القاهرة 28 اغسطس 2018 الساعة 11:45 ص
حوار : أحمد مصطفى الغـر
شاعرة مصرية ذات لونِ مميز، جمعت بين حروف كلماتها قطوفاً من الحلم والجرأة والتمرد والجمع بين النقائض، وبالرغم من أنها قد درست في مجالات بعيدة عن الأدب، حيث حصلت على بكالوريوس علوم الحاسبات والإحصاء عام 1993، وعملت لعدة سنوات معيدة بأقسام الحاسب الآلي بالمملكة العربية السعودية، إلا أنها بالشعر استطاعت أن تعبر عن مشاعرها وأحلامها وأفكارها بمقدرة فريدة. لها ديوانان (ضفائر روح) الصادر عن دار الأدهم 2015، و(أشاكس الأفق بكمنجة) عن دار العين 2017، وديوانها الثالث تحت الطبع، إنها الشاعرة "ديمة محمود" التي التقتها "مجلة مصر المحروسة" وكان لنا معها هذا الحوار:
في البداية.. هل لنا أن نعود معك للوراء قليلاً لتحدثينا عن انتقالك من علوم الحاسوب إلى عالم القصائد وجواهر الأحرف؟
صحيح أنني درست علوم الحاسبات والإحصاء وعملت أكاديميا في نفس المجال، لكنني ظللت معلقة باللغة ورغم انقطاعي سنوات كثيرة عن الكتابة، لكنني عدت بشغف الضائع إلى بيته, اللغة بيتي وأنا الشجرة التي تثمر قصائد. الرياضيات والبرمجة ربما تواءمت مع طريقة تفكيري في التخطيط وإدارة شئون الحياة أحياناً, لكنها بصراحة كفعل لم تتماشى مع روحي، فروحي كانت أقرب للغة منذ طفولتي, وأذكر هنا أنني كنت مشاكسة في حصص اللغة العربية وكان هذا يستقبل بمحبة غالباً فمهارتي لم تكن لتخفى على أحد, لكن قد يشوب ذلك بعض الحذر فقط حينما يتأكد أن وجودي في الفصل يشكل ورطة. وعموماً فقد اتضحت قدرتي اللغوية في المرحلة الإعدادية ليس في النحو والصرف فقط وإنما في كتابة موضوعات التعبير التي أندم حقاً أنني لم أحتفظ بأي شيء منها, لكن لأن الأمر كان أسبق من هذا بكثير فإن أول ما يمكن اعتباره محاولة شعرية كان إهداءً لأمي وأنا في سنواتي العشر واسمه (كرة الضياء).
كيف تولد القصيدة عند "ديمة محمود"؟
النص ابن الحالة أحياناً، ووليد الصدفة والعدم أحياناً كثيرة؛ فالنص قد تفرزه سكين تقطع روحك أو أصابعك، أو منجلٌ يقلم الأشجار ويجز العشب، أو تنكشه إبرة ترتق ندوباً لتلدَ ندوباً أخرى, وقد يأتي من ماء يسيل بشدة أو برقة فيحفر مجراه بلا اكتراث، أو من هواء يتسلل مندفعاً من كوة متروكة بلا إغلاق، أو من جذع ارتطم بشدة دون أن ينتبه له أحد، أو من سقف مفتوح فوق هواجسك، أومن دمٍ متخثر أو حديد صدئ أو حائط متكلس أو من عجين مختمر سقط من العابرين أو حتى من فالس في شارع جانبي.
النقاد والشاعر "عبدالله السمطي" قال أنك تهتمين بتأسيس عالمك الجمالي عبر الوعي وعبر الغياب ومكابدة البعد الروحي الصوفي أحيانا، ونحن في حضرة صاحبة الشعر الآن: ما هى الأبعاد التي تحملها قصائدك؟ وما الذي تريدين إيصاله للقارئ من خلال أشعارك؟
أنا أؤمن أن الشعر ينبغي أن يكون فناً كونياً ولو تأثر أو تناول الواقع, فالنص بالنسبة لي مثل أسماك ألقيها في البحر وقد تلتقطها سنارة لمن لا أعرفهم ولهم الحرية في التلذذ بها أو النفور منها. أنا كشاعرة أكتب فكرة تخطر ببالي, عني أو عن الحياة والواقع أو حتى الحلم, لا أفكر كثيراً بتداعيات وأبعاد ما أكتب ولاينبغي ذلك؛ لأن هذا دور الناقد الذي يحلل النص ويتناوله من منظور نقدي حسب رأيه.
