القاهرة 04 ديسمبر 2018 الساعة 12:24 م
كتب : عاطف محمد عبد المجيد
في كتابه " فلسفة السعادة " الصادر عن مكتبة الدار العربية للكتاب، والذي يهديه إلى فارس العرب وفيلسوف السعادة والإيجابية سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي أعطى المثل والقدوة لكيف تكون سعادة الشعوب هي هدف القادة والحكّام، فتحقق له ما أراد على أرض دولة الإمارات العربية، يقول أ. د. مصطفى النشار إن هناك مصطلحات كثيرة مثل التسامح، التعصب، السعادة، الحرية، حقوق الإنسان، وغيرها تتردد على ألسنتنا صباح مساء، ونتحدث عنها وبها دون أن نعرف معناها الحقيقي، ولذا فهو يرى أنه قد آن الأوان لأن نتعرف عليها من المتخصصين، لأنها مصطلحات فلسفية عميقة الدلالة وعظيمة الأهمية، وكل منها نشأ في ظروف معينة وفي عصر بعينه، وسرعان ما اتخذت معاني شتى، وسرت عليها تغيرات عديدة في المغزى والمعنى.
النشار يرى أن هذه المفاهيم ابنة كل العصور، ولكل فيلسوف رؤيته الخاصة حولها وطبقًا لطبيعة العصر الذي وجد فيه، وتبعًا للبيئة التي تربى فيها ونشأ في ظلها, هنا يجزم النشار أنه ليس من حق أحد أن يفرض رؤيته الخاصة لأي من هذه المفاهيم على غيره، وعلى الجميع أن يحترم رؤية الآخر، ويتفهم وجهة نظر صاحبها, أيضًا يؤكد الكاتب هنا أنه لا ينبغي أن تصور أحد أن الإنسان يمكنه أن يعيش دون أن يستخدم هذه المفاهيم، ويتفاعل معها حسب ظروف عصره وضروراته ومعتقداته وقيمه الخاصة، ويُجمل الكاتب كل هذا حين يقول إن هذه المفاهيم تمثل التصورات الرئيسة التي لا غنى للإنسان عنها فكرًا وسلوكًا.
بداية يطرح الكاتب سؤالاً يردده الإنسان منذ بدء الخليقة وحتى الآن، حينما تزداد قتامة الحياة ويجد أن طرق التماسها مسدودة الأفق أمامه، وهو ما السعادة؟ ويرى أن طرق التماس السعادة عديدة درجة أنه يوقن أنها ربما تتعدد بتعدد أفراد البشر وعلى مر العصور، إذ يلتمس كل منا السعادة في ضوء متطلباته الأساسية في الحياة، وفي ظل ظروف عصره، والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، وفي ضوء إمكانياته وطموحاته.ولأن طموحات الإنسان لا تتوقف عند حد، فإن أفق السعادة التي يتمناها لنفسه يتسع شيئًا فشيئًا.
ابتسامة الرضا
من هنا يرى الكاتب أن هذا يدعو إلى التواضع حين نحاول وصف السعادة، إذ يرى أنها ليس لها في النهاية ذلك التعريف الجامع المانع الذي يكاد البشر يتفقون عليه, النشار يرى السعادة الحقيقية في الابتسامة التي لا تفارق وجه الإنسان الرائق الذي يرضى بما قسمه الله له في هذه الحياة، وتلك الابتسامة القنوعة الراضية هي التي تلخص معنى السعادة الحقيقية دون أن تميز إنسانًا على آخر، لا بطبقته ولا بما يملك من مال أو جاه أو سلطان.
هنا يرى الكاتب أن الإنسان السعيد هو الذي يرضى بموقعه من الحياة دون أن يتغافل عن المممكنات التي يمكن أن يحقق بها أهدافه وطموحاته، ولا يجري وراء تحقيق هذه الطموحات لاهثًا حتى تنقطع أنفاسه، بل يسعى إلى تحقيقها في تؤدة وهدوء مستغلًا كل ممكنات تحقيقها لديه من قدرات جسدية أو مالية أو إدارية أوغيرها.
وبهذا المعنى فإن السعادة تتوفر لدى كل الناس القادرين على أن يظلوا مبتسمين للحياة رغم كل ما يمكن أن يمروا به من عقبات أو منغصات قد تنقص هذا الشعور الرائع بالسعادة.
الكاتب يرى هنا أن القاريء قد يتساءل عن مسببات التعاسة والألم، وهل يمكن لأي شخص أن يظل يشعر بالسعادة وهذه المسببات للتعاسة تنغص عليه حياته وتقهره وتهزم شعوره بهذه السعادة الرائقة؟!
