القاهرة 11 سبتمبر 2018 الساعة 11:00 ص
حاورته : نضال ممدوح
حول دور الفن في التصدي للقبح البصري? ومقاومة الإرهاب? وموقع الحركة التشكيلية العراقية? على خارطة الفن التشكيلي. كان لــ" مصر المحروسة" هذا اللقاء? مع الفنان التشكيلي العراقي "طه عبد العال" خلال زيارته الأخيرة للقاهرة.
ـــ بداية حدثنا عن تجربتك الفنية ؟ والمعارض التي أقمتها ؟
* كان أول تطلعي للفن في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1994 حيث انبهاري بهذه المؤسسة الفنية العظيمة والأساتذة والفنانين والمعارض التي كانت لاتتوقف في صالة العرض التابعة للمعهد, والمنافسات بين الطلبة .
انبهاري ودهشتي شكل لي حافز أن أتوغل وأتعمق في دراسة الفن والتجريب حيث كان لا يسمح للطلبة ممارسة أو تصوير غير الفن الواقعي ودراسة البورتريه, ومن هنا احببت الفن الواقعي وتأثرت بمؤسسيه في العراق أمثال الفنان فائق حسن والفنان جواد سليم والفنان عبد القادر الرسام وغيرهم من الفنانين الذين كنت أري أعمالهم في مركز بغداد للفنون وتحديدا في المتحف الدائم وكنت أندهش كل مرة أزور فيها المركز؛ ومن هنا بدأ حبي للفن التشكيلي والتصوير الزيتي الواقعي العراقي تحديدا, ومن ثم تخرجت من المعهد في سنة 2003 وذهبت إلى كلية الفنون لأكمل دراستي الفنية .
في ظروف صعبة وأشبه أن تكون مستحيلة أتممت دراستي في كلية الفنون الجميلة بغداد, حيث التفجيرات والخطف ومضايقة الفنانين وقتلهم من قبل تنظيم القاعدة أنذاك. وفي هذه الفترة أيضا تعمقت في دراسة الفن والمدارس الفنية العالمية عن طريق الإنترنت الذي كان غير متوفر في عهد الحكومة السابقة حيث شاهدت الكثير من التجارب العربية والعالمية وتعدد الخامات في الحقل التشكيلي ومن هنا أصبح ميلي إلى المدارس الحديثة بشكل واضح.
وفي تجربتي في الوقت الحاضر تناولت الموضوعات التراثية مستلهما جماليات الموروث الشعبي من خلال توظيفه للأشكال الفنية وتسطيح الصورة والمفردات في الشكل العام, والتكوينات الفنية في اللوحة مستلهمة من حضارة العراق القديم فوجه المرأة في أعمالي مثلا يشبه إلى حد كبير الوجوه عن الآلهة السومرية بصورة شرقية .
شاركت في الكثير من المعارض الفنية المشتركة في العراق وخارجه من عام 1996 إلى الآن, أما المعارض الشخصية فأقمت ثلاثة معارض في مصر, الأول كان في جاليري جراند وسط البلد بعنوان (ترانيم عشتار) يحكي قصة المرأة في الوقت الحاضر وإظهار مكامن الجمال للمرأة الشرقية بأسلوب تعبيري, وقد افتتح المعرض الموسيقار العراقي عازف العود نصير شمة, ومعرضين في قاعة الكحيلة? ولي تحضيرات لافتتاح المعرض الثالث في بغداد.
ـــ إلي أي مدي تأثر عملك بأحداث المشهد العراقي منذ العام 2003 ؟
* كانت هذه الفترة عصيبة جدا على العراق بصورة عامة, وعلى الفنان خاصة حيث احتل العراق من قبل أميركا وأصبح في هذه الفترة منعطفات كثيرة حيث سرقت كل الأعمال الفنية لرواد الفن التشكيلي العراقي والمتاحف الفنية وأحرقت كل المؤسسات الفنية بسبب الانفلات الأمني آنذاك وبعدها التخلخل في بنية العراق والخراب الممنهج ثم احتلال العراق من قبل العصابات الإجرامية المسماة بداعش والتهجير وقتل كل من يتعارض مع أفكارها السوداوية.
أخذت على عاتقي أن أوثق هذه الأعمال الإجرامية حيث عملت مجموعة أعمال في سنة 2003 بأسم "كفى دماء" تحكي المشهد العراقي وما يمر به من قتل ودمار بطريقة حديثة أشبه بفن "البوب آرت" من مخلفات الحرب التي كانت متوفرة في العراق .
