القاهرة 02 اكتوبر 2018 الساعة 11:25 ص
قراءة نقدية : ريم أبو الفضل
"الحور العين تفصص البسلة" .. بدا العنوان علامة تواصلية تحقق قصد التواصل, كما يقول "ليو هوك" تنسجم العناوين التي تجنح لكسر التقليدي والنمطي مع طبيعة السرد التجريبي وتتسق مع لغة تأويلية.
تناولت الكاتبة الموروث الاجتماعي والديني بشكل يبتعد عن التقريرية والمباشرة وخرجت من أسر الكتابة النسوية، فأعادت الخلق الفني للأفكار بعيدا عن إعادة طرحها أو صياغتها.
ففي نص "أميبا" ذلك الطفيل وحيد الخلية الذي يشبه امرأة تكتمل فقط يوم الأربعاء.
تكسر "صفاء النجار" نمط الكتابة النسوية في هذا النص المسكون بهاجس الجسد، ونصوص أخرى حيث الهم الجمعي الإنساني الأنثوى وغير الأنثوي الذي تغوص في أبعاده السيكولوجية والسيسولوجية، فحضور الجسد في المجموعة بشكل عام, وفي هذا النص بشكل خاص في صورة مغايرة للسيطرة الذكورية؛ حيث يمثل بؤرة انفعالات مؤثرة تفاوتت رمزيتها بين الجسد في نص "أمبيا" والجسد في "عطية" والجسد في "سيجارة وأربعة أصابع", فلم ينحصر مدلول الجسد في تضاريس فيزيائية كما كانت تنظر البطلة له في انعكاسه بالمرآة تحت ملابسها المبتلة، بل تنوع بتنوع جوهر السرد حيث هبة الجسد في "عطية" وسموه فوق أي فكر مؤدلج.
تيمة الفقد والبحث عن الذات المغتربة من خلال بحث أم نجاة عن ابنتها في وجوه المكدودين, ثم بحثها عنها من خلال جرح خمشته أظفارُها في وجوههم, ويأخذ البحث شكلا آخر من خلال نص "اكتشاف" حيث الحلم الذي أجهضته الظروف من خلال الأم وابنتها, وكأن للحلم فترة صلاحية.
كما كان الانعتاق من كل الهواجس الملحة التي تتسبب في معاناة داخلية وصراع؛ للوصول لحالة من سلام الأبطال مع ذواتهم في أغلب النصوص
الموت, وكسر رهبته بحضوره في النصوص كنهاية أو انتظار، وكسر تابوه الجنس والدين في عدة نصوص مثل "سيجارة وأربعة أصابع", و"الحور العين تفصص البسلة".
لم تحمل أغلب شخصيات النصوص أسماء لرغبة الكاتبة في الخروج من حيز الخصوصية والذاتية, واعتبار الشخصيات رمزا في بعض النصوص تسقطها على الواقع الاجتماعي بكل مثالبه كما في نص "الشبكة العنكبوتية" ورمزية خيوط العنكبوت.
اتسعت أفق النصوص لتتحرر من قلب المعاناة إلى آفاق رحبة, متخذة من "الفانتازيا الذهنية" التي تصنع الدهشة, من خلال خلخلة الواقع والثابت ودمجه باللاواقعي والخيالي, ويتضح هذا جليا في النص الأم "الحور العين" ؛ فلم يصنع النص الدهشة فقط بل إنه يعيد رؤية العوالم الغيبية بشكل مغاير جديد، ويعري الموروث الديني والثقافي المغلوط الذي تؤطر الأنثى، وتخضع من حولها لتقاليد منكفئة في التعامل وردود الأفعال.
لذا فقد شكلت ثقافة الكاتبة رؤية فنية خاصة لم تتخل عن الواقع إذا ما اعتمدت على الفانتازيا، وإنما ناسبت معطيات الواقع تقنيات الخيال الفنتازي.
تناولت الكاتبة الجوانب الميتافيزيقية والمعرفية للمرأة، وعبرت عن مشاعرها في تقاطع بين الواقع باللاواقع, كما أنها ترى أن المرأة ليست في حاجة لدعم ذاتي بل كوني, من التحرر والانعتاق من كل الموروثات التي أدت إلى تقزمها ؛ فتختزل كل الدلالات في عبارة عبقرية رمزية في نص "اللعنة" :
"الغفلة تولد كل الهوام، الغفلة تولد كل الذنوب التي في رؤوسنا، الغفلة تقتات دمنا وأرواحنا".
ثم تستهل نصها بجملة تبلور إشكالية العلاقة بين المرأة والرجل في نص"نبوءة":
"لم يكن يفهم أبدًا حبها له .. كان منضبطا أكثر من توقيت جرينتش"
فما كان من البطلة إلا أن تسير متكئة على ذراعي الوحدة والحزن" في تجسيد وأنسنة لهما كمشاركين في الحياة.
في محاولة لفهم فكرة المتناقضات والتحولات في المجتمع، وفي محاولة تبدو أقوى من صفاء النجار للتمسك بالحرية والانعتاق من بوتقة الذات والمجتمع والذكورية, وفكر المرأة نفسه كانت مجموعة " الحور العين" تجسد تعقيدات المجتمع وتلافيف عقله، وتطرح كل ذلك بلغة إنسانية راقية تضيف قيمة فكرية وفنية حداثية جديدة.