القاهرة 27 نوفمبر 2018 الساعة 12:42 م
كتب : حسين عبد العزيز
الزمن يتوقف لأناس معينة .. والتوقف هنا يعني أنه –أي الزمن- يصبح سالباً لتلك الأناس .. فلا تتأثر بما حولها ولا تعي ما يحدث لغيرها كي تتعلم منه ، فكيف تتعلم والزمن توقف بالنسبة له ويصبح سلبياً .. نحن لدينا قصة أهل الكهف وكيف توقف بهم الزمن عند لحظة معينة، مع أن الدنيا خارج الكهف تغيرت إلى الأمام.. إلى الأحسن فى نظر البعض وإلى الأسوأ في نظر البعض الآخر؟!!
أيضاً يكون الزمن سالباً بالنسبة للنائم.. فنحن جميعاً نبحث عن النوم كل يوم.. بسبب ما حدث لنا.. ومهما كان مزاجنا مش لابد .. بل نحن نبحث عن النوم كي نوقف الزمن بعض الوقت لأن توقف الزمن بالنسبة لكل الناس نعمة.. فالمبسوط يحب أن يتوقف الزمن عند هذه اللحظة لذا فيسرع إلى النوم.. والمغموم يدخل إلى النوم من أجل تغير الزمن الذي يوجد فيه فربما عن طريق النوم تأتي لحظة أو لحظات أفضل!!
والزمن يتوقف بأناس معينة عند لحظة من الفكر والتفكير فالعرب مازال الزمن متوقفاً بهم عند لحظة الاندهاش بالغرب.. رغم ما يمكن أن نفعله لو تخطينا لحظة الاندهاش.. وجعلنا الزمن يسير وسرنا معه؟! فما نحاول صنعه هو أن نوقف الزمن عند اللحظة التي وقفنا عندها منذ أكثر من 200 سنة حيث صدمة اكتشافنا أن للعقل فوائد جمة لا تعد ولا تحصى.. فوائد لم نكن نسمع عنها.. بل لم نكن نتخيلها.. ومن المؤسف بل من العار أنه بدلاً من أن نتفاعل مع عقولنا وعقولهم بإيجابية وحسب الزمن الجديد، وضعنا عقولنا وكل ما يتصل بها في مكان آمن وأحكمنا الغلق وقذفنا بالمفتاح الى البحر .. كي نستريح من العقل وطلباته التي لا تتوقف أبداً.. وارتحنا لهذا، وقد تفرغنا لمهاجمة كل من لدية عقل يشغله ويستفيد منه ويجعل حياته هنية، وأحلامه وردية، ومستقبله مثل حياته.
ولابد لنا فى البداية أن نحلل العنوان حتى نتمكن من القراءة بطريقة موضوعية.. ليس فيها شطط أو جنوح في الأحكام التي لابد أن نصل إليها فنأخذ أولاً المستقبل.
ونحاول أن نعرف ونعرّف المستقبل بأقل الكلمات.. بأنه كل لحظة لم تمر علينا تعد لحظة من المستقبل.. تعد لحظة من "أمل" يمكن أن يتحقق فى تلك اللحظة الآتية هناك.. "دائماً تلك اللحظة قريبة جداً" حيث لا مفر من المستقبل.. لأنه آتي .. آتي.. تماماً كالموت حيث لا مفر منه. والمستقبل أنواع متنوعة.. فكل إنسان وتفكيره.. وكل دولة ومستواها.. فالمستقبل يختلف من فرد للثاني.. وكذلك من دولة لأخرى.
لكن لابد أن نعود الى البداية .. لكي نتذكر الغاية الأولى من خلق "آدم" وبنيه.. وهي أن يكون خليفه الله فى الأرض، قال تعالى: " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ . وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " سورة البقرة.. ومن هنا لابد أن يكون الإنسان خلقاً مبدعاً بناءً كي يعمر الكوكب الذي وافق أن يعمره.. أي أن تعمير الكوكب المسئولية الأولى التي وقعت وتقع على عاتق الإنسان بصفه عامة والتعمير والبناء لا يأتيان عن طريق الكسل والتكاسل والنوم بين صفحات العمر الإنسان خلق فقط للعبادة.. حيث تقول الآية الكريمة: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " .. نعم العبادة في المسجد.. في الحقل .. فى المصنع.. فى الجامعة.. في الشارع.. فى كل حركة يقوم بها الإنسان يمكن أن تكون عبادة لله.. لو كان الفعل صادقاً خالصاً لله.. ألم يخبرنا الرسول الكريم بأن الرجل عندما يجامع زوجته يثبا على ذلك.. والثواب مكافأة على العبادة.. بمعنى أننا نعبد الله لأننا نبغي ثوابه ونخشى عقابه، فالرجل القابع في المسجد لا يبرحه.. لأن كل وقته موجه لعبادة الله.. وأخوه مشغول بالعمل.. ويجري عليه بمعنى يتولى الصرف عليه.. هو أفضل منه.. وهكذا أخبرنا معلمنا عليه الصلاة والسلام.
ونحن جميعاً تعلم أن الإسلام دين الوسطية "خير الأمور الوسط" أي لا شطط في هذا ولا فى ذاك.. لا في العمل حتى لا يطغى على العبادة.. ولا فى العبادة حتى لا تطغى على العمل.. لأن العبادة عمل.. لأنه لو طغت العبادة على العمل فلن يكون حالنا أسوأ مما نحن عليه.. ولو طغى العمل على العبادة.. فلن يكون حالنا أسوأ مما نحن عليه.
وأقول أنه لا فرق بين رجال الدين ورجال العلم.. هذا مطلوب منه فهم الدين فهماً صحيحاً لأن الحياة تتطور وتتقدم، كذلك لابد أن يتطور ويتقدم فهم الدين.. ورجال العلم هم الذين يستجيبون للمستجدات التي تطرأ على الحياة من أى نوع وشكل.. ونحن لدينا خير مثال فى التعامل مع العلم قدمه لما الرسول الكريم خير معلم للناس عندما تقول لنا كتب السير أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم استأجر "عبد الله بن أريقط" وهو مشرك ليكون دليله فى هجرته من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر الصديق.
وأيضا نحن نعلم أن الرسول الكريم رفض أن يولى أبو ذر الغفاري إمارة إحدى البلدان كما كان يتمنى أبو ذر قائلاً له: "يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة, وإنها يوم القيامة خزي وندامة؛ إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها".
وفى غزوة بدر الكبرى اختار الرسول الكريم منزلا للجيش فجاءه الخباب بن المنذر يقول (يا رسول الله أمنزل أنزلك الله إياه فلا نتقدم عنه أو نتأخر أم الرأى والحرب والمكيدة) فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "بل الرأى والحرب والمكيدة" فقال الحباب: " فإن هذا ليس بمنزل يا رسول الله وأشار عليه بمكان آخر فأخذ به عليه الصلاة والسلام".
وفى غزوة الخندق أخذ الرسول الكريم برأى سليمان الفارسي بحفر خندق ليرد ويعجز به المشركين.
ويجب علينا هنا ألا ننسى موقف الرسول عليه الصلاة والسلام من النخيل عندما قال للمسلمين "أنتم أعلم بشئون دنياكم" ونفهم من هذا كله أن العلم كان موجود مع بداية الإسلام فى وجود الدين فى وجود عليه الصلاة والسلام ولم ينفى أحدهما الآخر, فلا الدين يكون دين بغير علم ولا العلم يكون علماً بغير دين.