القاهرة 16 اكتوبر 2018 الساعة 11:51 ص
حوار: محمود الديب
هل مصير المبدع أن يظل يعيش الإحباط تلو الاحباط، ويسعى للبحث عن تغيير واقعه عبر أدبه؟ ومتى تنتقل رياح التغيير هذه من صفحاته لتمتد ظلالها إلىالواقع المعيش المزري بالنسبة له؟
إن الروائية المصرية هدى توفيق تعد نموذجاً فريداً لمقاومة الانهزام والتراجع الحياتي الذي تعيشه ملايين من الشعوب العربية، والتي تصب جام غضبها على الواقع من خلال شخوصها وحكاياتها المتشربة بنبرات الألم .
- تجلب الكتابة أشكال غير التي تشكلت عليها ذائقتنا الأدبية في قراءة القصة والرواية، فنجد الآن النوفيلا والمتتالية والرواية داخل رواية.
- التوقف عن الكتابة غالبا جيد ما دام تحت سطوة التفكير الدائم والإنشغال بما سوف يكتب.
- يعاني الشعب المصري من الفراغ العقلي والروحي، وهذا الفراغ يحرمه من عيش الحياة الحقيقية غير الضرورات البيولوجية.
ما الأسباب التي أفضت إلى قلة المتتاليات القصصية، فقد أصدرت (رسائل لم تعد تكتب)، ووصفها النقاد بأنها عبارة عن متتالية قصصية، فلماذا لجأت إلى هذا القالب من صوغ سردك ؟
لاشك أن أهم سبب هو تداخل الأنواع الأدبية داخل المعترك الأدبي الآن، وإن كان هذا الشكل الأدبي معروف منذ زمن، ويوجد الآن كما أظن مصطلح الرواية الجديدة المتطورة على المستوى الهيكلي وفنيات الحدث ومدى تفاعله مع الشكل الجديد، ربما لم يعد يروق للكاتب الشكل التقليدي المعتاد في كتابة الرواية، وأصبحت متعة اللعب بالأشكال الأدبية من وظائف اهتمام الكاتب آثناء الكتابة، وليس فقط الفكرة المعتادة، فأحيانا ما تجلب الكتابة أشكال غير التي تشكلت عليها ذائقتنا الأدبية في قراءة القصة والرواية، فنجد الآن النوفيلا والمتتالية والرواية داخل رواية، نحن دوما نتوق لإبداع كتابة جديدة عما هو متعارف عليه، فعندما تكتب أنت تتحير وضع هذا المخطوط تحت أي مسمى وتحديد جنسه الأدبي لتواجه به النقاد والقراء بشكل عام، وبصراحة عندما أنهيت رسائل لم أسميها متتالية، تركت مكان التصنيف فارغ حتى أخبرني الناشر أنها متتالية، وسيتم نشرها بذاك العنوان وهذا الأفضل لها، لكن بعد عرضها وتناولها بين الأصدقاء أطلق عليها ناقدين أكاديمين كبيرين على قدر عال من النزاهة الأدبية والتحليل النقدي، أنها رواية وتحدثوا بمسمى رواية الرسائل، بل وأشاروا أنها رواية ما ينقصها شئ حتى تسمى رواية، فضحكت أسفا وندما أنني لم أصنفها رواية، لكني فعلا آثناء كتابتها إعتقدت أن الحكاية لا تطرح رواية، لأن أجواء الكتاب كله تدور من خلال تقنية الرسائل بين شخصين حبيبين، ومكانين لا غير وفترة زمنية محددة من خلال تاريخ كل رسالة، فتخيلت أنها أقرب للمتتالية القصصية، وليست بأي رواية، وعلى العموم أنا أرى أن فحوى ومغزى الكتابة هى المحور الهام التي تشغل بال الكاتب في أي حال من الأحوال كانت رواية، متتالية، قصة قصيرة، قصة طويلة المهم مدى الجهد الإبداعي والمعرفي لطرح هذه الكتابة.