ويجيب النشار قائلًا إن مسببات الحزن والتعاسة في حياتنا كثيرة ومتفاوتة من عصر لآخر ومن انتماء لطبقة معينة أو أخرى، غير أن المرء إن واجهها ببساطة وبدون قلق فربما ينجح في التغلب عليها ويظل شعوره بالسعادة ثابتًا لا يتململ ولا ينقص, ومن هذه المسببات، مثلما يذكر الكاتب، الفقر الذي يراه البعض أعظم مسبب للحزن والتعاسة، والمرض، والسجن وسلب حرية الحركة في الحياة، والحسد والحقد، والقلق والملل.
ماذا ينبغي أن أفعل؟
في موضع آخر يكرر الكاتب قوله إن السعادة تكمن في الرضا بالواقع والتكيف مع ممكناته، غير أنه يرى أيضًا أن هذا لا يعني الخضوع السلبي، بل على العكس من ذلك فأهم شروط السعادة هي الإيجابية في السلوك، خاصة وأن الفعل الإيجابي للمرء في الحياة هو ما يشعره حقًّا بالسعادة, من هنا يؤكد الكاتب أن العمل هو الذي يشكل العنصر الأساسي في السعادة الإيجابية، بينما البطالة هي قرين التعاسة والإحباط.هنا أيضًا يقول النشار إن السعادة التي يجنيها الفيلسوف أو العالِم من اكتشافاته الفلسفية والعلمية لا تدانيها سعادة.
وفي معرض حديثه عن الحكام وسعيهم لنشر السعادة بين مواطنيهم يرى الكاتب أن الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي ورئيس مجلس وزراء دولة الإمارات العربية كان رائعًا في ما كتب في كتابه " تأملات في السعادة الإيجابية " حيث قال: حينما تحملت مسئولية الحكم تساءلت ما هو دوري وماذا ينبغي أن أفعل؟ مضيفًا أنه أجاب بأن مهمته في الحكم هي إسعاد مواطني الدولة والمقيمين على أراضيها.
ثم يَخْلص الكاتب إلى القول بأن التشارك الإيجابي في الحياة السعيدة هو المعيار الحقيقي لنجاح أي مجتمع سياسي واجتماعي وإنساني, ومن مسببات السعادة التي يراها الكاتب الحب، بل يراه مسببًا رئيسًا من مسبباتها، خاصة وأن الحب يرقى بصاحبه من حب الجمال الحسي فيمن يحب إلى حب الجمال الخلقي، ومنهما إلى حب الجمال في ذاته، فالحب ارتقاء بالقيم وبالذات قيمة الجمال.
النظر إلى المستقبل
هنا أيضًا يورد الكاتب ما قاله أفلوطين من أن السعادة الإنسانية ليست مقصورة على لذات الجسد، بل يرتقي شعور الإنسان بالسعادة بقدر ما يرتفع عن تأثير الجسد والزهد في مطالبه لصالح تلبية مطالب الروح ليحقق ماهيته بالاتصال بالعالم الإلهي وإدراك حقيقة الوجود والجمال.في " فلسفة السعادة " يكتب أ.د. مصطفى النشار عن السعادة الاجتماعية وكيف يتكمن الإنسان من تحقيقها والوصول إليها، مثلما يكتب عن السعادة والفضيلة، وعن السعادة والمستقبل متساءلًا ماذا نحن قادرون على فعله في المستقبل؟ وماذا لدينا من إمكانيات يمكن استغلالها لتحقيق نمطنا المتفرد في التقدم والتميز؟ حتى نتخلص من الشعور بالهوة الحضارية التي تفصلنا عن التقدم الغربي!
وختامًا يرى الكاتب أن شعورنا بالسعادة سيبدأ في الظهور حينما ندرك أن الله قد خلق لنا أعيننا وهي تنظر إلى الأمام، وليس إلى الوراء أو تحت القدم، والنظر إلى الأمام يعني النظر إلى المستقبل، والمستقبل هو مجال الحرية والممكن والإرادة. وباختصار، يقول النشار، إن السعادة المفقودة في اللحظة الحاضرة، يمكن أن نفرضها نحن في المستقبل، إذا ما اعتبرناه مجالًا لممارسة الحرية في ضوء الإمكانيات المتاحة، وشيئًا فشيئًا ستتغير حياتنا إلى الأفضل وسننجح رويدًا رويدًا في التماس سعادتنا بما نحقق من إنجازات على أرض الواقع مستغلين كل مواهبنا وإمكانياتنا.