القاهرة 27 نوفمبر 2018 الساعة 11:29 ص
حوار : محمود الديب
تأنس من وحشة الحياة باعتلاء ثريا الإبداع وتعلو لمداعبة الغيمات بحثاً عن ربيع الكلمات، ونسج شخوص وحكايا تطفيء ظمأ الالتياع.. تحولت حواء في قصصها إلى امرأة من وجع، ومع سردها يخطو القارئ خلف الغروب.. إنها القاصة منى عامر العصيمي, التي كان لمجلة "مصر المحروسة" معها هذا الحوار . .
هل القاص يستقي حكاياته من النظر في عيون الأشخاص الذين يقابلهم لاستنطاق السرد؟
القاص الجيد يقتنص السرد من كل ما حوله، كل لحظة استثنائية تفجر داخله عالم من الحكايات، العيون تختلف في ردود أفعالها حيال اللحظات الاستثنائية، عين تلتمع بفرح، وأخرى بألم ، وثالثة تفتح على مصراعيها بتعجب، فاللحظة تفجر داخل النفس بوحها وخبرها، والعين هي البوابة الأولى لفضح المكنون قبل اللسان، والعين أكثر جرأة وأسرع إفصاحاً.
كثير من الأقلام النسوية السعودية والخليجية لا تكتب سوى عن الألم، ألا يوجد فسحة للكتابة عن الرفاهية والسعادة ؟
الكتابة عن الألم سمة سائدة لجميع حملة الهم البوحي، الألم سمة إنسانية مشتركة كلما لامست هم وقضايا الآخرين، كلما كنت الأقرب للقلوب والعقول وكلما قبلت منك كتاباتك. والرفاهية مشهد في مسرح الحياة كلاهما موجود في النص النسوي وأيهما يترجح في كفة الظهور للقارئ على الآخر، هذا ما لا يمكن الجزم به دون دراسة, وأيضا افتراض طغيان الألم على الأقلام النسوية يحتاج هو الأخر إلى دراسة .
تميلين في كتاباتك إلى الأسلوب الموغل في الرمزية في تجسيد شخصياتك ، فهل هو الأسلوب الأكثر ملائمة لاحتواء إبداعك؟
لست اختار أسلوبي حين أبدأ ، فبمجرد أن تختمر الفكرة وتبدأ منى في الكتابة، وتنطلق الكلمات, تفاجئني مسارات الكتابة بغير ما كنت أنوي، كأن أخرى خطفت مني القلم لتكمل مسيرة السرد.
تفضلين شخصية الراوي في أغلب قصصك، ألا تتذمر الشخصيات، وتطالبك بترك الفرصة للتعبير عما تشعر به، وكأن شخصياتك تحس بقهر من تسلطك الإبداعي؟!
الراوي وشخصياته على انسجام تام، يصعب الفصل بينهم، ولا تقلق على علاقتينا، ولا تألم لهم وسأحتفظ بعنوانك في حال احتاجت لك شخصيات قصصي للدفاع عنها, ورفع تسلط الراوي عليها!
أيهما يفاجئك أكثر في حضرة الكتابة، الشخصيات أم الأسلوب؟
الشخصيات والأسلوب، كلاهما رهن الحالة الإبداعية التي تتلبسنا حالما ننغمس فيها، أنت تنوي الكتابة في فكرة ما، وتنتهي إلى أخرى لا تعلم كيف ! أحيان تعجبك هذه المسارات السردية التي انتهيت اليها كضفاف نهر تشعبت تفرعاته, ومرات أخرى تحاول إعادة المياه لمجراها، الأمر في النهاية متعة فكرية تستحثك للمزيد.
هل تخططين لأحداث سردك قبل الشروع في صياغة قصصك أم تكتمل الفكرة في ذهنك ثم تخرجينها على الورق؟
لا شك أن الفكرة تكتمل في الذهن ولكن حالما تبدأ الكتابة يطرأ تغيرات؛ فينساق الكاتب لهذا الخروج عن الفكرة بغية الظهور بملامح أكثر جمالاً لروايته. الكاتب يؤمن أن الرواية عالم آخر لا يخضع لمطبخ ذهنه؛ لذا يبتهج أكثر حين تبدأ عملية السرد في التوالد وتكتظ الشخصيات بحكاياتها وقصصها .
لغة سردك شاعرية أكثر منها نثرية، فما الأسباب؟
الشاعرية روح البوح لا تثريب إن تجلت في نصوصي دون سابق تخطيط. فالفكرة تتلون كقوس الرحمن كما نحن نختلف كبشر في أفهامنا أو ألواننا, لكننا في النهاية من الجنس البشري.
لك تجربة في إدارة الندوات الأدبية، فما هي مهارات الإدارة الأدبية الناجحة؟
إدارة الندوات مهارة يتمكن منها المتذوق للفن الذي تدار حوله الأمسية أو الندوة بحيث يتمكن من مجاراة الحوار وفتح قنوات ممتدة للفكرة المعروضة من قبلهم من خلال السؤال مرة والإشادة أخرى. المنتديات الثقافية فضاء للعطاء والتفاعل لأن المثقف يهمه أن يغذي إبداعه وأفكاره من خلال المناقشات والطرح الحيادي للرأي.
يتغنى الأدباء بألق لحظات الكتابة، فهل تشاركيهم هذا التغني؟
شعور لذيذ قل أن يذوب في زحام الحياة وروتين الوظيفة، وهو ليس روتين بقدر ما هو شتات، حين تتطلع نفسي للكتابة، قد لا تأتي في حينها لكنها حين تأتي تمنحني مساحة انطلاق جبارة لأجرب مشاعر عميقة من التحفز والتوجس ومن التيقظ والتحدي، جميعها تصنع احتفائي الذاتي بالنص.