القاهرة 25 سبتمبر 2018 الساعة 10:47 ص
د. هـنـاء زيــادة
لا يتوقف طموح البشر عند استخدام الروبوتات في المجالات والمهام المدنية التي تفيد المجتمع، إذ يتجاوز الأمر ذلك إلى الاستخدامات العسكرية، فأصبح العالم يتحرك نحو الحرب التي يقودها الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة؛ حيث يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أو الخوارزميات الأكثر دقة باستخدام التعلم الآلي، في عمليات الاستهداف التلقائي والتحليل الآلي لبيانات الاستخبارات وتحسين اللوجستيات وغيرها من المهام.
الخوف الذي ينتاب العالم حالياً نابع من أن الإفراط في تطوير آلات القتل الذكية من شأنه أن يدمر البشر في أي لحظة إذا ما خرجت تلك الآلات عن النظام أو المسار المرسوم لها سلفاً، فطبقا للمواثيق الدولية ومواثيق حقوق الإنسان فإن رجال الشرطة والمُكلفين بإنفاذ القانون يجب أن يبدأوا أولا باستخدام الوسائل السلمية غير العنيفة وإلى أقصى حد ممكن، مثل وسائل الإقناع والتفاوض، بالإضافة إلى الوسائل التقنية، مثل المعدات الواقية ووسائل الاتصال، وذلك قبل اللجوء أخيراً إلى استخدام القوة والأسلحة النارية، خاصة وأنه لا يجوز استخدام القوة إلا إذا كانت الوسائل الأخرى غير فعالة أو لم تحقق النتائج المرجوة منها.
المغزى هنا أن استخدام الوسائل والتقنيات السلمية يرتكز في المقام الأول على التعاطف والحس الإنساني ومهارات التفاوض والقدرة على التقييم والاستجابة للمواقف التي لا يمكن التنبؤ بها، هذه الحالات تعتمد على تقييم معقد للتهديدات المحتملة أو الوشيكة وكيفية الاستجابة لها بشكل مناسب، فضلا عن تحديد أفضل السبل لحماية الحق أو الدفاع عن النفس، وهذا أمر صعب جداً أن يتم إيجاده في الروبوتات، ولم يتم حتى الآن برمجته بشكل يجعل الروبوتات قادرة على أداء مثل هذه المهام بطريقة تحترم المعايير الدولية و تراعي الاستجابة للمواقف التي لا يمكن التنبؤ بها.
في الهند يجري العمل على تطوير "إنسان آلي مقاتل" يلبي حاجاتها العسكرية، وذلك أسوة بالعديد من الدول التي تقوم باستخدام الآلات في المعارك والحروب، كما هو الحال بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة اللتان تتسابقان على إنتاج جيوش آلية بالكامل؛ ففي فبراير الماضي، قامت الهند بتشكيل فرقة عمل مكونة من 17 عضوا، تضم مسؤولين من الجيش الهندي ووزارة الدفاع ومقاولي الأسلحة ومنظمات البحوث لبحث مسألة تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث سيتم تطوير أنظمة روبوتية ذكية ذاتية التحكم، إذ ترى الهند أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تعيد تشكيل الأمن القومي والدفاع.
وفي عام 2016م كشفت روسيا عن قناص آلي يُحارب ضمن صفوف جيشها، وهو الأول من نوعه في العالم، ويمكن أن يشكل ميزة يتفوق بها الجيش الروسي على غيره في المعارك القتالية البرية التي تشكل الخطر الأكبر الذي يواجه جنود المشاة في العادة, العسكرية الروسية شهدت أيضا في الفترة الأخيرة تصنيع منصة أوتوماتيكية تسمى "نيريختا"، يتم التحكم فيها عن بعد، ويمكن أن تنصب ثلاثة نماذج من الروبوتات، أحدها قتالي وآخر للاستطلاع والثالث للنقل, الروبوت القتالي مزود برشاش كورد الثقيل عيار 12.7 مم ورشاش الدبابة كلاشنيكوف عيار 7.62، فضلا عن قاذف القنابل الأوتوماتيكي "آغي ـ 30 إم"، ويمكن استخدام منصة "نيريختا" كعربة دعم للمشاة في ميدان القتال، أو لنقل الحمولة أو الاستطلاع لاكتشاف مواقع المدفعية المعادية وإجلاء الجرحى من ميدان القتال، ويتم الاتصال بالروبوت بواسطة لوحة كمبيوترية للتحكم عن بعد لمسافة تصل إلى 20 كم، علما بأن مركز قيادة الروبوت يمكن أن يتم نصبه داخل عربة جيب.
ولا يتوقف الطموح الروسي عند هذا الحد، إذ تم الكشف أيضا عن نجاح التجارب التي تُجرى على الروبوت القتالي الجديد "سوراتنيك"، فهذا الروبوت التكتيكي الجديد تعلم تسلق السلالم وإطلاق النيران من الشبابيك, وتم تصميمه خصيصا لخوض معارك المدن ومكافحة الإرهابيين، وبوسعه انتظار هدفه مدة 30 ساعة، ثم يجب بعدئذ أن تغيّر بطاريته، وذلك ضمن مشروع تصميم روبوتات يتم التحكم بها عن بعد، وهو مشروع تابع لوزارة الدفاع الروسية.
خلال العام الماضي قام مؤسسي 116 شركة متخصصة في الذكاء الاصطناعي وشركات التكنولوجيا بالتوقيع على مذكرة تدعو الأمم المتحدة إلى حظر الأسلحة الإلكترونية الفتاكة والمعروفة باسم "الروبوتات القاتلة"، وقد أوضحوا أن تطوير مثل هذه التكنولوجيا ستؤدي إلى ثورة ثالثة في عالم الحروب، يمكن أن تعادل اختراع البارود والأسلحة النووية، حيث ستعمل الروبوتات الفتاكة على توسيع نطاق النزاعات، وخلال فترات زمنية أسرع مما يمكن للبشر استيعابه, لكن لم تلقى هذه الرسالة الصدى الذي كان يُتوقع لها، إذ يبدو أن بعض البلدان لا ترغب بإبطاء عجلة تطوير هذه الأسلحة، حيث رفضت روسيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وإسرائيل وأستراليا تنفيذ هذه الخطوة، وبالتالي خابت الآمال حيال المبادرة الدولية التي كانت تهدف إلى حث الأمم المتحدة على عقد محادثات بشأن حظر تطوير وصناعة "الروبوتات القاتلة"، وهو ما دفع منظمة العفو الدولية إلى التحذير من أن الروبوتات القاتلة ستخلق كابوساً مرعباً إذا ما سمح لها بالقتل كما تشاء، ودعت إلى وضع معايير ملزمة قانونياً لضمان بقاء البشر في صميم الوظائف الأساسية لأنظمة الأسلحة مثل تحديد الأهداف واختيارها والانخراط في ضربها، وهذا وحده هو الذي يضمن احترام القانون الدولي، وتبديد المخاوف الأخلاقية فيما يتعلق بتفويض السلطة لاتخاذ قرارات الحياة والموت إلى الآلات.
وإلى أجل غير مسمى .. ستظل البشرية ضحية أهواء بعض المتحكمين في سوق الأسلحة وتجار الحروب.