القاهرة 16 اكتوبر 2018 الساعة 09:53 ص
كتب : صلاح صيام
محمود قاسم: السينما قامت بدورها وعرضت 4 أفلام بعد عام من الحدث العظيم
نادر ناشد: قدمت مراهقة سياسية ومشاعر انفعالية ساذجة
عندما يأتى شهر أكتوبر من كل عام, نتذكر الملحمة العظيمة, والذكرى العطرة لحرب التحرير, حرب العزة والكرامة, الحرب التى أعادت الروح للشعب المصرى بل للأمة العربية بعد سنوات عجاف من الانكسار والذل والمهانة.
نجلس مع أنفسنا نردد السؤال الذى بلغ عمره الآن 45 عاما.. هل أنصفنا حرب أكتوبر؟ هل قدمنا ما يليق بها؟ هل كان فى الإمكان أبدع مما كان؟
الناقد الفنى والمؤرخ محمود قاسم يرى أن السينما لم تقصر قط في لعب دور إيجابي فيما يخص تناول حرب أكتوبر طوال خمسة وأربعين عاما , حيث عرضت أربعة أفلام في نفس الأسبوع الذي تم فيه الاحتفال بمرور العام الأول علي الحرب, هذه الأفلام الأربعة احتشدت بكبار نجوم السينما في تلك الآونة وأخرجها مخرجون من أجيال متعاقبة هم حلمي رفلة وحسام الدين مصطفي ومحمد راضي, ونادر جلال, منهم فيلمين مأخوذين عن نصوص أدبية لكل من إحسان عبد القدوس ومجيد طوبيا وهما من جيلين مختلفين, هذه الأفلام هي " الرصاصة لاتزال في جيبي" و" أبناء الصمت" والوفاء العظيم" و" بدور".
الناس تعرف هذه الأفلام , والموضوع الرئيس فيها هو معاناة المصريين من عار الهزيمة , وما أن تقوم الحرب حتي يتم العبور إلى النصر, وهي الفكرة التي تواجدت في كل الأفلام عن الحرب, الرحلة من الهزيمة الي النصر, وقد تكررت في كل الأفلام التالية , ومنها: حتى آخر العمر, والعمر لحظة , و لا وقت للدموع
وعلى جانب آخر عرف المصريون نوعا آخر من النصر الموازي وهو دور الاستخبارات في الإيقاع بالجواسيس الذين ساعدو العدو الإسرائيلي ومنها :" الصعود إلى الهاوية" , و" بئر الخيانة" وفخ الجواسيس" و" أريد حبا وحنانا", و"إعدام ميت"؛ وهذا يعني أن السينما قدمت ما عليها في أكثر من جانب.
والحكاية أن المصريين عند كل احتفال سنوي بالعبور كانوا يرون أن الحرب والنصر كانا أكبر ما قدمته السينما , وأراد الناس أفلاما حربية على غرار أفلام الحرب العالمية الثانية , وقد نسوا أن هذه الحرب استمرت ست سنوات وبين جنسيات مختلفة في أنحاء الأرض, أما حرب أكتوبر فهي بمقياس الحروب قصيرة الزمن , إقليمية المكان, وذلك أسوة بحروب معاصرة كثيرة في كمبوديا , والهند الصينية.
وقد رأينا العديد من الأفلام عن مصائر المحاربين عقب تسريحهم من الجيش, وكيف عاشوا الحياه المدنية مثل: "سواق الأوتوبيس" و" أمهات في المنفى".
ولا شك أن السينمائيين توقفوا عن العمل في هذا النوع من الأفلام عقب الأزمة الرقابية التي صاحبت فيلم" حائط البطولات" لمحمد راضي, ورأوا أن أموالا كثيرا ضاعت هباء, دون تقدير من الدولة , وفي عام 2016 قام أحد المصريين المهاجرين بإنتاج فيلم " أسد سينا" و الذي جاء دون المستوي , وأرى أن السينما كانت محظوظة كثيرا بوجود اثنين من المخرجين عملا في الأفلام ذات الطابع العسكري هما محمد راضي, ثم علي عبد الخالق, وقد توقف الأول بعد منع عرض فيلم " حائط البطولات " عام 1999, أما "عبد الخالق" فقدم آخر أفلامه الحربية " يوم الكرامة" عام 2005, وكان الأمل أن يسند إليهما المزيد من العمل.
