القاهرة 12 اغسطس 2018 الساعة 07:00 ص
النص الذي لا يكتمل إلا بالقراءة
هويدا صالح: الفيدباك تُقدم الإنسان العولمي المعاصر
منير عتيبة: عشت لأسبوع مع شخصيات الرواية
يبدو أن الرواية الأولي لسناء عبد العزيز "فيدباك" ستكون على مواعيد متوالية آتية لقراءات جديدة للنص، فبعد أن تمت مناقشة الرواية بنادي القصة، تأتي قراءة جديدة للرواية من الناقدة الأديبة د. هويدا صالح، بالندوة المنعقدة مؤخرا لمناقشة الرواية ضمن مختبر سرديات مكتبة الإسكندرية.
أشارت هويدا إلى فكرة الإنسان المعاصر الذي تطرحه الرواية فلسفيا، العائش وسط تنوعات العولمة الحديثة التي تتجدد بشكل سريع، والذي تُشكل العولمة معظم توجهاته ومفاهيمه ومن ثم تواجده الحضاري وسط التاريخ البشري.
كما أشارت صالح إلى استخدام الكاتبة لعدد من التقنيات الجمالية منها تعدد الأصوات، مقاربة الحدث الواحد بأكثر من زاوية رؤية، حيث استطاعت الكاتبة في سرد ليبرالي أن تمنح شخصياتها الفرصة لأن يتحدثوا، سواء صوت الساردة الرئيسي(س) أو الأصوات السردية الأخرى لأخوات (سي)، حيث يمكن أن نتعرف على صوت(هُل) و(بنأة) و (دقدق)، وهكذا.
كما أفادت الكاتبة من تقنية التشظي السردي، حيث تقصّدت الكاتبة أن تكسر نمطية الحبكة التقليدية، فنجدها تقدم لنا سرديات متتالية، لتكشف عما تعانيه الشخصية الرئيسية من تمزقات وتشظٍ ما بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي، منتظرة أن تجد تقييما لأفعالها أو ما أسمته الكاتبة (فيدباك). كما أنها كسرت نمطية الزمن الخطي، فلا نستطيع أن نعثر على زمن تتابعي، بل هو لعب حر بالزمن، ما بين الاسترجاع (الفلاش باك) والاستباق.
كذلك من التقنيات الجمالية التي أشارت إلى هويدا صالح هو تعدد مستويات اللغة، ما بين اللغة الشعرية واللغة المشهدية البصرية واللغة الحوارية التي جاءت على لسان الشخصيات كلغة محكية شفهية.
من خلال تفاصيل اليومي المعيش المتشعب تتضافر الحالة السردية في الرواية، مما جعل هناك مبررا فنيا لاختيار الاسم مخالفًا للعربية، إنها فلسفة العولمة الجديدة التي وجد فيها الناقد العراقي د. ثائر العزازي أقرب قراءة لاستقبال رواية فيدباك.
المقاربة الفلسفية التاريخية كما يقول العزازي هي قلب الرواية؛ الإنسان الحديث الذي وقف أسلافه أمام أنفسهم تاريخيا بعد الحرب العالمية الثانية، وصارت الإشكالية الوجودية لماذا أنا موجود وسط كل ذلك الخراب.
الأمر الذي تطرحه سناء عبد العزيز بنسف السؤال القديم والبدء في سؤال أكثر خطورة: من نحن؟ من أنت؟ ومن أنتم؟ "س" بطلة الرواية التي تُكمل مسيرة شجرة الذنب وبعد أن سار الإنسان لجريمته وبحث عن جلاديه بإخلاص، الآن يبحث عن الفيدباك، عن التصالح مع الذات ومع الوجود، الرضوخ الذي تطرحه الكاتبة لتنفيذ العقوبة من أجل التطهر، يظهر من بداية الرواية بتنصيص لمحمود درويش:
"الآن أنت اثنان، أنت ثلاثة، عشرون، مائة، ألف
كيف تعرف في زحامك من تكون!"
الأمر الذي اعتبره الكاتب أحمد حلمي مفتاح قراءة النص: الفيدباك بمعناه "التقييمي" الذي تطلبه الراوية من نفسها ومن المحيطين طوال الرواية، مطلقا عليه "هوس التقييم الإيجابي".
فيما صرح الكاتب منير عتيبة بأنه ظل مشدودًا لأسبوع مع شخصيات الرواية وتقلبات مصائرهم ومصائر الراوية، الإمر الذي يؤكد على نظرية النص الذي لا يكتمل إلا بالقراءة؛ وقد حدث لي نفس الشيء تقريبا أثناء قراءة فيدباك في مسودتها الأولي، التفاعل المتولد بين المتلقي والرواية جعل التلقي يدخل كجزء فاعل في البناء الروائي أو الحالة الروائية. السردية. التي يتواطأ فيها المؤلف مع القارئ.
تباينت الآراء أيضا حول بنية السرد المفككة التي اتبعتها الكاتبة، مما وسع من دائرة المتخيل وانصهاره مع الحقيقي لتخرج الحالة السردية خارج نطاق التصنيف؛ فما الذي تريده يا أخي من المؤلف، لقد كتبت وكفي، والكلام لسناء عبد العزيز.
كما أدى التفتيت الزمني والمكاني في الرواية إلى سهولة قراءتها من أي جزء فيها؛ من المنتصف. من البداية.. فأنت في كل جزء تتابع صورًا في رحلة الفيدباك التي يقطعها الإنسان ومن ثم فهي متشابهة مع نفسها ومع الجميع، الأمر الذي يُفسر قرب الكتابة التي تشعر بها وأنت تقرأ مشاهد سناء عبد العزيز الشعرية. أنت أمام كتابة قريبة، وهي قريبة وكفى.