القاهرة 04 ديسمبر 2018 الساعة 12:16 م
كتبت : د. هـنـاء زيــادة
هي بنت الجبل والقرية حيث ولدت، هي بنت المدينة حيث تعلمت فيها، هى ابنة بيروت حيث دخلت الإذاعة اللبنانية لأول مرة، تعرفت على الأخوين رحباني وقدما صورة غنائية وموسيقة لبلد صغير اسمه لبنان، لكنه كبير جدا في الفكر والأدب والثقافة والموسيقى والغناء، هي جارة الوادي التي غنتّ لوطنها "بحبك يا لبنان" بصوتها الملائكي فجعلته حلماً لا ينكسر، وباتت صورة لبنان الحقيقي هو وطن الندي والزنبق..
قبل أيام قليلة احتفل اللبنانيون ومعهم كل محبي طرب جارة القمر، بعيد ميلاد السيدة (فيروز) الثالث والثمانين في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي، وبينما نظم اللبنانيون لقاءات واحتفالات تحت اسم (مجموعة فيروز.. مختارات من الأرشيف) في مبنى (بيت بيروت) في قلب العاصمة اللبنانية, ضجت أغنيات فيروز ليسود الصمت وتشدو وحدها، وتم عرض صورها وأعمالها على جدران المبنى الذي ما زال يحتفظ بآثار الحرب الأهلية التي دارت على مدى 15 عاما وانتهت عام 1990، بينما كان ذلك في بيروت كان محبيها حول العالم يحتفلون أيضا، حيث اشتعلت منصات مواقع التواصل الاجتماعي بمعايدة فيروز حيث تصدر اسمها وصورها وأغنياتها مواقع تويتر وفيسبوك وإنستجرام، وصار هو التريند المتصدر لتلك المواقع.
رقة أداءها يجذب انتباهك رغمًا عنك، سحرت بـأغنياتها جيل بعد جيل، لأدائها السينمائي خرافات جسدتها بحرافية وإتقان حتى أقنعت الحضور في شجن غنائي يدعوك لأخذ قسط من الراحة حيث الصفاء مع الذات، استدعت الأمل من عالمها حتى أهوته بلا أمل، سبق لفيروز أن قدمت أغنية باللغة الإنجليزية وقالت إنها أغنية "صغيرة"، وذلك في إطار تجربتها الغناء بلغة جديدة، لكن بداية شهرتها كفنانة كانت بعد أغنية "حاجة تعاتبني" من كلمات وألحان الأخوين رحباني عام 1952م، زارت فيروز القدس في عام 1964، لترتل في المدينة الخالدة، في مناسبة زيارة البابا للقدس، في حين قام "إميل الخوري، وخير الدين الحسيني" نائبًا القدس بزيارة إلى بيروت، ليسلما فيروز في مؤتمر صحفي مفتاح مدينة القدس، من خشب الزيتون المقدس، كما أقامت حفلا في "البحرين" بقلعة عراد، في عام 1987، قاعة المؤتمرات الدولية عام 1998، ومرة أخرى في قلعة عراد عام 2008، وقدمت أيًضا حفلات عديدة في الكويت، في أعوام 1966 و 1976 و 1987 و 1989 و 2001، كما قدمت حفلات في العراق والأردن وسوريا، كما زارت مصر، وقدمت حفلتها في عاصمة أم الدنيا القاهرة، في عام 1976، بحديقة الأندلس, وفي عام 1989 قدمت حفلا على مسرح الصوت والضوء عند سفح الأهرامات، وقدمت حفلات أخرى أيضًا في المغرب والجزائر وتونس وهولندا واليونان وسويسرا وفرنسا والمكسيك وغيرها من الدول، حيث أبدعت وغنت في الكثير من دول العالم.
صوتها رنان يدق أسماعك يُسجل حضور جسدك بصفاء، وغياب الذهن شاردًا في أثر ما يتركه العالم الفيروزي داخلك، يصاحبك صوتها لعالم افتراضي من نوع فريد، صباحها ومسائها مُزين بتغريدات العصافير، في عالم لا تخلو فيه الصفاء مع الذات، غنت لـزهر البيلسان مع شروق الشمس، وحدها تملك القدرة لتُشرد ذهنك في خلوة وتوحد، مع حالة تصنعها بـ كلمات شاردتها تلك، فيروز هى أعظم نجوم الفن لكل العصور الذين ما يزالون على قيد الحياة ــ هكذا وصفتها مجلة فوربس ذات يوم ليس ببعيد - ، أطفأت شمعة جديدة في عيدها الذي يتزامن مع عيدي العلم والاستقلال.
هذا العام أعلن محافظ بيروت عن مشروع إقامة متحف دائم لفيروز، اسمه (بيت فيروز) في منطقة زقاق البلاط حيث عاشت طفولتها، وقال إن هذا المتحف سيحتوي على تراثها وتاريخها بشكل دائم وسيجري الاستعداد قريبا لتجهيزه.
لقد غنت فيروز للرومانسية والحب، ولكنها لم تنس الوطن فبات صوتها طوعًا لخدمة القضية الوطنية لبلدها الصغير لبنان ولكافة البلاد العربية، وبجانب هذا فهي "سفيرة الأحلام" التي عشقها الجمهور، وباتت بأغانيها وصوتها عصفورًا يغرد في عالم الغناء العربي.
في مسار الموسيقى العربية هناك محطات مهمة لا يمكن إغفالها، منها المحطة الفيروزية ـ الرحبانية، والتي استطاعت أن تؤسس لجيل غنائي كامل أو لأجيال كثيرة لاحقة، فلا يمكن أن نكتب تاريخ الموسيقى العربية من دون أن نتوقف في محطتهم، أي الأخوين رحباني وفيروز، فقد أسس عاصي ومنصور الرحباني لمشاريع ثقافية كثيرة، ولم يقتصر همهما على الموسيقى والشعر، بل انصب أيضاً على المسرح، وقد قال منصور ذات مرة: (إن على الفنان أن يقول جديداً وإلا.. فليصمت)، وهكذا أسس الرحابنة لموسيقي جديدة، ولكلمة مغناة جديدة هي الأخرى، نجحت باقتدار ان تقوم بأداءها جارة القمر، السيدة فيروز، التي غنت "يا سنين اللي رحتي ارجعي لي".
في 21 نوفمبر من العام 1935 ولدت نهاد حداد، أو فيروز، معلنةً ولادة نجمة ستكون جارة للقمر فيما بعد، و في 21 نوفمبر من كل عام نحتفل بذكرى هذا الميلاد لهذه النجمة التي لن تتكرر.