القاهرة 18 يونيو 2018 الساعة 07:56 م
اطلقوا النارَ على محمد الشناوي لرفضه جائزة من شركة خمور!!
د. هويدا صالح
التطرف في الرأي والراديكالية والأصولية لا تقتصر فقط على الدينيين من أصحاب الأديان السماوية الثلاثة، بل ثمة أصولية تشكل وعي المتطرف في كل الأفكار والأيديولوجيات المختلفة، لم ينْجُ منها أحد، فنجد من اليساريين أو العلمانيين من هو أشد تطرفا وأصولية من الأصوليات الدينية، إسلامية ، مسيحية أو يهودية.
حينما أعلن حارس المرمى المصري محمد الشناوي رفضه أن يتسلم جائزة أحسن حارس مرمى في مباريات المرحلة الأولى من كأس العالم في روسيا 2018، عن مباراة مصر وأوروجواي والتي دافع فيها عن مرمى المنتخب الوطني المصري وحماه من عدة أهداف محتملة قامت الدنيا ولم تقعد من بعض المحسوبين على التيار العلماني التنويري في مصر ـ هذا إن وجد بالفعل تيار علماني تنويري في مصر ـ أمثال د. خالد منتصر الذي قال في تغريدة على "تويتر": "مرة حارس مرمي دولي رفض جائزة مكتوب عليها اسم شركة خمور انتظارا وطمعا في جنة تغريه وتعده بأنهار الخمور".
ما الذي يمكن أن تحققه سخرية منتصر من معتقدات الآخرين والمختلفين معه في الفكر والعقيدة؟ ومتى يحق لنا أن ننتقد معتقدات المختلفين معنا فكريا ودينيا؟
أتصور أنه يحق لنا أن ننتقد أو حتى نرفض معتقدات الآخرين أيا كانت حين يحاولون فرضها علينا جبرا وقهرا وقسرا أو حينما تسبب لنا هذه المعتقدات في أذى نفسي أو جسدي، ساعتها يحق لنا الانتقاد والرفض، لكن في حالة الشناوي اعترض الرجل بلغة مهذبة وراقية ومتحضرة، ولم يقل وهو يعتذر عن قبول الجائزة أي مفردة تحمل أذىً لأي كان، ولم يلحق الأذى بأحد سواء أفراد أو جماعات، إنما قال: " أرفض الجائزة لأسباب شخصية". وجاء رد "الفيفا" على هذا التحضر من اللاعب الشاب الذي يحترم خصوصيته الثقافية والتي تخص معتقده الديني بأن قررت أن ترفع صورة زجاجة البيرة من على الجائزة في حالة تكريم أي لاعب مسلم في حال فوزه بأفضل لاعب أو أفضل حارس مرمى احتراما لتلك الخصوصية الثقافية التي تخص ثقافته الدينية، فمتى يتعلم التنويري احترام حريات الآخرين ما دامت لا تتعارض مع حريته في حال فعله التنويري؟ متى يقدر الخصوصية للمختلف معه دينيا أو فكريا وهو يقدم خطابه التنويري؟
ربما نستدعي في هذا الشأن ما قام به إسلام بحيري من خطاب تفنيدي لبعض الكتب التي تعتبر مسلمات دينية لدى المسلمين، وأقصد بها كتب الحديث النبوي وعلى رأسها كتاب "البخاري"، ماذا لو أن إسلام البحيري وهو في سبيل نشر خطابه الناقد للخطاب الأصولي كرجل تنويري، ماذا لو أنه استخدم لغة أقل حدة، أقل تطرفا، أقل إساءة لرمز من رموز الإسلام، سواء اتفقنا مع خطابه أو اختلفنا؟ ماذا لو أنه لم يكن أكثر أصولية وراديكالية وتشددا من منتقديه؟ لربما وصل البحيري ساعتها إلى مساحة من التواصل مع عقول المسلمين مستهلكي كتب الأحاديث وكتب الفقهاء.
لو أن البحيري أدرك سيكولوجية التلقي لدى المسلمين لاستطاع التأثير في عقولهم التي تجمدت ووقفت عند البخاري ومسلم وسنن أبي داوود وسنن ابن ماجة وسنن الترمزي. لو أنه استطاع هو وخالد منتصر وغيرهما من التنويريين أن يصلوا إلى عقول هؤلاء المتلقين لهذه الكتب وصنعوا من هذه العقول عقولا ناقدة لا تقبل بالمسلمات واليقينيات لنجح هؤلاء التنويريون في تمرير خطابهم التنويري، لكنهم كانوا أشد أصولية وراديكالية من الإصوليين الإسلاميين، فمتى يتعلمون الدرس كي يصلوا لأهدافهم النبيلة؟!.