القاهرة 11 سبتمبر 2018 الساعة 09:31 ص
كتبت شيماء عبد الناصر
بدون موسيقى تصويرية، بأبسط أدوات العمل التي تجعلك للوهلة الأولى تعرف أن الفيلم تسجيلي. انداح عبر شاشة السينما شريط الفيلم السينمائي الكنغو الديمقراطي "ماما كولونيل". ضمن فعاليات نادي السينما الأفريقية بسينما الهناجر الذي يعود عارضًا الأفلام الفائزة في مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية كل أول سبت من كل شهر. تمام الساعة الثامنة مساء. (حاصل على جائزة أفضل فيلم تسجيلي في الدورة السابعة للمهرجان مارس 2018)
توقعاتي كانت أني سأشاهد فيلمًا مميزًا كما اعتادت السينما الأفريقية أن تكون مميزة وجميلة وملهمة. وقد شارك الفيلم في العديد من المهرجانات الدولية وفاز بعدة جوائز دولية منها جائزتين من مهرجان برلين. وجائزة زيف لأفضل فيلم وثائقي من مهرجان زنجبار الدولي مما يؤهله لأن يضع توقعاتي في مستوى عالٍ.
ماذا أقول عن الفيلم، عن أحداثه، عن كم القضايا التي عرضها بمنتهى البساطة والتلقائية، وطاقم العمل هي حالة طبيعية وحقيقية. من أول بطلة الفيلم العقيدة " أونورين" التي تعمل بجهاز الشرطة الكنغولية وترأس وحدة الدفاع المدني عن القصر ومكافحة العنف الجنسي والتي عملت لمدة خمشة عشر عامًا في مدينة بوكافو بشرق جمهورية الكنغو الديمقراطية. وصولا لمن ظهر في طريق رحلتها الوظيفية من بوكافو إلى مدينة كيسانجاني من نساء وأطفال. ضحايا العنف الأسري والاغتصاب والحروب أيضًا.
من يشاهد الفيلم سوف يخرج منه وهو محبًا لتلك ال" ماما كولونيل" متمنيًا أن تكون شخصية حقيقية، تلك التي تعمل بضمير في بلد يعاني من ظروف اقتصادية سيئة ومن معاناة مستمرة نتيجة للتخريب المتعمد من الاستعمار ونهب ثروات هذه البلد الغنية. وتركها تعيش تحت نير الجهل والمرض والسحر والشعوذة والمستوى المتردي للحياة في جميع نواحيها.
لنتخيل أنها بالفعل شخصية حقيقية لأن الكاتب المبدع الذي رسم هذه الشخصية أبى إلا أن يجعلنا نصدقها، والمخرج المبدع صمم أن يجعلها حقيقية. فمعرفة أن تلك هي مجرد شخصية روائية سيصيب الشخص بالكثير من الإحباط لكن العكس يبعث في نفسه أمل كبير. هو ذلك الأمل الذي تضخه أحداث الفيلم بمنتهى السهولة أثناء الأحداث المأسوية التي تدور فيه.
يبدأ الفيلم باستقبال حافل من النسوة في مدينة بوكافو للعقيد أونورين المسئولة عن حمايتهن وأخذ حقوقهن من أي من توسل له نفسه التعرض بالأذى لأي أنثى أو طفل، المغتصبون للنسوة والأطفال، الآباء الذين يعاملون أولادهم بعنف وغير ذلك من الحالات. لكن تخبرهم بكل أسف أنها تم نقلها من قبل الحكومة إلى مدينة كيسانجاني وهنا تبدأ رحلة جديدة في مواجهة تحديات مختلفة تمامًا.
يستعرض الفيلم حالة الإهمال في مصابي الحرب من نسوة مغتصبات تم انتهاك عرض بعضهن أمام الزوج وتم قتل الأولاد والزوج بعد الاغتصاب للبعض الآخر، حالات عنف ضد الأطفال من أولياء الأمور أو حتى اتهامهم بممارسة السحر والشعوذة وأنهم يخاطبون العالم الآخر.
تبدأ رحلة ماما كولونيل في معالجة كل هذه الأوضاع السيئة بمحاولة البحث عن حلول وعدم الخضوع للأمر الواقع وهو ضعف إمكانات الحكومة فتبدأ بجمع تبرعات ولو قليلة من الأهالي لمساعدة النساء والأطفال.
تنجح في عمل حياة سوية للجميع بأن وضعت الأطفال في رعاية النساء ضحايا الحرب وهن أنفسهن تم معاجلتهن في مخيم بأبسط الإمكانات لكن تم مساعدتهن في تجاوز أزمتهن. كونت حياة جديدة مليئة من البهجة بعد أن كانوا يعانون عذابات رهيبة من بعد الاغتصاب للنسوة والفقد للأزواج والأولاد. ومن التعذيب والمعاناة لأطفال صغار يتهمهم أهاليهم بممارسة السحر ومخاطبة العالم الآخر.
واستمرارًا لمسيرة الأمل ينتهي الفيلم بمتبرعات يأتين لمقابلة الماما كولونيل ليس لعرض قضية تؤرق حياتهن ولكن للتبرع ومساعدة هذه المرأة الناجحة وبعد أن شاهدوا أعمالها العظيمة في مدينتهن. نهاية جميلة لفيلم جميل. لن تمل لحظة أثناء مشاهدة، ينقلك عبر طبقات من الأحداث المتماوجة والصدمات التي تشبه طرقًا خفيفًا للقلب.
لم يكن غرض الفيلم التباكي والحزن واستدرار الدموع ولكن بكل بساطة هو يعرض بصدق جزء من واقع الحياة في الكنغو الديمقراطية البلد الأفريقي الشقيق. عرض واقعي وصارم ومحب. محب لهذا البلد ولتلك المدينة "كيسانجاني" وهي مسقط رأس مخرج الفيلم ديودو حمادي. ربما ذلك الذي يجعل من الفيلم نقلا صادقًا بدرجة كبيرة وبعمق شديد للواقع.
في انتظار باقي أفلام نادي السينما الأفريقية بسينما الهناجر ومزيد من المعرفة والاقتراب من القارة الأفريقية ودولها الشقيقة. وأيضًا في انتظار مزيد من الأعمال الجيدة التي لولا قوتها لم تكن لتحصد جائزة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية.