القاهرة 18 ديسمبر 2018 الساعة 11:01 ص
كتب : أحمد مصطفى الغـر
رغم مرور أربعة عشر عاما على رحيله، إلا أن الدراسات والمتابعات النقدية لكتاباته لم تتوقف، كما أن إعادة قراءة أعماله ما زالت مستمرة، والمدهش أن ذلك بات يتم بكثرة من قِبل الأجيال الجديدة، كما أن أعماله المتنوعة والمتمثلة في أعمال روائية وقصص قصيرة، أونصوص مازالت تقرأ بنفس الشغف والاهتمام، فيما بقيت السينما والإذاعة تحتفي بالأعمال المأخوذة عن نصوصه حتى الآن، إنه الأديب والروائي الكبير نجيب محفوظ الذي وُلِدَ في 11 ديسمبر من العام 1911، صاحب نوبل العربية الوحيدة في الأدب، والتي لم ينجح العرب في نيلها مرة أخرى منذ أن حصل عليها عام 1988.
في حي الجمالية استوحى محفوظ العديد من إبداعاته، فقد كان والده موظفاً لم يقرأ كتاباً في حياته بعد القرآن غير حديث عيسى بن هشام، لأن كاتبه المويلحي كان صديقاً له، التحق محفوظ بجامعة القاهرة في 1930 وحصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، وشرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية ثم غير رأيه وقرر التركيز على الأدب.
المناهج النقدية والبحثية الجديدة مازالت حتى الآن تجد في أعمال محفوظ مجالا خصبا للتطبيق، وقد نجح محفوظ في إرساء قيم أدبية وإبداعية تعلى من شأن الحرية والعدل، حيث وقف مع الإنسان فى مساره التاريخى والإنساني، ورصد درجات التحول والتغير الذى طال المجتمع فى مراحله المختلفة، مقدما عالما إبداعيا مترعا بالجمال.
وقد سُئِلَ محفوظ عام 1962م عن الواقعية الجديدة وبواعث الكتابة لديه، فرد قائلاً: "إن الباعث فى الكتابة أفكار وانفعالات تتجه إلى الواقع لتجعله وسيلة للتعبير عنها. فأنا أعبر عن المعانى الفكرية بمظهر واقعى تماما".
19 قصة قصيرة و34 رواية، هي مُجمل أعمال نجيب محفوظ التي تم طباعتها ونشرها، إضافة إلى عدد آخر من أعماله لم تر النور، بين روايات و«كراسات»، على رأسها «العتبة الخضراء», وتدور أحداث جميع روايات محفوظ في مصر، وتظهر فيها سمة متكررة هي الحارة التي تعادل العالم من وجهة نظره، ويُصنف أدب محفوظ بالأدب الواقعي، ويعتبر هو أكثر أديب عربي حولت أعماله إلى السينما والتلفزيون.
فمن الأفلام التي لا تُنسى في تاريخ السينما العربية، نجد «زقاق المدق»، «بين القصرين»، «قصر الشوق»، «السمان والخريف» ولكنها في الأصل كانت روايات لمحفوظ، وقد عمل المخرجين السينمائيين لتحويلها إلى أعمال سينمائية لتخليدها؛ حيث وصل عدد الروايات التي تحولت إلى أفلام 21 رواية وهى:"اللص والكلاب، بين القصرين، بداية ونهاية، زقاق المدق، الطريق، القاهرة 30، خان الخليلي، قصر الشوق، السمان والخريف، ميرامار، السراب، ثرثرة فوق النيل، السكرية، الشحاذ، الحب تحت المطر، الكرنك، عصر الحب، الشيطان يعظ، وكالة البلح، قلب الليل، الحب فوق هضبة الهرم"، بينما وصل عدد الروايات التي تحولت إلى مسلسلات تليفزيونية إلى 8 روايات، وهى:"اللص والكلاب، الباقي من الزمن ساعة، بين القصرين، قصر الشوق، حضرة المُحترم، الأقدار، حديث الصباح والمساء، أفراح القبة".
ويعتبر الفنان نور الشريف أكثر الفنانين الذين شاركوا في أفلام ومسلسلات مقتبسة عن روايات نجيب محفوظ، إذ شارك في أكثر من 10 أفلام ومسلسلات، وتعتبر الفنانة شادية أكثر ممثلة قدمت أدوار في أفلام نجيب محفوظ.
بخلاف نوبل للآداب فقد حصل محفوظ علي جوائز عديدة منها جائزة قوت القلوب الدمرداشية عن رواية رادوبيس، جائزة وزارة المعارف عن كفاح طيبة، جائزة مجمع اللغة العربية عن خان الخليلي، جائزة الدولة في الأدب عن روايته بين القصرين، وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1962، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1968، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى عام 1972، وقلادة النيل العظمى عام 1988، وجائزة كفافيس عام 2004.
الأكاديمية السويدية قالت فى حيثيات فوز محفوظ بجائزة نوبل "إن إنتاج نجيب محفوظ يتميز بالثراء والتنوع، وبالواقعية ذات الرؤى الصوفية, كما أن أدبه يخاطب الإنسانية جمعاء. وتمثلت فى عدد من رواياته حركة التاريخ الإنساني, وتطور الأجيال، وإدارة الصراع بين العدل والظلم، والإيمان والكفر".
ومن المثير في قصة فوز محفوظ بنوبل أنه لم يفز غير اثنين من الموظفين بجائزة نوبل, الأول كان العالم الشهير "ألبرت أينشتين" الذى فاز بها فى الفيزياء عام 1921، وأما الثانى فهو"نجيب محفوظ"، فبالنسبة لـ "أينشتين" فقد كان يعمل فى مكتب تسجيل براءات الإختراع السويسرى طيلة الوقت عام 1902، وقد مكنته هذه الوظيفة من مواصلة سبل العيش في الحياة ومنحته المال الضرورى لذلك، والوقت الكافي ليمحص أفكاره ودراساته فى مجال النظرية النسبية التى صاغها بعدها بسنوات؛ والتى غيرت العلم كله فى القرن العشرين.
أما محفوظ فقد كان موظفا لمدة سبع وثلاثين عاما من عمره, وكانت كل هذه السنوات الوظيفية فى القاهرة، فقد كان نموذجا للآداء المتفاني والمميز فى كل الوظائف التى شغلها، فبعد تخرجه مباشرة عمل فى إدارة جامعة القاهرة، ثم فى مصلحة الفنون، ثم فى وزارة الأوقاف ومجلس النواب، ثم عمل فى مؤسسة السينما حيث كان سكرتيرها ثم مديرا لها، وأخيرا رئيس مجلس إدارتها لمدة عامين، إلى أن خرج الى المعاش وهو فى درجة نائب وزير.
إلى جانب ذلك عمل فى الأهرام فيما يشبه الوظيفة فى وقت كان فى حاجة إلى المال نتيجة زواجه، ولم تكن الفترة التي قضاها محفوظ في الأهرام مجرد عملا يدر دخلا إضافيا، ولكنها أتاحت له التواجد بجوار توفيق الحكيم ونخبة أخرى فريدة من الأقران الأفذاذ الذين منحوه وقتا طيبا فى الأهرام, وحقق له توازنا ضروريا خلال فترة تاريخية من أحرج فترات التاريخ المصرى الحديث، إضافة الى إتاحة كل مصادر الأهرام الثقافية والمعلوماتية والمادية، فى وقت كانت فيه تلك المصادر شحيحة فى كل الأمكنة الأخرى فى مصر.
"الحياة فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان، أما الموت فهو الحقيقة الراسخة"، كانت تلك مقولة من أشهر ما قاله أستاذ الرواية العربية "نجيب محفوظ" قالها ثم رحــل ، وترك أهل الرواية العربية بدون نوبل جديدة في الآداب حتى هذه اللحظة !