القاهرة 12 يونيو 2018 الساعة 11:16 ص
حاورها: محمود الديب
أغدقت من كرم حكايتها على الأحداث بعدا تجذيرياً راعفاً بالألم ومعبئاً بالمعاناة، إلا أنها لا تتخلى كسارد بارع عن نزعة جميلة تتمثل في الأمل. فكلما أوغلت حكايتها في ألمها كلما استفاق الراوي من صدمة المعاناة وباح بشيء يشبه الأمل، فكان النص أشبه بمعادلة تتجاذب أطرافها بين ألم وأمل، وموت وحياة، وامرأة وفأل". بهذه الكلمات البليغة وصف الناقد والروائي السعودي الأستاذ عبد الحفيظ الشمري رواية معلقون بالأمل للأستاذة أميمة السلاخ. وأضاف أن عناصر السرد في الرواية حاضرة بقوة، وإن كان حيز المكان متوهجا، فإنَّ الزمان بات أيقونة يسترشد فيها القارئ أو المتتبع لتفاصيل السرد. فحيزا الزمان والمكان في العمل اتسما برؤية متوازنة. ولغة الرواية متميزة في تفاصيلها، فقد ابتعدت الكاتبة عن التصنع اللفظي، لتعطي للحكاية فرصتها الأثيرة، فتأتي لغة السرد محملة على رَوِيٍّ واحدٍ.
أشاد النقاد بقدرتك الفائقة خلال روايتك ( معلقون بالأمل) على الجمع بين التناقضات وبالأخص الألم والأمل، والموت والحياة، فكيف نجحت في إحداث هذا التوازن ؟
حقيقة إنها المشاعر الإنسانية لأبطال العمل ومعاناة كل طرف، وتعاملهم مع الفقد هي التي كانت تحركني، لم أسع لشيء في العمل ولم أاشحذ فكري وأعاني أثناء بحثي عن فكرة ما أو حبكة - وكثير من هذا الكلام- لا بل العكس إنها رواية تحمل تجربة إنسانية فريدة مليئة بالتساؤلات والمشاعر التي قد تؤرق الكثير منا عن الوجود، الحياة المشبوكة بالموت وكيف أن المسافة بينهما كالخط الوهمي بقدر ما هو منضبط بقدر ما هو غير محسوس. ففي البداية أرقتني وشغلت تفكيري، وكلما أردت تجاوزها والبدء في عمل آخر، أتوقف لأن ذهني مشغول بها، فلا أستطيع مواجهتها بالكتابة ولا أستطع تجاهلها.
حتى جاء الوقت الذي علت فيه أصوات هذه الشخصيات بداخلي لدرجة جعلتني لا أفكر ولا أسمع سواهم، وكان قرار تحوّل الحكاية من ألم داخلي إلى رواية على الورق، بكل مشاعرها وشجونها والحمد لله وصلت الرسالة سواء للقاريء العادي أو للنقاد وزملاء المهنة.
تقولين أنك منذ دخلت العمل الصحفي وعينك على الرواية، فهل كنت طوال تلك السنوات تكتبين القصة القصيرة، أما كان العمل الصحفي وخاصة فيما يتعلق بسرد القصص الإنسانية في قالب صحفي توطئة لكتابة الرواية؟
جاء العمل الصحفي في بدايات 1998 وقتها واجهت في عملي كصحفية حكايات سببت لي صدمة من قوتها وشدة تأثري بها، وكان علي أن أصيغها كتحقيق صحفي وكَانت البداية. ومع الوقت وكثرة العمل أغنتني الصحافة عن الكتابة الحرة ومن خلال التحقيقات واللقاءات الأسبوعية في مجلة سيدتي ؛ أصبحت الكتابة الحرة حلم مؤجل واكتفيت مؤقتا بالتوفيق بين عملي كصحفية الذي حققته لي المهنة .
