القاهرة 03 يوليو 2018 الساعة 05:07 م
كتب: وائل سعيد
تحكي رواية "فيدباك" عن أسرة كبيرة عادية؛ مجرد أسرة قد تتواجد في أي حارة فقيرة وقد تسمع حكايتها في أي رواية أخرى، فمن أين أتت سناء عبد العزيز بما جعل روايتها الأولي تخرج من نطاق العادي والنمطي إلى المختلف والجريء والجديد في التناول.
أنه الإبداع؛ هكذا تساءل الروائي السيد نجم في بداية حديثه عن رواية "فيدباك" وذلك ضمن ندوة مناقشة الرواية المنعقدة مؤخرا بنادي القصة ضمن النشاط الثقافي للنادي بإشراف د. زينب العسال، اشترك في المناقشة د. مدحت الجيار، الكاتب حسين عبد الرحيم، وأدار الندوة الكاتب حسن الجوخ.
وبالعودة مرة أخرى لأسرة الفيدباك العادية؛ نعود لتساؤل السيد نجم: من أين يأتي الإبداع، باحثا عن الطريق لذلك عبر تقسيمات الإبداع "أفراد ومجتمعات، ولكن من أين تأتي حالة الإبداع نفسها.
من الاختلاف في التناول، وهذا ما صنعته سناء عبد العزيز في الرواية، التي تطرح فكرة الكمال الإنساني في بدايتها ووصلت في آخر الرواية لاستحالة تحقق فكرة الحرية -التي أرادتها البطلة- ومن ثم استحالة وجود ذلك الإنسان الكامل المرجو. وأضاف نجم أن التناول المختلف في رصد حكاية الأسرة النسائية في الروائية كان من أسباب تحقق درجة الإبداع الفني الذي تساءل عنه في البداية.
ودعا نجم في نهاية حديثه للوقوف المتأمل أمام مستويات اللغة في الرواية، حيث تحتاج الخلطة الكلامية التي صنعتها الكاتبة لدراسة التداخل بين الفصحى والعامية، وتعدد مستويات الحوار بين الشخصيات وعلي مستوى الحوار السردي بين قاهري وريفي وأكاديمي في بعض الحالات، وتعشيق كل ذلك في حالة انسجاميه لم يقف تنوعها عائقًا في التلقي، بالإضافة الي بعض الجمل الإنجليزية وعلي رأسها اسم الرواية بالطبع "فيدباك".
وجه الكاتب حسن الجوخ أثناء تقديمه الشكر لجميع الحضور وللنشاط الثقافي الجديد بنادي القصة، والذي يهدف لاستقطاب الأصوات المختلفة والدماء الجديدة التي أثبتت تميزا في الفترات الأخيرة.
مشيرا الي أن انصهار الخبرة الحياتية والزخم المعيشي في الرواية جعلنا نتلمس مواطن الجمال في المشاهد وبين الشخصيات، وعبر مستويات اللغة المختلفة، المُمهدة الطريق أمامها في الحكي جعل المتلقي يشعر بأنه يسير على سجادة ناعمة ملساء لا توجد بها أي نتوءات رغم تعدد مستوياتها وتعقيدها؛ علي حد تعبيره.
ومن جانبه تحدث الكاتب حسين عبد الرحيم عن الاستفادة من علم الأنثروبولوجي في بعض المناطق في الرواية، بالإضافة الي الاحتفاء بكتاب "المرأة المتوحشة"، وأشار عبد الرحيم الي أن هذه الرواية ليست لمحاكمة الشخصيات أو الرواي، وإنما هي محاكمة للواقع المعيشي اليومي والمعتاد.
الذهول والإشادة، كان نقطتي الانطلاق والختام للدكتور مدحت الجيار، حين أذهلته الرواية وهي مخطوط ضمن الروايات المتنافسة في جائزة الطيب صالح العالمية وكان الجيار ضمن لجنه التحكيم. أما الإشادة فكما كانت في القراءة الثانية وأنه وجد أن الرواية بالفعل كانت تستحق الجائزة.
أشاد الجيار بقدرة الكاتبة علي الغوص في الحارة الشعبية الفقيرة، ورسم ملامح ذلك الفقر شديد الخصوصية، مُستعيدا في ذلك أرواح يحي الطاهر عبد الله، وعبد الحكيم قاسم، ومحمد البساطي، وإبراهيم اصلان. استطاعت الكاتبة إعادة إحياء الحارة القديمة بمعطيات عصرها وأزماته ومشاكله المختلفة والمتعدة في نفس الوقت.
كما أشار الي التدخل في الحكي والذي قام به كثير من الكتاب وكان دائما محفوفًا بالمخاطر، بين الوقوع في فكي التنظير أو تلبس البلادة أو الاستظراف من قبل الكاتب، الأمر الذي تفاجأ به عند سناء، فهي تدخل في النص في الوقت الذي تريده دون أي اقحام أو تنظير، وقد تدخل الكاتبة أحيانا لإنقاذ موقف ما أو للتنبؤ بحدثٍ ما، ومن ثَمَّ فالكاتب هنا هو أحد شخصيات العمل الفني لا محالة.
هل بدأت الرواية المصرية -النسوية تحديدا- الدخول في آفاق جديدة؛ هكذا تساءل الجيار في نهاية حديثه مُجيبا عن السؤال: أعتقد أن "فيدباك" سناء عبد العزيز قد فعلت ذلك.