في قصيدة (موت شاعر) تقولين: "شاعرٌ يموت: يعني أنْ تعوجَّ ناصيةُ الطريق أكثر، يعني أنْ تندلقَ ترّهاتٌ من بطن اللّامبالاة، ويتكوّمَ في الشارع الخلفيّ مزيدٌ من الحُفر والنفايات، وتنثنيَ أشجارُ الصنوبرِ والسنديان، ..."، هل حقاً موت الشاعر بات فارقاً هذه الأيام؟، هل حقا مازالت مجتمعات لغة الضاد تهتم بالشعر؟
موت الشاعر ندبة في وجه العالم، فراغ ونقص للجمال وخواء يتيح للعنف والشحناء والتنمر وكل هذه المترادفات التي تملأ العالم, أن تجد ولو بقعة تضع بصمتها فيها, أعلم تماماً ما تقصد وأن وسائل الإعلام مثلا لا تقيم الدنيا ولا تقعدها لموت الشاعر, كما لو حدث أن زعيماً ما مات لكن هذا هو جوهر المفارقة في جلل موت الشاعر برمزيته العميقة إلى الاختلاف والتمرد والأبدية.
البعض يقول أن الإبداع الأنثوي، من قبل ومن بعد، يتراجع بالمقارنة بالإبداع الذكوري، هل هذا صحيح أم أن لك رأي آخر؟
ذكرت كثيراً رأياً محدداً في هذا السياق وهو أنني أرفض جندرة الفنون والإبداعات برمتها ومن بينها الشعر, المرأة والرجل كائنان متماثلان يبدعان بالتساوي أساساً والفارق هو الموهبة الشخصية وحدها والتي لا ترتبط بالجنس. وحدها المرأة من تستطيع أن تدحض بمثابرتها هذا التأطير الذي - وبشكل أو آخر- يكرس لفكرة الدونية والحاجة للدعم، فالمرأة الشاعرة مثل كثير من الشعراء الرجال تحتاج أن تعمل على تطوير قصيدتها بتخليها عن الدوران في الحيز نفسه داخل النص, سواء في اللغة أو الفكرة وحتى التقنيات الفنية المستخدمة فيه, أما عن تراجع الإبداع لدى الشاعرات فهذا غير صحيح هناك شاعرات متميزات والرداءة كما الجودة موجودة لدى الطرفين.
يكثُر ذكر الموت في قصائدك، قصيدة "قمارٌ في أرض البرتقال" مثالاً، هذا يدفعني لسؤالك: لماذا هذه السوداوية؟، وأين رومانسية الشاعرات الحالمة، خاصةً في هذا العالم الملئ بالدماء و الخراب في كل مكان ؟
مع كامل احترامي لك لا أوافق على توصيف السوداوية، لدي قصائد بكل الألوان, وبكل الأحوال يا سيدي بدايةً أنا إنسان يعيش الواقع ويعيش هذه الحياة بطولها وعرضها لا أعيش في المريخ مثلا, لا يمكنني أن أنفصل أبدا عن الواقع, بالأساس أنا أكتب عن نفسي, عن الطبيعة من حولي, عن تأملاتي فيها وفيما يجري حولي, في الآخر الإنسان أخي في الإنسانية. "قمار في أرض البرتقال" يتكلم عن معاناة المرض في وصوله للموت، ألا يحدث هذا كل يوم في بلدنا، كم من مريض في البيت أو المستشفى هو ميت فعلا وينتظر موته هو وأهله, لكنهم جميعا يتعذبون في انتظار الموت الذي لا يأتي بسلام, أنا لم أكن شاعرة لأجل أن أكتب برومانسية أنا شاعرة لأكتب في تأملات ما حولي، والحب بمعناه الواسع هو جوهر هذه النصوص كلها.
(ضفائر روح) لروح "سيجموند فرويد" مؤسس علم النفس الحديث، وهو القائل: "نحن نسعى لأن نتجنب الألم أكثر من سعينا لأن نجد السعادة"، أين السعادة في قصائد "ديمة محمود"؟، وكيف تعبر عنها؟
أرى أن الفرح والحزن ثنائيتان متلازمتان، ونسبيتان في الوقت نفسه, لذلك حتى لو كتبت نصاً مثقلاً بالحزن مثل ما اسشتهدت به أنت مثلاً "قمار في أرض البرتقال" فإن المتلقي الذي سيعجبه النص سيخرج من انفعاله الحزين مع النص بفرح ما, هذا لا يعني أن كل نص يحمل فرحاً بقدر ما يعني أن تأويل الفرح وحتى الحزن يختلف ويتفاوت.
ما جديدك الذي يمكن أن ننتظره منك قريبا ؟
أستعد هذه الفترة لإعداد ديواني الثالث للنشر قريباً.