القاهرة 18 سبتمبر 2018 الساعة 11:05 ص
كتب : أحمد مصطفى الغـر
منذ 22 عاما، تم إنتاج فيلم سينمائي أمريكي اسمه "Sling Blade"، و بحسب تعريف العنوان خلال الفيلم الذي شاهدته قبل أكثر من 10 سنوات فإنها هى "الشفرة الحادة لقطع العشب أو الحطب.."، هذا الفيلم من الأفلام التي حازت على عدد كبير من الجوائز، منها جائزتين أوسكار، خلال الفيلم يوجد مشهد عابر حيث يأتي شخص لإصلاح آلة العشب التي يمتلكها، وفي ورشة الميكانيكا التي يعمل بها بطل الفيلم "كارل" كمساعد، والذي قام بدوره باحترافية النجم "بيلي بوب ثورنتون"، يحاول كافة الفنيين إصلاح الآلة، ليأتي في النهاية "كارل" ليجد أن خزان الوقود فارغ فيقوم بملئه, ومن ثمّ تعمل الآلة بكل بساطة، الحل بسيط جدا وعبقري، عبقريته تكمن في بساطته، لأننا دائما نذهب للحلول المعقدة بظن سريع منّا أنها ستكون الحل للمشكلة!
هناك نظرية اسمها "نظرية غروسمان"، هذه النظرية التشاؤمية تقول: "كل المشاكل المعقدة تملك أجوبة سهلة ويسيرة الفهم، ولكنها خاطئة"، لكن لماذا هى خاطئة؟!، أظن أن طبيعتنا البشرية دائما تميل للـتعقيد على حساب (البساطة)!
علماء الأنثروبولوجيا يرون أن الإنسان لابد أن يبقى مصقول الموهبة الفكرية ويفكر بشكل منطقي كي يكون عبقرياً، مع أنهم ـ بأنفسهم ـ يعرّفون الشخص المثقف بأنه الشخص الذي يمتلك حصيلة علمية غزيرة ومن خلالها تكونت لديه آراء وأفكار خاصة ومبادئ يسير عليها، إذن فإن الشخص العبقري يجب أن يكون شخصاً قرأ كثيراً، ورأى كثيراً، ويفكر بشكل منطقي خاص به، وليس بالضرورة وفقاً لمنطق أشخاص آخرين وضعوه بشكل مسبق، ويظنون أن هذا هو الصواب وما دونه فهو خطأ.
الحلول البسيطة من الممكن أن تكون حلولاً عبقرية حتى ولو كانت مخالفة للمنطق الموضوع سلفا طبقا لمنطق أشخاص سابقين، هذا الموضوع يذكرنا بما حدث قبل عقود في جامعة كوبنهاجن، عندما جاء سؤال في امتحان مادة الفيزياء: كيف نستطيع قياس ارتفاع ناطحة سحاب، باستخدام جهاز البارومتر؟، ولمن لا يحبون الفيزياء .. فإن هذا الجهاز يقيس الضغط الجوي، والإجابة البديهية على السؤال والتي يعرفها كل دارس مبتدئ للفيزياء، أن يتم قياس الفرق بين الضغط الجوي على ناطحة السحاب وعلى الأرض، وبالتعويض في بعض القوانين يمكننا حساب الارتفاع.
لكن كان هناك طالب يؤمن بعبقرية الحلول البسيطة، فأجاب على السؤال بإجابة دفعت أستاذ المادة إلى إعطائه صفراً وبالتالي رسوبه في الامتحان، الإجابة ببساطة كانت "لقياس طول ناطحة السحاب، يتم ربط البارومتر بحبل طويل ثم نقوم بإنزاله من أعلى ناطحة السحاب حتى يصل إلى الأرض، ثم نقيس طول الحبل"، لكن هذا الطالب قدم شكوى متظلماً من النتيجة، كونه يرى أن إجابته صحيحة وأنه قد تم حرمانه من نجاح يستحقه! قانون الجامعة هناك يسمح بأن يقوم أستاذ محايد في نفس المجال بمراجعة التصحيح، فقرر المجلس العلمي في الجامعة أن يتم الاستعانة بعالم فيزيائي محايد كي يعطي رأي علمي دقيق في هذه المسالة، بعد المراجعة أعطى العالم الفيزيائي شهادته والتي قال فيها : "إن إجابة الطالب صحيحة، ولكنها تفتقر للجانب العلمي لمادة الفيزياء"، واقترح أن يُعطى للطالب فرصة ثانية وأن يتم إعادة الامتحان له مرة أخرى، لكن هذه المرة سيكون امتحاناً شفوياً أمام مجموعة من أساتذة الفيزياء بالجامعة، الغريب أن أساتذة لجنة الامتحان تركوا كل قوانين نيوتن وقاعدة أرشميدس وقانون بويل والسوائل والغازات، وسألوه نفس السؤال الخاص بناطحة السحاب!، فكر هذا الطالب لبرهة، ثم قال أن لديه إجابات كثيرة لهذا السؤال!، فقال: "يمكن إلقاء قياس البارومتر من أعلى ناطحة السحاب ونقوم بقياس الوقت الذي يستغرقه حتى يصل إلى الأرض وبالتالي يمكننا معرفة ارتفاع الناطحة، إجابة أخرى: يمكن معرفة ارتفاع ناطحة السحاب إذا كانت الشمس مشرقة حيث نقوم بقياس طول ظل البارومتر وطول ظل الناطحة فنعرف طول ناطحة السحاب من خلال قانون التناسب بين الطولين وبين الظلين، أما إذا أردنا أسرع الحلول لقياس طول ناطحة السحاب فيمكننا أن نقدم جهاز البارومتر نفسه هدية لحارس بوابة ناطحة السحاب وأنا متأكد أنه سيخبرنا عن طولها فورا"، كان الأساتذة في قمة استغرابهم، وبعضهم قد همّ بالضحك، قبل أن يكمل الطالب إجابته ويقول: "أما إذا أردنا أن نعقد الأمور وحسب فسنقوم بعملية حسابية رتيبة وهي حساب ارتفاع الناطحة بواسطة الفرق بين الضغط الجوي على سطح الأرض وأعلى الناطحة، وطبعا باستخدام البارومتر"، وهذه الأخيرة كانت الإجابة العلمية التي ينتظرها أعضاء اللجنة، لأنها وفقا لمنطقهم هى الإجابة الصحيحة!، بالرغم من أن كل الإجابات الأخرى صحيحة، الخلاصة أن هذا الطالب قد نجح في الامتحان، واعتبرت اللجنة أنه قد أجاب بشكل صحيح، حتى وإن كان لا يقصد أن إجابته الأخيرة هى الإجابة المنتظرة، المثير أن هذا الطالب بعد عدة سنوات، يصبح هو العالم الفيزيائي الشهير "نيلس بور"، ويصبح صاحب نظرية فيزيائية عن بنية الذرة، هذا بخلاف أنه قد حاز على جائزة نوبل للفيزياء.
أليست الحلول البسيطة حلولاً عبقرية ؟!