القاهرة 12 يونيو 2018 الساعة 11:34 ص
هـنـاء زيــادة
نعيش اليوم في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يستخدمها الملايين حول العالم، بحيث أصبحت هذه المواقع جزءاً من الروتين اليومي لهم، فقد أصبحنا نقضي معظم أوقاتنا أمام شاشات هواتفنا أو حواسيبنا، نطالع كل جديد يحدث على صفحات تلك المواقع، وقد وصل البعض منا إلى درجة الإدمان. يعتقد الكثيرون أن إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أضرارها، لكن ثمة بعض الأسباب التي تجعل مواقع التواصل الاجتماعي سيئة للغاية، لكننا في غمرة الشغف بها ننسى تلك المساوئ الخطيرة، التي كان لها عظيم الأثر على نمط حياتنا، من تلك المساوئ نجد أنها تقتل الإبداع، حيث تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي على تشجيع ردود الفعل السريعة، وهذه هى الخديعة الكبرى، التي
تجعلك متأهبا للمشاركة بسرعة في أي حدث، هذا الحمل الزائد من المعلومات السريعة لا يمنحك وقتا للتفكير الحقيقي في كل هذه المعلومات، وبذلك فهى تقتل الإبداع في ذهنك. هذا إلى جانب التضليل والزيف المنتشر على صفحات تلك المواقع، إذ ليس كل ما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي حقيقة أو من مصادر موثوقة، فالصفحات التي تتميز بالأمانة قليلة، ومن المستغرب أنه في بعض الأحيان نجد أن البعض يكتب الأكاذيب، والبعض الآخر يروجها من دون تمحيص، وذلك بغية جنى أكبر قدر ممكن من الإجابات والتعليقات، في حين تكون معظم تلك المعلومات المتداولة خاطئة. ولا عجب ان قلنا أن مواقع التواصل الاجتماعي قد أتاحت للكثير من الناس نشر الأفكار والتعليقات الخبيثة والسيئة، التي تنم عن جهل كبير، ويصدقها الكثير من البلهاء، فشكلت بذلك منطلقاً للنصب والاحتيال.
في الواقع أن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لا يتطلب أي مجهود، فيمكن أن تشارك وتعلق وانت تحمل الهاتف في سريرك، أو في المواصلات أو أثناء التواجد في قاعات المحاضرات والمدارس، أو حتى وأنت في الحمام، وبات من المشاهد الشائعة يوميا، أن نجد من يقودون سياراتهم، وهم ينظرون دائما إلى شاشات هواتفهم الذكية للتعرف على آخر الأخبار أو المشاركة بتعليق في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يشكل خطر حقيقي على كل من يسير على الطريق. وحيث أن الناس باتوا يقضون ساعات طويلة على تلك المواقع، فإن هذا يحرمهم من تعلم أو تنمية أي مهارات حقيقة. بعض الدراسات الحديثة أثبتت أن هذه المواقع تعلم الناس الكسل، ولا تشجعهم على الحركة أوممارسة الرياضة، كما أثبتت أن إدمان شبكات التواصل الاجتماعي واستخدام الهاتف المحمول قبل النوم يؤدي إلى اضطرابات النوم والقلق والأرق، وهذه الاضطرابات مرتبطة بالعديد من الأمراض المناعية والجسدية أيضا، فواحد من كل خمسة من الشباب يستيقظون بالليل لإرسال أو قراءة رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا النشاط الليلي يجعل المراهقين أكثر عرضة للشعور بالتعب والإرهاق، حيث ينامون عدد ساعات أقل من المعدلات الطبيعية مما يعرضهم لمشاكل صحية كبيرة. كما انها أصابت الناس بهوس مشاركة الصور والكليبات والتعليقات، فبدلا من عيش اللحظة، أصبح الجميع يضعون هواتفهم الذكية في وضع الاستعداد من أجل الحصول على شيء ما ومشاركته للعالم، وبسبب الاستخدام المفرط لتلك المواقع فقد أصبح الإنسان معادياً للتواصل الاجتماعي نفسه!، فالكم الهائل من المعلومات والنصوص
والرسائل والتعليقات والتحديثات يؤدي إلى روابط أقل بين الناس في الحياة الحقيقية.
الخطر الأعظم لتلك المواقع هو خطرها على الأطفال، صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تسمح للأطفال بفتح حسابات لهم، ولكن الأطفال بكل سهولة يمكنهم التحايل على تلك المواقع بتزوير أعمارهم من أجل امتلاك حسابات عليها، والمشكلة أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تحتوي على مواد لا ينبغي للأطفال التعرض لها، مثل الشتائم واللقطات الإباحية، فضلاً عن تأثيرها السلبي عل سلوك وأخلاقيات الطفل والشباب، وذلك بسبب مشاهدة الصور والأفلام العدوانية والعنيفة، التعرض لعديد من الأفكار والمعتقدات الثقافية الغريبة على المجتمع. وتتفاقم المشكلة إذا أدمن الأطفال استخدام تلك المواقع، فقد كشفت دراسة أجريت في جامعة هارفارد عام 2012م أن متابعة التحديثات والضغط على أزرار الاتصال يثير مناطق في الدماغ لا يثيرها إلا الكوكايين. ومن المساوئ أيضا، وهو ليس خفياً على أحد، ما تم كشفه مؤخراً من انعدام الخصوصية لمستخدمي الشبكات الاجتماعية، وكيف يمكن
لبعض الدول أو حتى الأشخاص المحتالين أن يستغلوا معلومات مشتركي تلك المواقع لاستغلالهم، حيث يستخدم الكثير من القراصنة مواقع التواصل الاجتماعى لاختراق أجهزة الكمبيوتر الخاصة بمشتركي تلك المواقع، وسرقة البيانات الشخصية الموجودة على الجهاز مثل بطاقات الهوية وبطاقات البنك وغيرها واستغلالها. وبالرغم من أن تلك المواقع تعد ساحة مفتوحة لنشر الإبداعات والفنون، سواءً كانت فى كتابة الشعر او الأغانى بالإضافة إلى التلحين، فإن مواقع التواصل الإجتماعى لم تحفظ الحقوق الملكية الفكرية لصانعيها، وقد تعرض الكثير من الأشخاص الذين ينشرون تلك المواد عبر مواقع التواصل للسرقة والاحتيال.
على رغم الانتقادات التي تطال مواقع التواصل الاجتماعي، فإن البعض يرى لها فوائد كثيرة، ومساهَمة كبرى في العولمة. فعلى سبيل المثال فإن موقعاً مثل "لينكد إن" والذي يعد من أشهر مواقع التواصل في العالم، هو موقع مخصّص لإيجاد فرص عمل، فالموقع الذي تأسس في عام 2002م، يستخدمه أكثر من 259 مليون شخص من ما يقرب من 200 بلد مختلف، ومتوافر بعشرين لغة، ويساعد الملايين حول العالم لإجاد فرص عمل من خلال إبراز مهاراتهم الوظيفية. كما يرى البعض أن في تلك المواقع متنفساً وتليبة للحاجات، باعتبار أنها تساعد على البحث والحصول على المعلومات بطريقة سريعة وبدون جهد كبير، وأنها تسهل المطالعة الفردية والجماعية والتعرف على الآخرين والاستفادة من خبراتهم وتسويق الثقافة الاجتماعية، لكن بأي حال.. فإن الأضرار ما زالت تعدّ أكثر من الفوائد.