القاهرة 10 سبتمبر 2018 الساعة 12:54 م
كتب: وائل سعيد
وائل فاروق، ناقد مصري مُقيم بإيطاليا ويعمل أستاذ اللأدب العربي في الجامعة الكاثوليكية بميلانو، وهو واحد من أميز الأصوات النقدية منذ تخرجه في التسعينيات، ساهم التدريس الجامعي وبعده عن الوسط الثقافي المصري في حرمان الحركة النقدية من رؤية مختلفة ومسايرة للواقع الحديث وقد لمست تجربته النقدية منذ بدايتها عن قرب، لكنه من آن لأخر يستجيب لنداء النقد في الصحف والمجلات بالإضافة الي الأبحاث النقدية واللقاءات الفكرية.
لهذا، فقد استغل الكاتب الصحفي سيد محمود وجود فاروق بالقاهرة -هذه الأيام- واستضافة بصالون "قنديل أم هاشم" المنعقد مؤخرا ببيت السناري للعلوم والفنون بالسيدة زينب، لإلقاء محاضرة تحت عنوان "الرواية العربية المعاصرة.. أسئلة الوجود"، في حضور عدد كبير من النقاد والكتاب وعلى رأسهم شيخ النقاد المعاصرين د.
صلاح فضل، بالإضافة إلى وفد من طالبات الجامعة الكاثوليكية الإيطاليات.
يدور النقاش حول دور الرواية في إنتاج "المعنى" في عالم يخلو من المعنى نفسه بسبب سيطرة ثقافة الاستهلاك وشيوع أدواتها ووسائطها، مُتخذا من الروايات المعاصرة نماذج للتدليل على ما فعلته الرواية الحديثة في هذا الشأن، والبحث عن أدواتها الجديدة وجماليتها والأسئلة التي تطرحها في ظل غياب ما يطلق عليه الحكايات الكبرى.
وفي هذا الشأن، سنجد أن لمصطلح "ما بعد الحداثة" دور كبير في مسرح أحداث الرواية المعاصرة والكتابة الما بعد حداثية في العموم. حيث التجديد والمغايرة والاختلاف سمات الأدوات الفنية الجديدة. فيما يرى د. وائل فاروق أن أيديولوجية الحداثة تعتمد على القطيعة من المستقبل وليس الماضي..
الأمر الذي يُحيلنا إلى فكرة الحكاية الصغرى والحكاية الكبرى والعلاقة الجديدة بينهما والتي أشار فاروق إلى ارتباط تغيراتها بالمرحلة الحالية التي تمر بها كل المجتمعات الحديثة المنهكة اقتصاديا وسياسيا على مستوى العالم وليس على مستوى مصر فقط أو العالم العربي.
وبالعودة مرة أخرى لما بعد الحداثة نجد أن منهجية السيولة تسيطر على عوالمها؛ وقد تحدى الباحث الجميع في إيجاد توصيف دقيق لمنهج ما بعد الحداثة، حيث مكث لسنوات يبحث في تفسيرها عبر ثلاث لغات ولم يصل لتعريف كامل، طالما المنهجية قائمة على السيولة فكيف يمكن تحجيم ذلك في توصيف محدد.
الا أن ذلك لا يمنع من وجود "شيء من قبيل التفسير" لهذا المنهج، يتلخص في أن ما بعد الحداثة هي محاولة لوصف الإنسانية بوصف حكاية كل فرد منفصلة على حدة، ومن هنا جاءت الجدلية والصراع بين الحكاية الصغرى، الفردية، التجريبية.. وبين الحكاية الكبرى المُفسرة للعالم، والتي بطبعها ستكون متجددة ومتغيرة طوال الوقت على مستوى الأيديولوجيات وحتى على مستوى النظريات العلمية.
على جانب آخر من أسئلة الوجود للرواية المعاصرة تطرق وائل إلى ما أسماه "بالإخصاء النقدي" المصاحب للعملية النقدية الحديثة. مُشيرا إلى عدة أسباب كانت وراء هذا الاخصاء، بداية من الاستسهال في استخدام المناهج بوجهات نظر غير متجددة، وهيمنة أيديولوجية المجتمع الاستهلاكي في إقصاء الحكاية والتنصل منها؛ لم يعد هناك دور جمالي للحكاية فيكون "حكم القيمة" جريمة تطارد الناقد!
وهنا يتساءل فاروق: لماذا من العار أن يكون لدينا حكم قيمة في الفن أو الإبداع والثقافة، ونحن نمارس هذا الحكم القيمي على كل السلع الاستهلاكية من حولنا خلال الممارسة اليومية. ويضف وائل، أن ذلك لن يحدث إلا حين نمتلك أدواتنا، لتفادي الضياع المستمر للخبرة الإنسانية في العصر الراهن. حين فقد الوعي الجمعي القدرة على تسمية الأشياء ومن ثم الحكم القيمي والجمالي، والسبب في ذلك هو فقد القدرة على حكي الحكاية الإنسانية.
أما على مستوى الجانب التطبيقي للمحاضرة، لجأ الباحث لعدة نماذج روائية لجيلي التسعينيات وما بعدها مثل: نورا أمين، مي التلمساني، ياسر عبد اللطيف، حسن عبد الموجود، عمادة فؤاد، محمد عبد النبي، طارق امام، بالإضافة لمنتصر القفاش من جيل سابق..
ووجد أن الرواية الجديدة حققت السياق الجمالي من خلال عدة سمات مشتركة: بداية من انطلاقها من التركيز على كل ما هو إنساني، وشيوع التشظي الواقعي للعوالم السردية، كما انشطرت هذه العوالم في حالات كثيرة بين عالمين؛ وليس الانشطار هنا بين الواقعي والخيالي.. إنما هو انشطار بين الواقع والواقع.
ومن جانبه، صرح د. صلاح فضل بأن الابداع العربي الذي يتناول مصطلح ما بعد الحداثة لا يتعد نسبة 10% من المطروح على مستوى الوطن العربي، وذلك في تعقيبه على طرح وائل فاروق لسيولة المصطلح والتفرقة بين مستويين المعلومات والمعرفة.
كما أكدت د. نجاة علي على التراجع الذي تعاني منه المدرسة الأكاديمية النقدية حاليا، مُضيفة بأنه لا يوجد على الساحة الآن سوى المراجعات الصحفية المُقدمة على أنها نقد.
في حين اختتم وائل فاروق حديثه بالتأكيد على أن: الشعب الذي يمتلك واقعه هو الشعب القادر على إنتاج اساطيره وحكاياته ومن ثم حضارته في مواجهة عالم يمتلئ بكل هذا القبح، لكنه في نفس الوقت لا يخلو من الجمال!