القاهرة 26 يونيو 2018 الساعة 10:29 ص
كتبت: منى لملوم
حين وضعتُ قدمي على مدخل السوق التاريخي بسان أنطونيو؛ غمرتني سعادة لم أشعر بها من قبل فما أجمل أن تتواجد المرأة بمكان تسوُّقٍ مفتوح! فيه كل شيء تتمناه، من هدايا تذكارية ذات الطابع المكسيكي للمدينة، إنها مدينة الكاوبوي الشهيرة وها أنا ذا، أقف أمام أحد المحال لأرتدي القبعة المكسيكية وأشاهد كل ما يعرضه من هدايا رائعة، يحملها معهم زُوَّار السوق من كل أنحاء العالم إلى بلادهم، كتذكار من المدينة الرائعة.
وأثناء تجولي في الشارع رأيت تجمُّعًا من الناس أثار فضولى، فوجدتنى أشق الزحام وأكتشف ما وراءه إنه فنان يرسم الوجوه ببراعة فائقة، وقفت أتابعه بشغف وهو يرسم حبيبَين فى لوحة لم تأخذ منه سوى دقائق معدودة.
ثم يرسم شابًّا بنفس البراعة؛ مما شجعنى أن آخذ دورًا بين الواقفين، فكان من أحد أحلام حياتى أن أمتلك صورة مرسومة بحرفية بيد فنان .
وحين جاء دوري جلست على هذا الكرسي المريح، وبدأت أتابع الفنان وأتامله وهو يتأمل ملامحي لدقيقتين، ثم يمسك بالقلم قائلاً: هل تريدينها بالألوان؟ فأجبته بالإيجاب.
كانت تلك التجربة الأولى لي أن أجلس أمام رسَّام؛ لذا لم يكن وحده من يراقبنى، بل كنت أراقبه أيضًا وأراقب تأمله قبل كل خط يضعه على اللوحة هو يراقبنى ليرسم، وأنا أراقبه لأفهم.
كانت نظراته نظرات من يحب لوحته ويتعلق بها، كم كنت أتوق لأرى صورتى في شكل كاريكاتير، وحين انتهى من الرسم قمت أشاهدها ورغم جمال الصورة التى رسمها، والتى اكتشفت مدى تشابهها مع صورة الشقراء التى وضعها على صفحته على الانستجرام فإنها لم تكن تشبهنى، أو على أقل تقديرلم تكن كما توقعت، فقد كانت تنقصها روح الشخصية التي لم أجدها في لوحته، وسألت نفسي هل لديه خطوط واحدة يرسم بها كل الناس؛ ولذلك تتشابه لوحاته، ولرغبتي في إعادة اللوحة قلت له: هذه هي المرة الأولى التي أجلس فيها أمام فنان ليرسمني، ولست متأكدة أنني أستطيع أن آتي مرة أخرى من بلادي البعيدة لترسمني من جديد، ففهم قصدي وطلب مني أن أجلس ليرسم لي لوحة أخرى.
جلست بهدوء، وأنا أؤكد له أن لوحته الأولى جميلة، ولكنني أريد أن تقترب من شخصيتي أكثر.
كان يتحدث إليَّ أثناء إعادة الرسمة أخذت منه وقتًا أطول، كنت أختلس النظر للوحة أيضًا، وليس له فقط هذه المرة اندهشت من دقَّته إنها صورتي بالفعل، فقررت تسجيل اللحظة من خلال إحدى المشاهِدات بالشارع، وطلبت منها التقاط صورة لي وهو يرسمني، لقد اهتم بالفعل بكل تفاصيل اللوحة حتى ألوان الكوفيَّة، ولكن الأهم روح الشخصية التي نقلها لرسمته ببراعة ودقة متناهية.
كانت لديَّ معلومة، أن رسَّام الكاريكاتير يبالغ في أحد ملامح الوجه، إلا أني وجدتها أقرب للبورتريه منها إلى الكاريكاتير، ( ويصحِّح لي أصدقائي الفنانون ذلك).
حين وقف ليسلمني اللوحة، وددت لو احتضنتها من شدة إعجابي بها لفَّها لي ودفعت له ثمن لوحة واحدة فقط كما اتفقنا، وأخذت اللوحة وأنا أمسك بها بقوة كمن يمسك بكَنزٍ ثمين.
سافرت بها إلى سان فرانسيسكو وأنا أمسك بها بكلتا يديَّ لأضعها في مكان الشنط بالطائرة، لتبقى مكانها هناك ولم يعد لي منها سوى صورة صورتها للوحة، وصور صورتها لي السيدة ولحظة متعة كبيرة عشتها لم ولن أنساها أبدًا.