القاهرة 24 يوليو 2018 الساعة 10:43 ص
أجرى الحوار : محمد زين العابدين
أمين الصيرفى.. للفنان حرية التعبير عن نفسه بشرط أن يترك مساحة مشتركة بينه وبين المتلقيا
أمين الصيرفى.. صالون الأوبرا الثقافي أعاد اهتمام الجمهور بالثقافة
يعتبر الفنان التشكيلي أمين الصيرفى من ألمع الأسماء التي أثرت الحركة التشكيلية المصرية، وهو مبدع متعدد المواهب، فهو رسام ومصور ومصمم لأغلفة الكتب وللأزياء والديكور المسرحى، وخبير فى فن الجرافيك، فضلاً عن موهبته فى فنون الكتابة؛ حيث أبدع عدة كتب فى القصة والشعر المصاحب للوحات التشكيلية من بينها:
(ثقب فى جدار الذاكرة)- قصص قصيرة، ( إمرأة زرقاء )- قصص ولوحات، ( نساء و خيول)- تأملات أدبية فى لوحات تشكيلية، ( سوناتا زهرة القرنفل) أشعار, (جبل الزهرة) قصص ولوحات.
كما أصدر عدة كتب فى مجال الدراسات الفنية منها (الفن والحب والجمال) - ( فنون الفراعنة) - ( تولوز لوتريك:الرسام الثائر)، كما أقام 30 معرضاً فنياً منذ عام 1984 فى
مجال الرسم والتصوير, بالإضافة للمعارض الخارجية فى السعودية والعراق وألمانيا وروسيا البيضاء، كما قام بتصميم أغلفة العديد من الكتب الصادرة عن المركز القومى للترجمة، وسلسلة ترجمات الأوبرا العالمية الصادرة عن دار الأوبرا المصرية، بالإضافة لذلك فقد تمكن من خلال إدارته لصالون الأوبرا الثقافي من إثراء الحركة الثقافية من خلال العديد من الندوات القيمة التي تم تنظيمها, وكان ضيوفها نخبة من كبار الأدباء والمثقفين والفنانين..
في هذا الحوار يتحدث لنا عن تجربته الفنية، وعن صالون الأوبرا الثقافي ..
- ألاحظ أنك في لوحاتك توظف الرموز الأسطورية بشكل كبير, كيف تضفر الأسطورة مع الواقع ؟
بالنسبة لاهتمامي بالأساطير في لوحاتي فهى من وجهة نظر علم النفس نوع من الهروب من الواقع، وهو حلم كل فنان، أن يخلق عالمه الخاص وكائناته المتخيلة كما يراها هو، وهذا النوع من اللوحات يعطي المتلقي فرصة لمشاركة الفنان في خيالاته وأحلامه.
- من الملاحظ أيضاً اهتمامك بإعطاء مفاتيح للمتلقي يمكنه من أن يفك من خلالها رموز لوحاتك، فهل تتعمد البعد عن الإيغال في الغموض على عكس معظم الفنانين ؟
إلى حد بعيد أرى أن العزلة بين الفنان والجمهور غير مجدية إطلاقاً، فالفنان لا يرسم لنفسه فقط، فلا بد أن يضع نصب عينيه الجمهور، فهو من يحيي فنه ويشجعه، فيجب أن يكون الفنان بسيطاً وناقداً لنفسه باستمرار، يعبر عن نفسه كيفما يشاء ولكن في الوقت نفسه يترك مساحة مشتركة بينه وبين المتلقي لكى يتجاوب مع أعماله.
- ما السر في غلبة النزعة الرومانسية على أعمالك, هل هى طبيعة شخصيتك ؟
هى طبيعة شخصيتي، والرومانسية تماماً مثل اللجوء للرموز والأساطير تكون في معظم الأحيان مهرباً مثالياً من
الواقع المؤلم، وهو بمثابة صيانة للفنان من الانهيار بفعل الواقع الذي يسعى لتجميله.
