القاهرة 13 نوفمبر 2018 الساعة 11:52 ص
كتبت : د. هـنـاء زيــادة
إنها الإعادة الثالثة خلال مدة 80 عاماً، للسيرة الذاتية لـ (نيل أرمسترونج) رائد الفضاء ا?سطوري الذي يعد أول رجل في تاريخ البشرية يسير على سطح القمر، صانعاً تاريخ جديد لبلاده وللإنسانية بأكملها، عندما وضع قدمه على سطح القمر في 20 يوليو من العام 1969م، إنه فيلم First Man أو (أول رجل)، الذي يلتقي من خلاله المخرج الفرنسي الأمريكي (ديميان شازيل) مرة أخرى مع بطله من فيلم (لا لا لاند) النجم (رايان غوسلينغ)، والذي قدماه سوياً في عام 2016م، وخرجا به بجوائز أوسكار عدة، بخلاف تحقيق إيرادات قياسية حينها، وعن فيلم (أول رجل) صرح شازيل بأنه لم يستطع تخيّل ممثل آخر غير غوسلينغ في دور أرمسترونج.
يعود الفيلم بالزمن إلى 8 أعوام تسبق مهمة (أبولو 11)، مستعرضاً المصاعب التي مر بها رائد الفضاء، إذ يبدأ الفيلم في العام 1961م، حيث نرى آرمسترونغ كطيار يحاول تحطيم رقم قياسي لبلوغ ارتفاع معين في الفضاء، على الأرض نرى زوجته جانيت شيرون، وهى زوجة آرمسترونغ الأولى، تراقب ابنتهما بقلق، وهي تتلقى علاجاً بالإشعاع من ورم خبيث، حيث تموت الفتاة ويكتفي آرمسترونغ بلحظة بكاء هيستيرية يخرج فيها آلامه، وسرعان ما يترك زوجته ويعود إلى عمله متجاهلاً الحدث الجلل، حيث يقدم آرمسترونغ أوراقه رسمياً، ليصبح رائد فضاء لدى وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، ويتم قبوله في برنامج (جيمني) في عام 1962م، مع قراره الصعب لخوض تلك المهمة الشاقة، رغم كل الأحداث التراجيدية التي يمر بها، ينتقل آرمسترونغ مع زوجته وولديه إلى مدينة هيوستن، وهناك يبدأ خوض تدريبات قاسية وشاقة، الفيلم ورغم أنه درامي بإمتياز، إلا إنه يركز على الجانب التقني أكثر من العاطفي، فنجد شخصية آرمسترونغ تقمع مشاعرها لتركز على العمل فقط، وتتجاهل الجانب الأسري من حياتها. ورغم أن القصة الحقيقية كلها تشويق وإثارة، لأنها تحكي عن مرحلة مثيرة في تاريخ الجنس البشري، حيث الوصول الأول على سطح القمر، لكن للأسف قد بدا واضحاً البطء الشديد في التطور الدرامي للأحداث، مروراً بالأداء البارد والتصوير المهتز، وهو ما جعل الفيلم في النهاية خالي من الإثارة والتشويق. يتضمن الفيلم مشاهد حضور آرمسترونغ لجنازات زملاءه، الذين لقوا حدفهم نتيجة حوادث وقعت أثناء التدريب، إلى جانب مشهد يتناول فيه آرمسترونغ العشاء وهو يشاهد أخبار آخر تطورات الجانب السوفييتي في سباق الوصول إلى الفضاء، وفي لحظة الهبوط على القمر، يعمل صناع الفيلم على إبراز اللقطات الجميلة للقمر، وعندما ينزل آرمسترونغ على سلم مركبته، وتلامس قدماه سطح القمر، ويقول عبارته الشهيرة: (خطوة صغيرة للإنسان.. وثبة كبيرة للإنسانية)، نبدأ في رؤية أروع المشاهد.
من الأمور المثيرة في القصة الحقيقية لرحلة أبولو 11 أنه أثناء إطلاق أبولو 11 وصل نبض قلب أرمسترونغ إلى أعلى مستوياته 110 نبضة في الدقيقة، كما قام رواد الرحلة بنصب العلم الأمريكي هناك، وكان العلم المستخدم في هذه المهمة معدني ومزود بقضيب ليحمله بشكل أفقي، ولكن نظرا لأن هذا القضيب لم يتم فرده بشكل كامل إضافة إلى أن العلم كان مطوياً بإحكام شديد طوال الرحلة، فإنه قد أصبح مموج الشكل ليبدو وكأن هنالك نسمة هواء تحركه، وفي كل الصور الوثائقية لرحلة أبولو 11 لم يظهر أرمسترونغ إلا في 5 صور ما بين ظهور جزئي أو منعكس، وكانت آخر مهام أرمسترونغ أن يترك حزمة صغيرة من الأشياء التذكارية لرواد الفضاء السوفييت المتوفين، مثل يوري غاغارين وفلاديمير كومارفو، وكذلك لرواد أبولو 1.
كتب الفيلم (جوش سينغر)، الذي كتب أفلام مثل (سبوتلايت) و(ذا بوست)، وقد حاز عن (سبوتلايت) جائزة الأوسكار كأفضل فيلم عام 2015م، و يشارك رايان غوسلينغ في البطولة كلا من: كوري ستول، والذي قام بدور (بز ألدرن)، رائد الفضاء الذي أصبح ثاني إنسان يمشي على سطح القمر خلال مهمة أبولو 11، كلير فوي وكايل تشاندلر وجيسون كلارك وكريستوفر آبوت، وكان العرض الأول للفيلم في مهرجان البندقية السينمائي في 29 أغسطس الماضي. في مقابلة عام 2001م، صرح الرائد الفضائي (نيل آرمسترونغ)، بأنه لم ينظر إلى القمر قبل تلك الرحلة، قد تكون إجابته هذه مبالغاً فيها، ومن المعروف أنه قد دخل في حالة من الاكتئاب حتى وفاته عام 2012م، عن عمر يناهز الثانية والثمانين في مستشفى بأوهايو وذلك بعد خضوعه لعملية جراحية في الشرايين التاجية، وللأسف.. لم يسعفه العمر كي يرى تلك النسخة السينمائية الأخيرة من سيرته الذاتية، التي عرضتها دور العرض في الولايات المتحدة في 12 أكتوبر الماضي.