القاهرة 26 يونيو 2018 الساعة 11:36 ص
د. هـنـاء زيــادة
لم تخلو السينما المصرية من مشاهد الأجواء الرمضانية، أفراد الأسرة الواحدة مجتمعين حول مائدة الإفطار في انتظار مدفع الإفطار مقترناً بأذان المغرب بصوت الشيخ "محمد رفعت"، والذي يحتفظ صوت الأذان وتلاوته للقرآن قبل الإفطار بنصف ساعة بجانب مهم من ذاكرة المصريين الرمضانية، وقد نجحت السينما المصرية في تجسيد هذا المشهد بكامل تفاصيله، في بعض الأفلام التي أبرزت كافة تفاصيل الشهر الكريم، لكن بالرغم من ذلك فإن هذه الأفلام قليلة من ناحية الكم، كما أنها استخدمت الشهر الكريم ووظفته كديكور زمني أو مكاني لخدمة حدثٍ عابر في الإطار الفني، ومن أشهر هذه الأفلام التي جاءت حاملة بعض المشاهد الرمضانية، فيلم (العزيمة) لـكمال سليم، والذي ألقى الضوء علي العلاقة القوية بين الجارين محمد وفاطمة، وتدور أحداثه في ليلة رمضانية، وكان المسحراتي هو الدليل على وجود رمضان في أحد مشاهد الفيلم، حيث صعد محمد وفاطمة إلى سطح المنزل وسمعا معا دقات طبلة المسحراتي، وتبدأ أضواء نوافذ الحارة تشرع في الإضاءة بالتتالي لإعداد وجبة السحور. وفي فيلم (ضربة معلم) لـعاطف الطيب، يظهر ثلاثة من شخصيات الفيلم يركبون سيارة مسرعة محاولين الهروب من الشرطة عقب انطلاق مدفع الإفطار مباشرة، لتجنب الوقوع في أزمة التكدس المروري الذي تشهده الشوارع المصرية في وقت الإفطار. وكذلك في فيلم (الفانوس السحري) لـفاطين عبدالوهاب، أما فيلم (قلبي على ولدي) فقد شهد لأول مره إذاعة أغنية "وحوي ياوحوي" للفنانة هيام يونس، وكذلك أغنية "اصحى يا نايم صح النوم" والتي تردد دائمًا في الشهر المبارك.
فيلم (في بيتنا رجل) جسد هذا الفيلم قدسية وقت الإفطار في شهر رمضان، حيث يقوم أحد الثوار، والذي جسد دوره الفنان "عمر الشريف"، باغتيال سياسي خائن متعاون مع الإنجليز، ولا يجد أي مكان يذهب إليه سوى منزل صديقه في الدراسة، وهو الفنان "حسن يوسف"، حتى يختبئ عنده ويكون ذلك في وقت إفطار رمضان، فنجد الأسرة مجتمعة على مائدة الإفطار في مشهد رمضاني مألوف، ونشاهد بالفيلم مدفع رمضان الشهير يعلن عند وقت الإفطار، وعندما يود الهروب من أعين البوليس الذي عرف مكانه، يختار أيضا ميعاد الإفطار لخلو الشوارع من المارة، وقد جاء استخدام شهر رمضان في هذا الفيلم متلائما مع التطور الدرامي في العمل وليس مجرد ديكور. وفي فيلم (المواطن مصري)، يظهر مدى الترابط بين أفراد المجتمع، ورفقاء السلاح في الجيش المصري عام 1973م، في جو يحيطه طقوس رمضانية تظهر مدى الرباط بين المواطنين.
فى فيلم "مال ونساء" للمخرج الكبير "حسن الإمام" ننتقل الى الأجواء الروحانية للشهر الكريم، حيث تدور أغلب أحداثه حول الدور المحوري الذي يلعبه الشهر المبارك في حياة موظف بسيط يلجأ إلى الاختلاس لكنه يعود عنه بفضل روحانية رمضان. وهو نفس السياق الذي لا يبتعد كثيراً عن سياق رمضان في أفلام مثل "كهرمانة" للمخرج "السيد بدير" وكذلك فيلم "رابعة العدوية" للمخرج "نيازي مصطفى" والذي تم إنتاجه عام 1963م. حديثا.. ففيلم (ألوان السما السبعة) تدور فى شهر رمضان وعيد الفطر، وتنقل لنا كواليس حياة راقص التنورة، الذي يجسده الفنان "فاروق الفيشاوى"، ويتناول الفيلم علاقة حب تنشأ بين راقص تنورة وامرأة كانت تعمل فتاة ليل سابقًا، تتعلق بعالم التنورة وأجواءه وتذهب كل ليلة فى رمضان لمشاهدة الرقصة التى تنقلها إلى عالم آخر. وفي فيلم (كابتن هيما) للفنان تامر حسني، رصد الفيلم لحظات تزيين الجوامع استقبالا للشهر الكريم، وكذلك أوقات وطقوس الإفطار والسحور.
مائدة الإفطار الرمضانية دائما ما تكون غنية بألوان وأشكال مختلفة من الطعام والشراب، أيادي كثيرة ممتدة، تتبادل بعضها الطعام لاستعادة دفء العلاقات العائلية من صخب الحياة العادية، فيلم (إكس لارج) للفنان "أحمد حلمي" و"دنيا سمير غانم" و"إبراهيم نصر"، نجد في أحد مشاهده الفنان "أحمد حلمي" يذهب إلى بيت صديقته "دنيا سمير غانم" لتناول الإفطار، وهناك ينتقد الطعام الذي أعدته والدة صديقته "أنعام سالوسة"، وذلك بحكم حبه الشديد للطعام، ثم يدور بينه وبينهما حوار يتحدث فيه عن مواظبته على الصيام طوال الشهر، وقد احتوى الفيلم على عدة مشاهد للشوارع وهي ممتلئة بزينة رمضان. وفي فيلم آخر للفنان أحمد حلمي وهو فيلم (عسل أسود)، نجد بعض ملامح شهر رمضان، حيث يظهر الفيلم موائد الرحمن التي يجلس عليها "مصري" والذي يجسده أحمد حلمي ليتناول طعام الإفطار، والذي يريد بعد الأكل أن يدفع الحساب في مشهد كوميدي وطريف، إضافة إلى مشهد الأسرة التي يقيم عندها، وتجمعها على الإفطار، والذي أظهر دفء العلاقات الأسرية عندما اجتمعت حول مائدة الإفطار وأمامهم أشهى أنواع الطعام والحلويات الرمضانية، كما أن هناك "طبقا" يتضمن أشهى الحلويات الرمضانية، يتجول كل يوم على كل شقق العمارة، ليدور بين الجيران، فالجيران تهادي بعضها البعض الحلوى، وهو تقليد مصري رمضاني معروف، هذا إلى جانب مشاهد إعداد كعك العيد. ختاماً.. على الرغم من أن تراث السينما المصرية يحتوي على ما يزيد عن خمسة آلاف فيلم، لكن لم يأت ذِكر الشهر الكريم إلاّ في عدد قليل منها، ربما لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، وبشكل باهت وسطحي.