القاهرة 20 نوفمبر 2018 الساعة 09:49 ص
ما هو أصل عروسة المولد والحصان وسبب حرص المصريون على اقتنائها حتى اليوم.
كتبت : عبير عبد العظيم
تهل علينا هذه الأيام ذكرى عطرة هي ذكرى مولد خير البشرية صلى الله عليه وسلم ، واشتهرت مصر بصنع حلوى المولد وتقديمها فى هذه المناسبة ، تنوعت الأشكال من الحلوى ما بين العروسة التى كانت تهدى للبنت, والحصان الذى تم عمله خصيصا من أجل الولد ..
ويرجع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إلى عهد الخليفة الفاطمي "المعز لدين الله" بعد دخوله لمصر في عام 362هـ = 972م ، ومنذ ذلك التاريخ وتنوعت مظاهر الاحتفال بالمولد النبوى الشريف التي كانت تدل على حب المصريين للنبي صلي الله عليه وسلم وتعظيمهم له، وللصحابة والتابعين وكل آل البيت الشريف.
اتخذت أشكال الاحتفال ما بين عرض الحلوى فى المحلات, وإقامة سرادقات الاحتفال, والإنشاد الدينى بالمساجد الكبرى المنتشرة بكافة محافظات الجمهورية .
ذكر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية علي مصر, أن الغزاة والمستعمرين عندما أرادوا التودد للشعب المصرى كانوا يهتمون بإقامة احتفالاتهم الدينية والمشاركة فيها, ومنهم نابليون بونابرت الذى أرسل إلى قواته فى مصر نفقات للاحتفال بالمولد النبوى الشريف, وكانت تقدر في ذلك الوقت ب 300 ريال فرنسي, حيث ذهب قائد الحملة إلي منزل الشيخ البكري نقيب الأشراف بحي الأزبكية لإعطائه ما يلزم الاحتفال, وأقاموا السرادق وفيها الطبول الضخمة والقناديل, حتي إذا جاء الليل أقيمت الألعاب النارية احتفالا بالمولد النبوي, وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقوادها.
وتذكر الروايات المختلفة ارتباط تصنيع العروسة بالمولد النبوى إلى وعد الخليفة الفاطمي لجنوده الذين يعودون من المعارك منتصرين, بأن يزوج كل منهم عروسة يتم تزيينها فى ديوان الحكم, وهو ما جعل ديوان الحلوى الخاص بالخليفة يقوم بتصنيع نماذج من عرائس الحلوى يتم إهداؤها إلى الأطفال والعامة تعبيرا عن الفرحة بالنصر.
فى حين ذكرت كتب التاريخ رواية أخرى خاصة بالحاكم بأمر الله, الذي قيل إن زوجته قد خرجت معه إلى الشوارع أثناء احتفال المصريون بالمولد النبوي فرآها الناس وهي ترتدي ثوبا أبيض كالعروس وتضع على رأسها تاجا من الياسمين، فاستغل صناع الحلوى الصورة التي طبعت في أذهان العامة فقاموا برسم الأميرة والحاكم في قالبين من الحلوى, الأول على هيئة عروس ترتدي فوق رأسها تاجا, والثاني رجلا يمتطي جوادا وهو يشهر سيفه.
وكان الحكام الفاطميين يشجعون الشباب على عقد قرانهم في يوم المولد النبوي؛ مما أثر فيهم لإهداء العروسة إلى خطابهم تيمناً بهذا اليوم؛ ولذلك أبدع صناع الحلوي في تشكيل عرائس المولد وتغطيتها بأزياء تعكس روح هذا العصر والتراث.
ظلت هذه العادة إلى قرون من الزمن ولكن السنوات الأخيرة شهدت عزوفا عن صناعة العروسة الحلاوة, وتم استبدالها بأخرى مصنوعة من البلاستيك وهي ترتدي ثوبا جميلا مزركشا.
ويؤكد الدكتور رشاد عثمان أستاذ التاريخ القديم بكلية الآثار أن المصريين ورثوا الاحتفالات الدينية من أجدادهم الفراعنة, وهو ما ظهر في النقوش على جدران المعابد فبجانب اهتمامهم بحياتهم العملية وإتقانهم للعمل والزراعة وبناء المنازل والمعابد, لم يفوتوا أي فرصة للحصول على البهجة والاحتفال بالأعياد وخاصة الدينية.
ويضيف عثمان أن المصري القديم ظل محبا للأعياد والاحتفالات, وهناك رواية تقول أن عروسة المولد ارتبطت تاريخيا ب"إيزيس"، إحدى آلهة المصريين القدماء وما يعزز هذه الرواية هى أن المصريون القدماء أبدعوا فى صنع العرائس فى العديد من مناسباتهم, منها عروسة النيل وعروسة البحر وعروسة الزار وعروسة الحسد والعروسة الخشب وعروس القمح ، ولكن عروسة إيزيس تطورت وتجددت خلال العهود والعصور المختلفة، مرورًا بالعصر الإسلامي وأصبحت مظهرا من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي.
فى حين ترى الدكتورة إلهام إبراهيم أستاذ التاريخ الاسلامى بجامعة حلوان أن الاحتفال بالمولد النبوي ومظاهره التي نراها اليوم وحلوي عروسة المولد ترجع إلى العصر الفاطمي قبل ألف عام؛ حيث كان الحكام يفرقون الحلوى على العامة لكسب ودهم؛ بهدف استمالتهم للمذهب الشيعي, وكانوا يعتبرون الاحتفال بالمولد النبوي مناسبة للترفيه عن الطبقات الشعبية, وقد استغل الحكام الفاطميون حب الناس للنبي صلي الله عليه وسلم عند المصريين فعمدوا إلي الاحتفال بمولده الشريف, حتى أنهم غالوا في مظاهر تلك الاحتفالات وأنفقوا على مظاهر الاحتفال ببذخ بهدف استمالة مشاعر العامة.
وتؤكد الدكتورة إلهام أن المصريين كانوا يستخدمون الدمى كنوع من أنواع التوثيق الحضاري لحياتهم، لتربط بين تلك المصنوعة من الحلوى والدمى الحقيقة المصنوعة من الأحجار والصخور.