القاهرة 10 يوليو 2018 الساعة 10:35 ص
كتبت: منى لملوم
تذكرتُ، وأنا أكتب هذا المقال، فيلم خالد النبوي (تائه في أمريكا)، لكن قصتي مع هذه الحالة كانت باختياري، فلم أته بالفعل، بل خططتُ ودبرت لها بيدي، وكان لديَّ دافع قوي في ذلك، وهو التعرف على الشخصية الأمريكية في الواقع، بعيداً عن الرسميات، وتعامل البيع والشراء ، الذي يتطلب ذوقًا عاليًا لإقناع العميل وجذبه إليك.
في زيارتي للعاصمة الأمريكية واشنطن "دي سي" لم تتح لي الفرصة لبدء الخطة نظراً لضيق الوقت، وامتلاء البرنامج عن آخره، وأقصى ما استطعت فعله وحدي هو زيارة سريعة لأكبر مكتبة في العالم (مكتبة الكونجرس)، وبالتالي كان التحرك بسيارة أجرة ذهاباً وإيابًا، فبدأت الخطة من كليفلاند بولاية أوهايو، حيث خرجتُ إلى الشارع و معي ورقة مكتوب فيها المكان الذي أودُّ الذهاب إليه، وكلما أوقفت شخصًا لسؤاله، توقف بكل ودٍّ ليشير إلى المكان، و يصف لي تحديداً كيف أصل إليه، و لكن أكثر ما استوقفني، وقد كررت ذلك الموقف أكثر من مرة، و كأني أقوم بتصوير أحد برامج المقالب الشهيرة؛ حيث بمجرد أن أنتقل من شخص أعيد السؤال نفسه على شخص آخر، إلى أن قابلت تلك السيدة وزوجها، حيث سألت عن عنوان، وكانت لحظتها متخوفة مني، لا أعرف ما السبب، ولكني طمأنتها بأسلوبي، و شكرتها على وصفها، و تحركتُ حيث أشارتْ، وفي اللحظة نفسها، سمعتها تناديني، و تجري خلفي في الشارع الذي أرشدتني إليه، و تعتذر بشدة، فقد وصفت لي الشارع الخطأ لتقوم بفتح (خرائط جوجل) لتبحث لي عن المكان مجدداً، وزوجها يقف إلى جوارها، ثم أخذتني لأول الشارع، و كررت المعلومة أكثر من مرة حتى اطمأنت أني فهمت شرحها لي، هذه السيدة لن أنساها أبدًا، و قد تركت داخلي انطباعًا رائعًا عن هذه الولاية خاصة و عن أمريكا عامة.
و في سان أنتونيو تكساس، كررت التجربة، وكانت تجرية متنوعة بين رائعين و أروع، فشخص واحد فقط لم أعرف سبب رد فعله السخيف، فهذه فتاة سمراء جميلة سألتها عن مطعم لبناني، كيف أصل إليه؟ فبحثت كذلك على( جوجل ماب)، ولم تكتف بذلك بل صحبتني حتى وصلت إلى المطعم، وكأني بالإسكندرية، لم أشعر بغربة أمام هذا الموقف، كما قابلتُ رجلاً، حاولت أن أستوقفه لأسأله عن عنوان آخر، فرفض الوقوف، و نظر إليَّ نظرة، شعرتُ و كأنه يحسبني متسولةً؛ رغم أن مظهري وملابسي لا يمكن أن توحي له بذلك، وعلى مسافة ليست بعيدة ، كانت هناك سيدة تراقب الموقف ، فوقفت لتسألني كيف أساعدك؟، فأحكي لها دهشتي من سلوك هذا الرجل الذي بادرته بعد رد فعله قائلة: لا أريد مالاً، فأشارت برأسها لا تبالي، ووصفت لي كيف أصل إلى ما أبغيه. هو عنصري، لكنه النموذج الوحيد والفريد الذي رأيته طوال رحلة 21يومًا في أربع ولايات.
فقبل أن أذهب إلى تكساس،أخبرتُ بأن بها عنصرية كبيرة جدًّا، ولكن لم أر فيها سوى هذا الموقف، فعلى الرغم من أنها من أكثر الولايات تأييداً وتحيزًا لترامب، فإنهم استمعوا إليَّ بعد إعلانه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتفهموا موقفي ورفضهم لهذا القرار؛ حتى إني لم أتحدث مع شخص واحد أريد هذا القرار.
أما في سان فرانسيسكو، فلا أنسى الرجل الذي استوقفته لأسأله كيف أعود إلى الأوتيل (الفندق) الذي أقيم فيه؟ فبدأ يبحث على موبايله الذي نفد شحنه سريعاً، فلم يستطع إكمال بحثه، فلم يتركني حتى أوقف شخصًا آخر ليقول له: هذه السيدة تريد أن نساعدها حتى تعود إلى فندقها، فتوقف الرجل يبحث على هاتفه ليخبرنا بالطريق، ثم تركنا وذهب، إلا أن الرجل الأول لم يتركني، بل وقف ينصحني ألا أسير من هذا الشارع، فهو خطر بعض الشيء، وأرشدني إلى شارع آخر أكثر أمانًا.
وفي سان أنتونيو: طلبت من شرطي أن يساعدني حتى أجد تاكسيًا، فأخبرني بأن هناك موقفًا للتاكسي أمام المول وذهب، ورغم أن جزءًا من عمله هو مساعدة الناس؛ خاصة أني أخبرته أني زائرة دولية، وقد أخبروني إذا احتجت إلى مساعدة فعليك أن تطلبيها من شرطيّّ، صحيح أنه قام بدوره وأرشدني لموقف التاكسي، لكن موقف التاكسي لم يكن به تاكسي واحد، فكنت أظن أنه "على الأقل" سينظر من مكانه ليتأكد من وجوده أو من حل مشكلتي إلا أنه لم يفعل شيئًاَ من ذلك، وعدت من خلال تاكسي آخر، لكن بعد انتظار طويل بعض الشيء.
الحقيقة، أني وجدت في هذا الشعب "دون مبالغة" شعباً متعاوناً، لا يبخل بالمساعدة على شخص يحتاج إليها، يبتسم في وجهك حين يقابلك، كنت في كل شارع أسير فيه، أقابل ابتسامات الناس، وتحية وترحيبًا كبيرًا، رغم أنهم لا يعرفونني، فمنى إليهم تحية حب وتقدير لشعب رأيت فيه كل جميل.