هل التوقف عن الكتابة له فوائد فقد توقفت عامين عن الكتابة ولم تبدِ اهتمامًا بإيضاح أسباب التوقف ؟
في الحقيقة لقد كان التوقف قهريا، حين تعرضت لحادث مآساوي، ألزمني حوالي عام كامل في الفراش، وعام آخرحتى أعود لعملي الوظيفي والواقع الثقافي، لكني الحمد لله وبمؤازرة أمي وأخوتي والأصدقاء الأعزاء والجميع حثوني على التحمل بالقراءة والكتابة بصمت ولتكن استراحة محارب، كما أطلق عليها أخي الكبير يالها من ذكريات مؤلمة وأنت في مواجهة المرض والعجز وانتظار الصعود مرة أخرى، ثم أصدرت رواية المريض العربي وتوالت الإصدارات بعدها، ولم أبد اهتماما بإيضاح الأسباب، لأن حالة الألم كانت قوية ومفاجئة للغاية، والجميع وليس أنا فقط في حالة ترقب للخروج من هذا الكابوس بأي شكل وسط المسكنات وغرفة العمليات وسماع نصائح الطبيب المعالج وغيره، وما عليك سوى أن تنصت فقط لنصائحه بدقة وطاقة لا تخبو أو تتملل، على العموم مرت والحمد لله وها أنا أبلغك بما حدث (ههه)، وإن كنت لست ضد فكرة التوقف للفنان من حين لآخر حتى يتفهم ما كتب، وما يريد أن يكتب، والتأمل طويلا عما يريد أن يبدع في المستقبل، وما الجديد في مشروعه، فهذا التوقف غالبا هو جيد ما دام تحت سطوة التفكير الدائم والإنشغال بما سوف يكتب.
( الحزن طابع الشعوب المتخلفة بوجه عام )، ما هي الصفات الأخرى التي تتسم بها الشعوب المتخلفة ، ولماذا تصدرت القائمة الحزن ( لكنه يجعل الأدب أكثرنجاحا لأنه يقترب ويحكي عن آلام البشر )؟
بدون منازع أهم صفة أخرى سائدة بين الشعوب المتخلفة هو عدم الإحترام بتاتا لقيمة الوقت، ولنتحدث عن مصر، فمثلا جرب أن تأخذ ميعاد أو أن تذهب لقضاء اجراء روتيني في الحياة اليومية، وما دمت مصري لا بد أنك جربت ذلك، ستقابل كل ما هو فوق التصور من عبارات شائعة من عمق وجعها تثير السخرية والضحك، فشر البلية ما يضحك هنا في مصر (تعال بكره، لا يصلح ووووو...)، الكثير دون تفاصيل موجعة فهي معروفة ، أما شعور الحزن المتأصل في وجدان هذه الشعوب، طبيعي جدا فهي تكد وتكافح طوال النهار، وربما أغلب اليوم من أجل فقط أن تأكل وتشرب وتمارس الجنس وتنجب، دون أي تفاعل مع أي وجوه أخرى للحياة من قراءة، تنزه، غناء، رقص، مشاهدة سينما، مسرح، حتى أثار بلدنا أغلبنا نجهلها، وهذا ليس طبعا لأننا ننتج أو نعمل بجهد، فنحن رقم واحد في الإجازات والتملص من العمل بشتى الطرق، لكنه الفراغ العقلي والروحي يحرمنا من عيش الحياة الحقيقية غير الضرورات البيولوجية، بما يدور في الأجواء كالعادة، لا تجد ثقافة حب الحياة، هناك شعور بالفقد كبير لإنسانيتنا ،لداخلنا الذي دائما مأخوذ تحت وطأة الكبح والعوز، فننحزن بشدة، ليس فقط شئ محزن بل إننا نكاد نموت من القهر والحزن واليأس، وخاصة ما يعيشه جيراننا من ويلات الحروب ونشاهده ونقرأه كل لحظة، وهو المتصدر بطبيعة الحال، إذا عن ماذا سيكتب الفنان غير هذا، وهو محاط بالمعاناة التي هي من لحم ودم لإنسان يعاني كل لحظة بين القصف والموت دون بدائل غير الهروب من وجه الجحيم بأي شكل، وأظن ليس مفردة الحزن بوجه عام هو من ينجح العمل، إنما الصدق الفني، وهذا الصدق الفني يطرح معاناة البشر تلك القيمة الإنسانية التي نحزن عليها للغاية.