ثم عملت مجموعة ثانية من الأعمال بعد احتلال داعش لعدة محافظات في العراق بطريقة تعبيرية تحكي قصص النازحين وما مروا به من جوع وبرد في العراء حاولت أن أوثق في هذه الأعمال المشهد الحزين والمنعطف الخطير الذي يمر به البلد.
ــ يتهم الفن التشكيلي بأنه يسكن الأبراج العاجية بعيدا عن المجتمعات? لذا لا يلقي رواجا خاصة بين شعوب منطقتنا? إلا بين خاصة الخاصة. فلماذا هو بعيد? ولما تشتكون بأن لا جمهور له ؟
* يتهم الكثير من الناس أن الفن يسكن غرف عاجية? لكن ضرورة الفن ووجوده في شكل الأبنية والشوارع وطرق العيش , (الفن ضرورة) كما يقول أرنست فيشر .
فضرورة الفن في مجتمعاتنا العربية أنها تزيح الراسب من الأتربة والقيود على تلقي العمل الفني, صحيح أنه ليس بصورة كبيرة كما مثل الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي إلا أنه له الأثر في النخبة وعامة الجماهير.
ــ خبرنا عن قصة الموديل العاري? وهل عرفها العراق ؟ وهل تتقبل المجتمعات العربية عودة هذا الفن مرة أخري ؟
* لم يعرف العراق فن الموديل العاري بجامعات الفنون عند نشأتها وظهورها, وكان يستعاض عنه بتماثيل عارية من الجبس (تماثيل نحتية) في درس التشريح, للفن العاري رفض اجتماعي بسبب الراسب في عمق ووعي الجماهير ليس من الناحية الدينية فحسب وإنما الناحية العرفية ورفض المسؤولين القاطع لهذا الفن .
وكان يرسم الموديل العاري على مستوى شخصي لمجاميع من الطلبة بصورة خفية وشخصية وبدون علم السلطات.
ولا أعتقد أن الموديل العاري سوف يدرس بالمستقبل في كليات الفنون الجميلة في العراق والوطن العربي.
ــ كيف يكون للفنون التشكيلية دور في مقاومة التطرف? هنا أتحدث عن الدور العاجل ؟
* إن الفنان اليوم يقف بمواجهة التطرف والأحداث السياسية, ولايمكنه أن يقف موقف المتفرج بأن يكون له موقف جمالي وفكري وفلسفي, مرة بالذهاب نحو التراث والغرق في عالمه السحري وهذا ليس انهزام بقدر ماهو وسيلة دفاع بمواجهة العنف والتطرف, أو يكون فن ثوري يلتصق بالجماهير والمدينة والقضايا الكبرى وينسى وجوده وإرثه, الفنان عليه أن يقف في المنتصف وأن يكون حاضرا في جميع القضايا التي تهدد عالمه وأن يكون أقرب للمجتمع والجماهير بهذا سوف يحقق نتائج أكبر وتثقيف لمن حوله بضرورة الفن في حل المسائل العالقة.
ـــ أين تقع الحركة التشكيلية العراقية? على خارطة الفن التشكيلي عالميا وعربيا وبما تقيمها ؟
* الفنان العراقي حظى بفرصة كبيرة بهجرته إلى خارج البلد وحقق حضورا وانتشارا في الحقل التشكيلي والعمارة والتصميم? ونرى أسماء عراقيين لهم سطوتهم في عالم الفن أمثال المعمارية العراقية زها حديد والتشكيلي ضياء العزاوي والمصمم حسين حربة وغيرهم من الأسماء التي صنعت لنفسها مجدا وشهرة في المهجر .
أما بالنسبة لتقييم للحركة التشكيلية عالميا فأجدها بمستوى جيد وانتشار واسع في الوسط الفني الجمالي وبالتدريس في مؤسسات الفنية العالمية .
ـــ إلي أي مدي أثر ما تم استحداثه من وسائط تكنولوجية? كالفيديو آرت والأعمال المركبة? في الحركة الفنية في العراق وعليك خاصة ؟
* إن تأثير وسائط التقنيات الحديثة عميق على الفنان العراقي? تنوعت وتعددت الاشتغالات بالخروج من سطح العمل الفني نحو فضاء الفيديو آرت وتنوعت الخامات والتقنيات. وهناك الكثير من التشكيليين العراقيين لهم أعمال مهمة في هذا المجال أمثال وفاء بلال وعادل عابدين.
