القاهرة 04 سبتمبر 2018 الساعة 09:44 ص
محمد غباشي
اعتقدت أني من الكائنات الليلية قبل أن ألج هذا المشفى الذي يخضع
( بضم الياء ) قاطنيه من أمثالي لنظام النوم الليلي
ولم يطل الأمر كثيرا حين أكتشفت أن مريضا غيري يشاركني السهر لم أتعرف عليه من قبل بل لم أكلف نفسي مشقه فضولها للسؤال عما به
............حتي جاءت ليلة لم يجد النوم لعيني طريق فخرجت من غرفتي أحاول قطع الكارادور مرارا بين غرف نزلاء المشفي حتي وصلت لنهايته ... لفت نظري خلو السرير الخاص بصديقنا... تري أين أختفي ...لا أحد يعلم .... ولم يعلل أحد سبب اختفاءه ...لمحت بنفس الوقت بابا جانبيا
لم أتكهن وقتها إلى أين يؤدي أو فيما يستخدم حتى ظهر منه ....المريض الذي تعودت على رؤيته ليلا
كيف الحال ؟
هكذا قال
أجبته بابتسامة شاحبة ورنوت إلى الفتحة التي خرج منها فبادرني بسؤال وبلغة لم أفهمها إن كنت أريد التجربة ... لم ينتظر جوابي على سؤاله بل سارع نحو الفتحة التي جاء منها معلنا انعتاقه من ربقة العنبر الطبي مشيرا أن ألحق به ... ترددت قليلا
ومن ثم اندلفت خارجا من نفس الفتحة التي خرج منها
ضحكت من نفسي وأنا أتبع صديقي الذي قادني بكل خفة وحذر خارج أسوار المشفي
لنصل إلى جلسة جميلة تلفها الطبيعة وتشرف عليها السماء
الله .. قلتها في نفسي متأملا المكان ....
أفقت من شرودي على لكزة منه ودعوتي للجلوس على إحدى المقاعد البسيطة وسؤالي إن كنت أريد شايا ؟؟؟ شاي؟؟ لم أنتبه وأنا ألفظها بغرابة
طمأنني بإجابته الودودة شاي.. كوفي.. عصير ..كولا...... دخان إن أردت
اكتفيت بطلب الشاي وأنا أتامل ما حولي
شربنا الشاي والماء وتحادثنا قليلا باللغة غير المشتركة حتي بدأ ضوء النهار يبزغ معلنا عن نشاط جديد ليوم جديد فعدنا والعود.....أحمد...
وأحمد هو اسم الممرض الشاب الذي عاد من عطلته ليباشر عمله بزيارتي الصباحية الروتينية
جاءت غيمة المساء الهادئة ترفل في تؤدة ومهل سلحفائي فما كان مني إلا أن غادرت سريري وانسلخت خارجا مارا بالمنطقة التي يقبع بها صاحبي المريض الآسيوي ملاحظا غيابه فعللت السبب أنه سبقني لنفس المكان الذي دلني عليه بالأمس
سحبت جسدي متوجها لنفس الفتحة التي مررنا بها بالسابق فاكتشفت لتوي أنه لا فتحة ولا مخرج
ساعدني تلاحق الأسئلة برأسي أن أطلب من المناوبين وقتها الخروج من العنبر لاستنشاق بعض الهواء المنعش بالخارج متحايلا بمعرفتي المتواضعة بدهاليز ودروب المشفي المتفرقة يمينا ويسارا محاولا الوصول إلى نفس المكان الذي التقيت فيه صديقي البارحة عسي أن أجد إجابات شافية عن أسئلة عديدة تدور بذهني المتعب.. ...نعم من هنا كان الدرب .........هو نفس المكان .. نفس الملامح الجغرافية ... ولكن.... وقفت لدهشتي متسمرا.... أين السقيفة التي كانت بالأمس ... وأين الكراسي المنبسطة على الأرض
والأهم ......أين الناس .. أين عالم الليل ........لا أحد ... لا صوت ... لا شيء .. مجرد فراغ ...
ما أن دلف إلى غرفتي.. ذاك الممرض أحمد وبادرني بالسؤال التقليدي كيف الحال ؟
حتى بادرته بالسؤال عن صديقنا الآسيوي وعن ....
لم أنتبه إلى لفظة كلمة..... الله يرحمه.... التي رددها ضمن شرحه المقتضب
لم أستوعب ما قال وما ردد.... لم أفهم ... كيف ولماذا ولم ؟؟؟
حتى بعد شرحه لي بأن صديقي الآسيوي كما أسميته كان مريضا بسرطان المعدة الحاد والذي لم تسعفه أية أدوية ولا وصفات ولا ... فوضعوه بشكل مؤقت في نهاية الكاردور... في نهايه الغرف ....في نهاية الطريق ...حتى يتم تجهيز مكان مناسب له ولعدة أيام أخيرة في حياته .. لا سيما بعد تخلي أقرباءه عنه وصاحب عمله وأصدقاؤه ... فأودعوه هذا المكان بالمشفي وتركوه لمصيره
لم يستوعب عقلي
ما قدرية أن ألتقي بهذا الشخص قبل سويعات من موته وما معناه .....
أسئلة عديدة دارت بمخيلتي أخذتني بعيدا عن واقعي فلم أنتبه لانسحاب الممرض من غرفتي تاركا لي المسائلة والبحث والتفكير
يا الله.... ما أتفه الحياة حين تمر بك سريعا
وما أسرع الموت كطرفة عين
لم أفق من تساؤلاتي العديدة إلا على صوت الطبيب المختص وبصحبته الطاقم الطبي اللازم لنوبته المرورية المعتادة والمصحوبة دائما بابتسامة لطيفة وهو يقول لي :
كيف الحال ؟؟