هل الغربة أحد همومك وأحد القضايا الكبرى التي تنبرين للحديث عنها وتشريحها خلال أعمالك؟
الغربة النفسية: من فينا يحيا في دائرة الوطن العربي ولا يشعر بالغربة، أنا فعلا أشعر بها وليس فقط مجرد شعور لكنها ثقيلة بوطأتها على نفسي، بل أجزم أنني في بعض الأحيان أشعرحتى بالغربة عن تاريخي الذي أقطن في مساحاته الجغرافية داخل بلدي، عما عرفته وأدركته بالقراءة والمعرفة، فما بالك بالأشياء الأخرى، وإن كنت أسميه الإغتراب داخل وطنك، حين تبدو غير عابئا غير مبال بما يحدث حولك، وكأنك مستأجر مكان للعيش ليس لك حق فيه بمجرد أن ينتهي فترة ايجاره ترحل لمكان آخر وتعش دوما حالة، البحث والبحث حتى تصل للحقيقة ولن تصل، وهذا هو همي وقضيتي الكبيرة كما أعتقد، لقد عشت تجربة السفر خارج الوطن أي الغربة الفعلية والعيش مع ثقافة وبشر آخرين، وتمارس التلاهي والتجاهل وأنت تعايش طقوس وتفاصيل مختلفة وتباين المواقف والأشخاص والأفكار بالعمل ورصد صامت وسط الغربة المكانية، لكنك عندما تعود ستكتشف أن الغربة عن الوطن ليست أقسى كثبرا عن الإغتراب داخله،كل له أوجاعه، لكنها تكن أشد إيلاما داخل جحرك الذي فرضه عليك الوطن.
هل مشكلات المرأة والرجل في المجتمع العربي محددة، أم تتسع بإختلاف وتباين العلاقات والنفوس البشرية ؟
أعتقد أن المشكلة الكبرى والأهم بين الرجل والمرأة وليكن حديثنا عن المجتمع المصري بشكل خاص هو الإدعاء والشيزوفرينا التي يعانيها كلا الطرفان، فكلاهما يقولان حديث ويدعون كل منطق التعقل والتفتح لكن داخل عقليهما شئ آخر حتى تنكشف مع اشتباك المواقف الحياتية، ليظهر كلاهما على حقيقته المدعيه المتناقضة مع كل قول قيل من قبل، لذلك تفصح الحقائق عن الأقنعة المزيفة التي تحيط بهالة الكلام المنمق والضحكات، وبالطبع هذه المشكلة الأساسية أي عدم الصدق مع النفس أولا، تفجر مشاكل جسيمة، وأظن أن الإحصائيات تصرح عن ارتفاع معدلات الطلاق بنسبة مرعبة، وبالتأكيد هذا سببه الأول الثقافة وتربية مجتمع وأسرة غير سليمة وصحية تماما.
لديك اعجاب برواية المريض الإنجليزي، فما السر بهذا الإعجاب ؟
لقد قرأت تلك الرواية ثلاث مرات مثل رواية الحرافيش للكاتب الكبير نجيب محفوظ، وازداد انبهاري بالرواية بعد مشاهدة الفيلم المأخوذ عن قصة مايكل أوندانتج التي تحمل نفس الإسم المريض الإنجليزي، والتي حصلت على تسع جوائز أوسكار في العام ، 1996وحصلت الرواية على جائزة البوكر في العام 1992، وكانت هذه الرواية رفيقتي آثناء الزامي للفراش في محنة المرض، وأضاءت لي فكرة رواية المريض العربي التي صدرت في العام 2015، لا أعرف شعرت بتماس روحي عال بشكل ما، مع بطل الرواية في هذا الفيلم الذي "احترق جلده"، ولم يعد له أي ملامح تمكن من التعرف عليه وليس معه أوراق أو وثائق تدل على هويته، فكل ما بقي له من ممتلكات ولم يصل إليه الحريق، كراسة مملوءة بالقصاصات دوّن في هوامشها ملاحظات بخط اليد ونسخة إنجليزية لكتاب " التاريخ" ل( هيرودوت) أصبح يعرف من خلالها بإسم (المريض الإنجليزي).
ما هي أبرز الصعوبات التي يواجهها المبدع المصري والمبدعة المصرية ؟
طبعا المشكلة الأولى : عدم انتشار الكتاب المصري وعدم تواجد سوق داخلي بشكل كبير، وانحصار قراءته داخل الواقع الثقافي، وإن كان هذا أيضا يتم بمدى إجادة الكاتب العلاقات مع الأصدقاء والمعارف دون القارئ البسيط المهتم، وهذا ليس معناه أن الكتاب ليس به القيمة المعرفية والإبداعية، لكن صاحبه استطاع التدشين والترويج لكتابه سواء كان هذا الكتاب غير ذي قيمة أو جيد، إنما نحن مجتمع مغلق بطبعه، المشكلة الثانية والأهم من وجهة نظري، هو عدم اهتمام النقاد بمتابعة الكتابات الإبداعية، الحاضرة وتقديم رؤية نقدية وتحليلية ينير بها طريق الكاتب للإجتهاد والعمل أكثر على مشروعه، والمشكلة الأصعب هو صعوبة النشر إلى حد كبير، خاصة بعد هذا الغلاء الفاحش الذي نعيشه.
