القاهرة 05 سبتمبر 2018 الساعة 01:07 ص
د. هويدا صالح
إن الإنسان حين يكون واعيا هو قيمة مضافة لأي مجتمع، بل ثورة يجب الحفاظ عليها واستثمارها، ومثلما تستثمر الأمم في الحجر والأرض، تستثمر كذلك في البشر، لأنهم أحد أهم العناصر الأساسية في العملية الإنتاجية، بل إن استراتيجيات تنمية الموارد البشرية في الدول المتقدمة على حد سواء تضع الاستثمار في الإنسان جنبا إلى جنب مع الاستثمار في رأس المال.
وهناك ارتباط قوي بين مستوى النمو الاقتصادي في اى مجتمع ومستوى التعليم والتدريب باعتبار أن الإنسان المفكر والمبدع هو الذي يقود حركة المجتمع ويستثمر ما هو متاح من موارد تنمية هذا المجتمع ويطوره.
وقد وضعت الأمم المتحدة عام 2015 خطة أممية تسعى إلى أن تصل إلى معدلات تنمية عالية في كل بلدان العالم حتى نصل إلى العام 2030، ليتم القضاء تماما على الفقر. وقد تبنت مصر خطة الأمم المتحدة وبدأت وزارة التخطيط المصرية بالتعاون مع وزارات الدولة المختلفة في تبني هذه الرؤية الأممية، وقد حولتها إلى استراتيجية للتنمية المستدامة في جميع مجالات الاقتصاد والاجتماع والثقافة والفنون، لكن ما لم تفعله وزارة التخطيط أن تقيم حوارا مجتمعيا حول هذه الرؤية مع المفكرين والمثقفين والمتخصصين في هذه المجالات مختلفة، لترى إن كانت هذه الرؤية قابلة للتطبيق على أرض الواقع مما يتناسب مع ظروف وسياقات المجتمع المصري، وأن تكون هذه الأهداف قابلة للتنفيذ، بل وقابلة للقياس والتقييم.
و من أهم ما يمكن التفكير فيه هنا كان الاتجاه هو الاعتناء بالشباب الذين هم قلب هذه الأمة النابض، ووضع خطط لتطوير أدائهم، وتنمية مهاراتهم، والاعتناء بتطوير وعيهم تجاه العالم وتجاه قضايا الأمة من خلال تطوير برامج التدريب، تدريب هؤلاء الشباب من أجل إعدادهم كقادة للمستقبل، لزيادة فاعلية تلك البرامج التدريبية يمكن أن تحقق التنمية المستدامة في رعاية الشباب، بما يتواكب مع متطلبات التنمية في ضوء المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية التي يمر بها المجتمع وهذا يتطلب إعادة النظر في فلسفة وآليات التدريب وإعداد القادة خاصة.
والحركة الطلابية طوال تاريخها كانت المعبر عن ضمير هذه الأمة من خلال وعي شبابها بقضايا وطنهم.
كان اتحاد طلاب الجامعات والمدارس المصرية هم المحرك الحقيقي للمشهد السياسي من خلال التظاهرات والاحتجاجات الطلابية ومساءلة الساسة ، بل وصل الأمر بالساسة في فترات من حكم مصر، وأثناء العهد الملكي أن فتح كبرى عباس والطلاب يمرون فوقه متجهون إلى الميدان للاحتجاج على وجود الإنجليز في مصر، وفي عهد ثورة 1952 حاول النظام استيعاب الحركات الطلابية ضمن تنظيم شبابي منبسق عن الاتحاد الاشتراكي، وفي عهد السادات كان طلاب الجامعات هو الضاغط الأساسي على النظام من أجل خوض الحرب ضد الكيان الصهيوني الذي احتل جزء عزيز من الوطن بعد هزيمة 1967. صحيح في عهد نظام مبارك تقلص دور الاتحاد الطلابي، وتم استيعابهم وتدجين تحركاتهم السياسية، لكن دورهم ظهر جليا في ثورة 25 يناير 2011، حيث شارك طلاب الجامعات في الثورة منذ بدايتها، بل كان لهم السبق في هذا الخروج للميادين، وكذلك الأمر في ثورة 30 يونيه، حيث شارك الشباب في هذه التحركات ضد نظام الإخوان الذي أراد اختطاف الدولة المصرية لصالح أفكار لا تتناسب وقيم هذه الدولة العريقة في التاريخ.
والآن ماذا يمكن أن تقدمه خطط التنمية المستدامة التي تعلن عنها الدولة لهؤلاء الطلاب؟ هل يمكن أن تسهم مراكز إعداد القادة أن تجهز هؤلاء الطلاب ليكونوا القادة المستقبليين لهذا الوطن؟ هل يوفر المدربون والقادة لهؤلاء الشباب المعارف اللازمة لإكسابهم مهارات تساعدهم أن يكونوا جديرين بمستقبل هذا الوطن؟ هل هذه الخطط قادرة على تشكيل فكر وسلوك الشباب شركاء الحاضر وأصحاب المستقبل؟.
ولكي يحدث ذلك، وتتم الإجابة على هذه الأسئلة أتصور أنه يجب الاهتمام بالعمل الطلابي والتكريس لمفهوم الوحدة الوطنية بينهم، لا فرق بين أي من المكونات الثقافية للوطن، فالجميع مصريون طالما لم يخرجوا عن قيم وثوابت الدولة الوطنية المصرية؟ كما يجب الاهتمام بدعم وتسهيل الحركة الطلابية من قبل الجامعة نحو تشجيع طلبة الجامعة على المشاركة السياسية الإيجابية، والسماح للانتخابات لتشكيل الجسم الطلابي الذي يمثل الطلبة في كافة جامعات الدولة المصرية، والتزام الموضوعية في الأنشطة والفعاليات الطلابية والسماح للطلبة بقدر كاف من الحرية والموضوعية بعيداً عن التأثيرات والتجاذبات السياسية. تنويع أساليب الأنشطة والفعاليات والبرامج الطلابية ومنها اللقاءات التي تؤكد على نبذ الانقسام، وتثبيت ثقافة وطنية تتميز بالمرونة والتعددية شكلاً ومضموناً، تعنى بالمصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام المجتمعي.