- بحكم كونك فنان متعدد المواهب, كيف تتفاعل الأشكال الفنية المختلفة في مخيلتك الإبداعية؟
أحمد الله على تعدد المواهب هذا عندي، وأنا لا أتعمد اختيار شكل معين أبدع من خلاله، ولكن التجربة الإبداعية هى التي تفرض على الشكل أو القالب الذي أضع فيه أفكاري وتصوراتي، فالمضمون أهم من الشكل في النهاية.
- نريد أن نتعرف على تجربتك في دراسة الفن الفرعوني ؟
من بين أهم كتبي التي أعتز بها كتاب عن الفن الفرعوني صدر في شكل اسطوانة (سي دي) وترجم للغتين الفرنسية والألمانية، استفدت فيه من خبراتي كفنان تشكيلي حيث اشتركت في رحلات كانت تنظمها لنا وزارة الثقافة لرسم المعابد والمتاحف، فعشقت الفن الفرعوني، وقرأت عنه العديد من الكتب والموسوعات، وكان من ثمار هذا العشق لهذا الفن الخالد إصدار كتابي عنه.
أرى أن الفن الفرعوني كان فناً عظيماً سابقاً لعصره، ويمكنك أن تجد كل المدارس الفنية الحديثة ممثلة فيه، فتجد فيه أمثلة حقيقية للسيريالية والإنطباعية، كما تجد فيه أمثلة رائعة للطبيعة الصامتة، وهذا ليس رأى شخصي فقط ولكنه خلاصة بحث علمي فرنسي، وقد تحدثت عن هذا وعن عبقرية الفن الفرعوني في ندوة بالمركز الثقافي الفرنسي، وأجريت حديثاً مع التليفزيون الفرنسي، ووجد الموضوع صدى رائعاً هناك، والفن الفرعوني بصفة عامة منجم مليء بالكنوز الدفينة التي نكتشف الجديد منها كل يوم وتبهر العالم كله بسحرها.
- لك تجربة فنية مميزة فى بيلاروسيا.إحك لنا عنها ؟
تجربتى فى بيلاروسيا من التجارب الإبداعية التى لا تتكرر كثيراً، حيث دعيت لعمل سينوجرافيا مسرحية للعرض المسرحى( سر شهرزاد ) حيث توسموا أننى بحكم كونى فنان عربى سأكون أقدرعلى صياغة هذا التراث الشرقى فى رؤية بصرية إبداعية، وبالفعل قمت بتصميم الأزياء والديكورات الخاصة بالعرض، وقدم على مسرح شباب الدولة فى بيلاروسيا، وأيضاً فى مهرجان المسرح التجريبى بمصر، وأتصورأن هذا المزج بين فنون الاستعراض التى يتميز بها الروس وبين رؤيتى الشرقية لقصة شهرزاد نتج عنها توليفة إبداعية فريدة.
- ننتقل للحديث عن صالون الأوبرا، ماذا عن أهميته خصوصاً أن الصالونات الثقافية الجادة كادت أن تنقرض؟
الحقيقة أن المركز الثقافي القومي للأوبرا له عدة أدوار، منها ما يهتم بالرقى بالفنون الرفيعة وعرضها على مسارحها، والدور الثاني دور تعليمي يتمثل في تنمية المواهب مثل مركز تنمية المواهب للأطفال، أما الدور الثالث فهو الدور الثقافي، وهو دور حيوي ومحوري بالنسبة للأوبرا في رأيي لأنه ليس كافياً تقديم الفنون فقط, فالتثقيف وإثراء الوعى مهم جداً بالنسبة لإكمال منظومة أدوار المركز الثقافي الفني؛ للمساهمة في تنمية الوعى الثقافي والتذوق في مصر، ويعتبر الصالون الثقافي من أهم الأنشطة الثقافية للأوبرا، وقد أنشىء في التسعينات بناءاً على توصية من مؤتمر هام أقامته الأوبرا، وبدعم من الدكتور ناصر الأنصاري رحمه الله، وبعد عدة سنوات شهد خلالها الصالون أزهى فتراته حدث له توقف، وقد استضاف الصالون خلال تلك الفترة عمالقة الأدب والفكر والفن في مصر، منهم يحيى حقي، نجيب محفوظ , د.أحمد زويل، حسين بيكار، ود.مصطفى سويف، وهذا التراث الثقافي العظيم لصالون الأوبرا الثقافي لم يأت الوقت بعد للإستفادة منه، ولكن معالي وزيرة الثقافة د.إيناس عبد الدايم عندما أسندت لها إدارة الأوبرا قررت فوراً إحياء الصالون الثقافي، وكان لي الشرف أن توليت إدارة الصالون.