أما على المستوى الشخصي لم أدخل لهذا المجال ووسائط التكنلوجيا في العمل الفني, لأنني بصراحة أميل إلى الفنون التي تلامسها الأيدي وتظهر حرفة الفنان فيها, ولابأس ببعض الخامات الحديثة التي تدخل في اللوحة مثل الكولاج ومزاوجة النحت بالتصوير.
ـــ ما دور الفنان التشكيلي في مقاومة الإرهاب? تحديدا فيما يخص إعطاء الأجيال الجديدة مناعة ضد المتطرفين وأفكارهم ؟
* يجب على الفنان إعطاء مضمون انفعالي درامي يجسد بشاعة الإرهاب ويبعث النفور من المتطرفين وافكارهم الضيقة, وبث الوعي وروح التسامح والتعايش عن طريق لوحات للأطفال والأجيال الجديدة هي أشبه بالقصص تتناول هذه الموضوعات لإعطاء المناعة لهم من أن يكونوا عرضة للمخطط المتطرف الذي يجتاح المنطقة.
فبالرغم من استمرار الإرهاب والتطرف في حياة الإنسان على مر التاريخ إلا أننا نحن الفنانين أمام منافسة قاسية بين إجراءات الظلم وبين حالة الإبداع الرافضة له والكاشفة عن سوداويته للأجيال القادمة.
ـــ أقمت عدة معارض في مصر كيف تري جمهور الفن التشكيلي في مصر ؟
* جمهور الفن التشكيلي عريض وواسع في مصر? هذا ما لمسته في معارضي أو المعارض التي حضرتها في القاهرة, أرى حضور جيد في الافتتاح أو بعد يوم الافتتاح, ولكن للأسف أصبح اقتناء اللوحات أقل ولكن هذا ليس في مصر فحسب ولكن في كل العالم حيث أصبح المقتني أقل حضورا في صالات العرض بسبب الظروف السياسية التي تجتاح المنطقة والسبب الثاني الغلاء المعيشي .
ما دور الفن في التصدي للقبح البصري الذي اعتدنا عليه? وكيف يمكن استغلاله في نشر الثقافة البصرية بشكل عام ؟
* القبح توسع في جميع الفنون التشكيلي منها أو غير التشكيلي مثل المسرح والسينما والموسيقى وغيرها وذلك بسبب القائمين عليها والممولين? والسبب الآخر هو إرضاء عامة الجماهير بفن هابط ليس له قضية يعالجها .
وبالرغم من كل هذا نجد فن نخبوي يعالج قضايا ويتصدى لمشاكل يصعب حلها? والفنان في الوطن العربي أخذ على عاتقه التصدي لهذا القبح الممنهج تارة بإنتاج فن يرتقي بالمجتمع وتارة أخرى بتوعية الجمهور بمخاطر الفن الهابط عن طريق الندوات التثقيفية والانفتاح على الفنون الناضجة وتسليط الضوء عليها ومحاربة مروجي الفن الذي لا يرتقي بالإنسان.
ــ ماذا تمثل لك المرأة في منتجك الفني ؟ وهل يساهم الفن في استعادة مكانتها كأيام عشتار ؟
* المرأة هي البيت أو ربما الملجأ الذي يحتضنني? وهي الزيتونة الحاضرة دائما في أعمالي. ملهمتي وزهرتي ووطني والعنصر الأساس في العمل التشكيلي.
وفي موروث العراق التأريخي القديم كان لها الحضور الكبير في الأعمال الفنية, تناولتها في لوحاتي كموضوع رئيسي وحاولت إظهار مكامن الجمال بعيدا عن الابتذال بألوان زاهية وأحيانا يظهر طابع الزخرفة على ملامحها وثيابها دليل على الارتقاء وكمال أنوثتها .
ــ في رأيك لماذا تحول السواد الأعظم من أبناء حضارتي النيل والفرات? تجاه العداء للفن خاصة النحت? رغم غنى الحضارتين وثرائهما في هذا الفن? والذي تشهد عليه آثاره حتى الآن ؟
* إن النفور من فن النحت وعدم اقتناء الأعمال بسبب ضيق الإمكانية وبالإضافة إلى أن الإنسان اليوم مرتحل باستمرار لا يحتاج إلى أشياء لها وزن ثقيل فيميل ويرغب إلى صور رقمية بلا وزن.
ومن جانب آخر أصبح الإنسان يعيش في زماكن ضيقة وغرف صغيرة في بيوت لا يستطيع وضع عمل نحتي في هذه الأماكن لأن هذه الأعمال تحتاج إلى مساحة? فأكتفى بمشاهدة هذه الأعمال في المتاحف ومواقع الإنترنت.