الشاعر نادر ناشد يرى أننا عدنا إلى نقطة الصفر وبنفس المعطيات والمفردات, لا نزال نتفوه ونناقش ونلغو بلغة غريبة عن واقعنا وكأننا لا نتعلم من أخطاء الماضى, وكأننا فى كل مرة نناقش فيها هروب الفن من حرب أكتوبر ,- باستثناء فن الأغنية – وأما المسرح فقد تحمست فرق الثقافة الجماهرية من خلال نصوص أغلبها شعري, وبرغم الإمكانات المادية الضعيفة, فقد خرجت أعمالا جيدة ولكن لم يتم تصويرها إلا القليل, ولم يتم تداولها إلا نادرا, وهكذا غاب مسرحنا عن أقدس حرب عربية عاشتها مصر ولا زلنا نجنى ثمارها الطازجة المفرحة.
وأما السينما فإن الغيبوبة قد غطت على ستائرها وكاميراتها وأقلام كتابها .. كنا ننتظر كتابات جادة من الراحل الكبير الأديب أسامة أنور عكاشة وعد بها قبل رحيله بعدة سنوات , ومات المشروع قبل موت عكاشة بسنوات, وماتت أيضا المسابقات الخاصة والعامة حول كتابة أفضل نص روائى عن حرب أكتوبر, والقضية اليوم أمام الرأى العام .. لأن هناك متاهة كبيرة أن أجيالا كثيرة لا تعرف شيئا عن هذة الحرب الرائدة , أو على الأقل لم يعرفوا جوانبها ولا يفوتنا هنا أن نتحدث عن السلاح الفكرى الغربى الكاسح الذى يغزو العقول العربية فى نعومة وثعبانية تتجاوز ما نطمح إليه , فقد أصبح من المسلم به أن من حق هذة الدول الحصول على حقها فى زرع المعلومات , ومن حقها أيضا أن تشارك فى معركة المصير التى يعيشها العالم منذ سنوات, والبطل الأول أو الأوحد هو التكنولوجيا المبهرة, خاصة أن المجتمع العربى يمر اليوم –ومنذ غزو العراق للكويت- بفترة تحول حاسمة وسريعة, ويتحدد هدف هذه المرحلة بتحقيق اللا توازن بين الشرق والغرب, وتوسيع الهوة بيننا من جانب الصهيونية وبغير ترتيب واضح أو ملموس, هكذا نرى فيلما عالميا من إنتاج إسرائيل عن أشرف مروان بعنوان" الملاك" , وأيا كانت الحقيقة إلا أن الأمر لا يخلو من من تلويث أو تشويه لشخصية مصرية لم يحسم أحد أمره حتى الآن , فحسموا هم الأمر حسب مقاسهم وأهوائهم وقناعاتهم, وفى المقابل لا نرى فيلما عن أكتوبر .
أما الموجود فى المكتبة المصرية عن أكتوبر فلا يزيد عن انفعالات مصرية أغلبها ممزوج بقصص حب ساذجة, وربما نستثنى فيلمين من هذه الجوقة هما "أغنية على الممر" للكاتب علي سالم و"أبناء الصمت" للكاتب مجيد طوبيا , وفيهما البعد الإنسانى لشباب مصرى دفع عمره فى انتظار نقطة الصفر, بعضهم قضى أكثر من عشر سنوات ينتظر قرار العبور, وبعضهم من ألقى طموحاته الشخصية وأحلامه المؤجلة دائما, واتجه للعبور وتحرير سيناء وعودة الكرامة لمصر بعد أن كادت نكسة 1976 أن تطيح بكل شيء فى مصر.
ولكن ضمور هذه الأفلام أمام الحقيقة الكبرى للعبور العظيم لا يزال يدعونا للعمل الجاد الذى ننتظره جميعا, فهل نستعين بخبرات أجنبية لتحقيق ذلك ؟ أرى أن هذا غير مناسب إطلاقا, فليس من المعقول أو المقبول أن يؤرخ لنا الأجانب ونحن من يمتلك سينما تمتد إلى أكثر من مائة عام, مارسنا خلالها صناعة قومية وطنية قد تتعثر ولكنها لا تزال "السينما المصرية".
وأتخيل أننا ما زالنا قادرين على مقاومة الصوت والصورة الصهيونية بشتى طرقها, من خلال تلك السينما, ونكتب السطر الأول من شريط المقاومة.