- ألم يتم توثيق هذه الصالونات الثقافية النادرة في تسجيلات تحفظها من الإندثار؟
بالطبع تم تسجيل كل الصالونات الثقافية القديمة على شرائط فيديو، ويتم تسجيلها الآن صوتياً، ولكنني أرى أن هذا غير كاف، فنحن نحتاج إلى توثيقها بالصوت والصورة، وأن يتم نشرها بين جمهور المثقفين والمهتمين بالإطلاع على هذه المادة الثقافية المتنوعة والشديدة الثراء في شكل اسطوانات، وكان من بين الأفكار المطروحة في هذا الصدد نشر محتوى هذه الصالونات في سلسلة كتب، وأعتقد أنه لو نفذ هذا المشروع سيكون مشروعاً رائعاً وعظيم الفائدة في رأيي.
- وما الذي يعوق تنفيذ هذه الأفكار؟
قصور الميزانيات المخصصة كالعادة عن تنفيذها، لكن عندي أمل في حدوث تطوير في النهج المتبع بحيث يتم الحفاظ على هذه التسجيلات الثقافية النادرة وتعميم الاستفادة منها، فنحن نختار ضيوف صالوناتنا الثقافية بعناية بحيث يكونوا من رموز الثقافة العربية عموماً، وتلقى صالونات الأوبرا الثقافية إقبالاً جماهيرياً واسعاً سواء من الجمهور المصري أو العربي المقيم بمصر، وهى في الغالب كاملة العدد، وقد أحدث بثراء موضوعاتها وتنوعها حالة ثقافية شديدة الرقي بين جمهور الأوبرا، وأعادت اهتمام الناس بالثقافة لحد كبير، وهى تمثل ذخيرة مهمة للأجيال الجديدة التي ربما لم تسمع بهذه المعلومات أو الأفكار من قبل.
- ما هى أفكاركم بالنسبة لتطوير الصالون ؟
من أهم الأفكار التي تشغلني في الفترة الأخيرة لتطوير الصالون أن نسعى لإحداث حالة من التكامل وتلاقح الأفكار في المجتمع الثقافي نفسه, والذي يعيش كل صاحب توجه معين فيه في جزيرة منعزلة, ولا يعرف شيئاً عن الآداب والفنون الأخرى، وهى تمثل حالة أنيميا ثقافية خطيرة، فتجد الشاعر أحياناً متقوقعاً في برج الشعر دون أن يشغل باله بتذوق الفنون الأخرى كالرسم والموسيقى والعمارة، أو تجد المعماري لا يشغل باله بمدى ارتباط العمارة بالشعر والموسيقى والتشكيل وهكذا، وبالتالي بدأنا في الفترة الأخيرة في تنظيم صالونات ثقافية فيها هذه الحالة من التكامل بين التخصصات المختلفة، فعندما نستضيف معمارياً مثلاً نستضيف معه فناناً تشكيلياً ومتخصصاً في المناخ وعلوم التربة، وباحثاً تاريخياً.