحد كما يصدر النور المتلألئ من الشمس وهى ساكنة, وجميع الكائنات تنزع حتما من حولها ومن جوهرها إلى الخارجى . " فخير المادة فى الصورة – وخير الجسد النفس وخير النفس الفضيلة وفوقها العقل وفوقه الطبيعة التى يسميها أفلوطين بالأول.
ويذكر فى التاسوعة الخامسة ( ليست النفس فى العالم بل العالم فيها ) (والعقل الذى يحب يتصل بالواحد ويذوب فيه – فلا يعود عقدا بعقل بل عقلا يحب).
من هو مؤسس الصوفية؟ هل هو افلاطين المصرين؟
وهل ننسب للصوفية أفعالهم الغربية التى نسبوها للدين مثل حلق بعضهم رأسه ولحيته وحاجبيه ورموشه, وعاش حياة تشبه المشعوذين زاعما أن ذلك تطهرا, وقد كان البعض فى عصر المماليك يضع القرون على رأسه والبعض الآخر يلطخ نفسه ويضع الريش, وقد وصف البعض هيئة أحد رجال الصوفية فى عصر المماليك بقوله:
"شيخ فقير حرفوش, مكشوف الرأس منفوش الشعر, عليه دلق دقيق, قد تمكن منه الوسخ ونبت فيه ورسخ" .. فهل من المعقول أن تأخد السلبيات فى المأثور الشعبى ونترك الإيجابيات؟! مع العلم بأن السلبيات هى دخيلة علينا كنتاج ثقافات أخرى مغايرة لثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا وأبرازها أمام ضيوف مصر ؟! وترسيخها فى أذهانهم. ومن كل ما تم سرده عن الصوفيه نجد ان الصوفيه منبعها مصر.
جلال الدين الرومى:
الشاعر التركى مؤلف "المثنوى" الذى عمل على نشر أفكاره الصوفية بين مريديه , وعاش متنقلاً بين فارس والشام والأناضول حتى استقر بمدينة قونيه (تركيا) وله أشعار بالعربية والفارسية والتركية متضمنة أفكاره الصوفية .
هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين الشهير بجلال الدين الرومى ولد عام 1207م بمدينه "بلخ" مدينة التصوف الإسلامى التى تقع حالياً فى أفغانستان, وقد هاجرت أسرته عندما وصلت جحافل المغول إلى البلاد فاتجهت إلى مدينة نيسابور حيث التقى الشاعر الفارسى الكبير فريد الدين العطار فأهداه منظومته "أسرار نامه" قبل أن تتجه الأسرة إلى سوريا ثم إلى مكة ثم أخيراً إلى الأناضول .
الدراويش:
الزمان : القرن الرابع عشر الميلادى, الثامن الهجرى .
المكان: القاهرة, مدرسة "سنقر السعدى ", وسنقر السعدى كان وزيراً من أهم وزراء السلطان "الناصر محمد بن قلاوون" وكان للدراويش منزلة عليا فى وجدان الشعب المصرى نظرا لحب كليهما لآل البيت رضى الله عنهم.
وكما كان حكام مصر (أمرائها وسلاطينها) يعلمون هذا الأمر فقد كانوا يستخدمون الدراويش فى مواكبهم تقرباً للشعب المصرى الذى يعشق كل من له صله "باآل البيت", أما الفكرة العامة والحية التى نراها اليوم فى صورة الدرويش الذى يصاحب عادة مؤدى التنورة الذى يمسك بالمبخرة, ونرى ملابسه رثة وبها بقع كثيرة, ويحمل على صدره عده سبح, وذقنه ذات الشعر الكثيف الرث!!, وتمثله بالدراويش واستخدامه كعنصر تراثى ممسكاً بمبخرة لكى يقوم السائحين بتصويره فهو شيئا مخجل لنا! ؛ فالصوفية ليست بهذا الشكل أبدا , والدليل على هذا الموالد الاحتفالية؛ ففى موالد أهل البيت سنرى جماعات الصوفية الشاذلية أو الشافعية أو غيرهم يمشون فى خشوع وانتماء إلى بعضهم البعض, يمسكون بأيديهم كل أربع أو خمس أفراد, ويلبسون أزهى الملابس .
جزء (2)
عندما أراد السلطان العثمانى سليم الأول الدخول فى بوتقة المجتمع المصرى للتعرف على أحوالهم تنكر فى هيئة درويش وأقام معهم فى تكيتهم التى أقاموها على أطلال مدرسة "سنقر السعدى" والتى كانت منارة لليالى السماع فى جو مشحون بالوجد والتصوف, فهم يرون أن الكون بجميع عناصره – الهواء – التراب – الماء – النار هم صفة الإنسان الذى يحمل هذة العناصر فى تكوينه
- والولى الكامل هو من يحمل جميع هذه الصفات علاوة على :
النفحة الإلهية التى تتصف بالابتعاد عن مادية الجسد والدوران برداء أبيض ذو تنورة واسعة وهم يتمثلون بالكون والكواكب الإثني عشر ؛ فالكون يدور ويدور حتى الذرة تدور حول نفسها, فهم يدرون حول أنفسهم وحول مركز المسرح, وعند رؤيتنا لهم وهم يدرون حول مركز المسرح نراهم كالوردة, وعنهم تعرف باسم "ورده الحب" التى تعبر عن روح الولاية أو مركز الكون .
تراثياً يكون عدد الدراويش المؤدون للتنورة اثنى عشر, يتشبهون بالكواكب الاثنى عشر التى تدور حول نفسها فى مداراتها فى السماء, والمنشد هو الشمس المتمثل بسيدنا على رضى الله عنه .
الملابس:
غطاء الرأس مثل الطربوش التركى ولكنه أطول ويسمى "الطاووق" وهو بالنسبة لهم يحاكى " شاهد القبر", والعباءة السوداء تماثل " الشهوات" والتمسك بالحياة الدنيوية؛ ولذلك يلقيها من على كتفيه, والرداء الأبيض بالتنورة البيضاء يرمزان إلى " الكفن" وعندما يبدأ فى الدوران يحاول الوصول بالدوران المماثل للكون, لكى يصعد إلى "مركز الطاقه الروحية" .
الآلات الموسيقية:
أما آلاتهم الموسيقية المستخدمة فهى نفسها المستخدمة حاليا فى مواكب الموالد وحلقات الذكر مثل :
الدفوف, والكاسات, والناي ..
والناي يضعونه فى صدارة آلاتهم الموسيقية, فلماذا؟
لأن صوت "الناى" الشجي يشكو بالبكاء, فهو بالنسبة لهم الجزء الذى تم قطعه من ساق الغاب المزروع فى الأرض, وكلما نفخ فيه الهواء يبكى حزنا لاقتطاعه من العود ومن أرضه، والناى فى الصوفيه يماثلونه بالإنسان الذى يبكى حزنا لاقتطاعه من الجنة, والناى هو الولي أو الإنسان الحزين على فراق ربه غير المتمسك بشهوات الدنيا, ويطلق على الناى اسم (شاه منصور) نسبه للحسين بن منصور الحلاج.
وللحديث بقية ..