هل تراجعت الدولة عن دعم المبدعين من خلال النشر؟
الأسباب واضحة ولا تحتاج لإكتشاف أحد: المحسوبية والوساطة والشللية واحتكار الأدوار بمنطق تصفية الحسابات، وسأحكي مثال بسيط دون تفاصيل مملة ومعروفة للجميع عن تراجع الدولة عن دعم المبدعين من خلال النشر : وهذا الموقف التالي : أنني قبل صدور مجموعتي الأولى ظللت لأكثر من سبع سنوات أحاول نشر هذه المجموعة في المؤسسات الرسمية، وفشلت حتى لعبت الصدفة القدرية دورها وفازت تلك المجموعة بجائزة النشر الإقليمي لذا نشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة عام .2007
ما أهم الجوائز التي تعتزين بالحصول عليها ؟
كنت أرغب وأتمنى بشدة كتابة الرواية لكن كنت أرتعب من فكرة الإخفاق وتحول إلى خوف مرضي لسنوات، حتى كتبت رواية مخطوطة باسم ( أرواح الأسلاف المنسيين )، لكني أيضا تراجعت عن نشرها ووضعتها في الدرج بإهمال دون اقتناع بنشرها تماما، ولا أعتقد أنني سأنشرها بعد كل تلك السنوات، ثم في عام 2009بدأت في كتابة رواية (بيوت بيضاء) ونشرتها في عام 2011، وفازت بجائزة في عام 2012 فسعدت للغاية بها، لأنها كسرت هاجس الخوف من كتابة الرواية، ثم في عام 2015 أصدرت رواية (المريض العربي)، وأطمح في اصدار روايتي الثالثة (أشباح التيوليب)، بل وأتمنى أن استمر في كتابة الرواية، فرغم أني متيمه بكتابة القصة القصيرة لكن الرواية لها مذاق وطموح مختلف.
ما أبرز مشاريعك الإبداعية المستقبلية ؟
أنتظر قريبا إن شاء الله صدور رواية (أشباح التيوليب ) عن دار نشر روافد، وأتمنى أن تنال اهتمام القراء والنقاد بقدر ما بذل فيها من مجهود.
صدر لها:
1- مجموعة قصصية (أنا تصير رجلا) عن هيئة قصور الثقافة المصرية عام2007
2- مجموعة قصصية (عن عاقر وأحول) عن مركز الحضارة العربية عام 2007
3- مجموعة قصصية (كهف البطء) عن دار نشر (الدار) عام 2008
4- مجموعة قصصية (مذاق الدهشة) عن دار نشر (شرقيات) عام 2010
5- رواية (بيوت بيضاء) عن دار نشر (كيان) 2( طبعة ) عام 2011-2012طبعة ثالثة عن دار نشر روافد2016
6- مجموعة قصصية (الأمنية الأخيرة) طبعة محدودة عن مطبوعات (ورشة الزيتون) عام 2012
7 ـ مجموعة قصصية )سلامتك ياراسي ( عن دار نشر (المحروسة )عام 2015
8ـ رواية )المريض العربي( عن دار نشر (روافد) عام 2015
9-مجموعة قصصية )عدوى المرح( عن دار نشر (الأدهم) عام 2015
10_ متتالية قصصية ( رسائل لم تعد تكتب ) عن دار نشر (الأدهم ) عام 2016
11_ رؤى ثقافية _(مصر للقراءة والمعرفة )_ عن دار نشر يسطرون للطباعة والنشر عام 2016
12_ قراءات ابداعية وفكرية في القصة والرواية المصرية (الهيئة العامة لقصور الثقافة ) عام 2016
13_ مجموعة قصصية بعنوان (حذاء سيلفانا ) عن دار (نشر كتبي ) للطباعة والنشر عام 2017
14_ مجموعة قصصية بعنوان (الوجه الآخر للوحدة ) عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2017
15_ مختارات قصصية بعنوان (الرقص على البحر) عن دار نشر يسطرون للطباعة والنشر عام 2017
16_ كتاب (اقتحام الخلوة ) عن الدكتور الناقد (عبد المنعم تليمة ) عن دار نشر يسطرون عام 2018
الجوائز :
- جائزة القصة القصيرة عن أدب الحرب عام 1998من مجلة النصر (مصر )
- جائزة القصة القصيرة من أخبار الأدب عام 1999 على مستوى الوطن العربى
-جائزة القصة القصيرة من نادى القصة عام 2003(مصر )
- جائزة المركز الأول عن )رواية بيوت بيضاء (تحت اشراف الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2012