القاهرة 30 اغسطس 2018 الساعة 05:26 م
د.هويدا صالح
أسباب العنف في المجتمع المصري!
بات العنف في الشارع المصري ظاهرة تدعو علماء الاجتماع إلى قراءتها وتحليلها، والكشف عن السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أدت إلى كل هذا العنف، ليس فقط العنف اللفظي، بل العنف الجسدي، فالأم تتخلص من أبنائها، والأب يقتل ابنه؛ لأنه سرق من القليل من المال، والجار يطلق على جاره النار؛ لأنهما اختلفا فقط في توزيع حصة المياه، لري الأرض، كل يوم تطالعنا الأخبار بما يدعو إلى التساؤل عن سر هذا العنف المستشري في المجتمع.
يُرجِع بعض المحللين ذلك الوضع المأساوي المستشري في المجتمع إلى الحالة الاقتصادية المتردية، وتعويم الجنيه في مقابل الدولار وارتفاع الأسعار؛ مما أدّى إلى حالة من الرفض لكل شيء، وغياب التسامح والعلاقات الطيبة، لكن المجتمع المصري متعود على الأزمات الاقتصادية الطاحنة، فلا نذكر عبر التاريخ الاجتماعي البعيد أو القريب أن المجتمع المصري تحوّل مثل هذا التحول الغريب في السلوك اليومي لأفراده، حتى أنهم باتوا يمارسون العنف المستمر ضد بعضهم البعض نتيجة لحالة اقتصادية متردية، بل على العكس، التاريخ الرسمي والاجتماعي يخبرنا أن المصريين يلتفون حول بعضهم البعض في الأزمات، بل أن علماء الاجتماع يحصون فترات من التاريخ المصري كان الناس يتوقفون فيها عن كل ممارسة ضد سلم القيم، حتى أن المجرمين واللصوص يتوقفون عن ممارسة الإجرام والسرقة ربما خجلا من أنفسهم والبلاد تمر بفترات عصيبة، ومراكز الإحصاء تخبرنا أنه وفي أثناء الحرب العظيمة التي خاضها الجيش المصري من أجل استرداد الكرامة، حرب الانتصار الكبرى عام 1973 لم تسجل أقسام الشرطة أي حالة عنف أو سرقة واحدة!
ويُرجع بعض المحللين تلك الحالة من العنف والقسوة التي انتابت المجتمع المصري أنها نتيجة طبيعية لما بعد ثورتين، فالشعوب بعد الثورات تتمرد على كل شئ حتى على القيم والأعراف والقوانين التي تحكم المجتمع في حالات استقراره، وأن ثورتي 25 يناير و30 يوليو بمثابة شرارة إطلاق كل ما هو مكبوت داخل الشعب المصري، بعد طول كبت وقهر مارسته الدولة المباركية البوليسية طوال 30 عاما حكم فيها مبارك وحاشيته مصر، مما جعل الناس تفهم الحرية بشكل خاطئ، فصارت الحرية انفلاتا، ليس انفلاتا أمنيا فقط، بل انفلاتا من كل القيم والمعايير التي تحكم حياتنا الاجتماعية، مما أدّى إلى مزيد من العنف والقسوة بين الناس.
وقد يكون كل ما فات من أسباب صحيحة تماما، لكن يُضَاف إليها أسباب أخرى ومن أهم هذه الأسباب الإعلام والدراما السينمائية والتلفزيونية والخطاب الذي تسربه هذه القنوات الخطيرة للمجتمع.
تعالوا نتخيل معا ماذا لو أن لدينا أعلام واع يعي حجم المسؤولية المجتمعية التي تقع على عاتق رجاله، ماذا لو أدرك الإعلاميون أنهم يُسيّدون خطابات بعينها سواء بوعي أو بجهل، هل يدرك الإعلاميون خطورة خطابهم؟!
هل يدركون أنهم يساعدون على انتشار خطابات بعينها بين الناس، وأن الناس تتبع بدون وعي ما يدور على الشاشات المرئية والموجات المسموعة والصفحات المقروءة؟ لو أدركوا خطورة الكلمة، لأخضعوها لمقاييس القيم والقوانين والأعراف قبل أن ينطقوا بها أو يكتبوها.
لا حرية مطلقة للإعلام في العالم. الإعلام في كل العالم له سقف وخطوط حمراء يجب ألا تتعارض مع الأمن القومي والأمن الاجتماعي للوطن. أما الإعلاميون لدينا فقد فهموا هم أيضا الحرية بشكل خاطئ، وصارت الحرية انفلاتا إعلاميا غير مقيد بمعايير وقيم العمل الإعلامي؛ مما أدّى إلى مزيد من التحلل المجتمعي للقيم والانهيار الاجتماعي لهذه القيم.
أما الدراما بتنوعها: سينمائية وتلفزيونية وإذاعية، فتأثيرها أشد خطرا من المخاطر السابقة، لماذا تُعدُّ الدراما أشد خطرا من الأسباب السابقة؟ لأنها تغلف خطاباتها بغلاف الفن الجميل المحبب للنفس والذي يتسلل للنفس وللاوعي دون معاناة، فالمشهد العنيف على شاشة فضية براقة يسلب الألباب، ويجعل الناس بدون وعي تتبنى هذا العنف وتلك القسوة وعدم التسامح والعنصرية والإقصاء والتهميش للآخر المختلف، سواء كان هذا الآخر مختلفا في الجنس أو الدين أو العرق.
إن ما يحدثه فيلم من عنف وتمزيق للقيم وانهيار للمجتمع للمثل مثل محمد رمضان أو منتج مثل السبكي يفوق ما يمكن أن تحدثه الظروف الاقتصادية السيئة لسنوات.
لذا لكي يتعافى المجتمع من كل هذا العنف وكل تلك القسوة علينا أن نشعر جميعا، حكومة وشعب، إعلاميون وفنانون ورجال أعمال إلى أهمية أن نقاوم جميعا ما يحدث للمجتمع من تحلل. علينا جميعا أن نشعر بالخطر، فالإعلامي مثل رجل الشارع مثل الفنان، له ابنة تمرّ في الشارع العنيف، وتركب المواصلات العنيفة، وتتعامل مع مجتمع عنيف.
هل آن الأوان لدق جرس الإنذار؛ لأن نتعاون جميعا في مقاومة هذا القبح وذلك العنف الذي يحيطنا من كل جانب، يلازمنا في كل خطوة من خطواتنا؟!.