هل الصحافة الخليجية لا تتمتع بسقف عالي من الصحافة، فأنت صاحبة تجربة ومسيرة حافلة في الصحافة السعودية تمتد لعقود؟
جميع الصحف سواء العربية أو الأجنبية لها سقف ما لا تستطيع أن تخترقه بطريقة أو بأخرى، قد تحكمها العادات والتقاليد، مساحة الحرية المسموح بها، أو قوانين هذا البلد. وفي تجربتي الصحفية وبعد عملي بفترة وجيزة في شركة السعودية للأبحاث والنشر -كما كانت تسمى وقتها - كان عليّ كصحفية نقل معاناة وما تواجه المرأة السعودية بشكل خاص من تحدّيات، والأسرة بشكل عام، بعد فترة وجيزة اكتشفت أن أكثر ما يحكى عن المرأة السعودية ليس صحيحاً فلاهي بالضعيفة ولا بقليلة الحيلة- كما كان يروج لذلك وقتها- لقاءاتي مع السيدات بشكل عام، بغض الطرف عن مستوياتهن الاجتماعية أو المادية جميعهن كن يبذل الكثير من المجهود ولديهن من القوة لإثبات وجودهن وقدرة الاستمرار في ذلك. فبعد كل لقاء صحفي أو تقرير ميداني أو حتى تحقيق كنت أعود واسأل نفسي سؤالاً استنكارياً: من قال أن المرأه السعودية ضعيفة! لكن كان هنالك طابع عام وهو البحث عن "الأول" في المحيط النسائي السعودي والسبق لمن تصل قبل مثيلاتها من النساء لهذا المجال أو ذاك المنصب، ودورنا كإعلاميات كان الإسراع لعمل لقاء معهن وإبرازهن بالشكل اللائق، وبمجرد الجلوس والحكي نكتشف أنها تعمل لذلك منذ سنوات، وأن هذا التصنيف بقدر مايشغل إحداهن بقدر ما تهمله الأخرى، وكأن هناك سباق محموم نحو هدف وغاية الوصول والحفاظ على المركز. وبالطبع هناك كثيرات ممن تعملن فقط للإنفاق على أولادها وتجنب العوز، إلا أن كلهن بالنسبة لي كصحفية كن سيدات يبحثن عن هدف ويسعين بكل ما أوتين من قوة لتحقيقه داخل منظومة من العادات والتقاليد يحاولن عدم إختراقها. إنهن نماذج من لحم ودم تستحق تسليط الضوء، وهذا ما أوصلهن الآن لتحقيق ما أردنه من مكاسب في مجالات عدة، وأعتقد سيصلن إلى أكثر مما كنا يتمنين خلال الفترة القادمة
عملت في مجلة سيدتي كصحفية ثم مسئول صفحات في مجلة روتانا وكلاهما يمكن أن يصنف تحت مظلة الصحافة النسائية حيث يغلب الاهتمام بالمرأة، فهل هناك خصائص لتلك الصحافة وتختلف المواد الصحفية والمعالجة الصحفية عن الصحف اليومية والمجلات الأخرى التي تخاطب جميع شرائح المجتمع؟
ليس اختلاف بقدر ما هو اهتمام،نحن إلى حد كبير نشبه مذيعي الأخبار نبحث عن الحدث الأقوى أو القضية التي نضعها كعناوين للمجلة، لجذب القاريء وجعله شغوفاً ومنتظر إصدار العدد الأسبوعي لقراءته، فالمجلات النسائية وحتى وقت قريب كانت تهتم بكل تفاصيل العمل النسوي وتسلط عليه الضوء دون الالتفات لمستوى أو طبقة تلك المرأة، حتى فيما يخص العمل الخيري والمتمثل في العديد من الجمعيات الخيرية التي تترأسها سيدات جديرات ولهن بصمة بارزة في هذا المجال، كان هناك جانب إنساني لا يمكن تجاهله، ربما مع خروج المرأة السعودية للعمل وانتهاء الكثير من معاناتها – التي كانت وقتها- أخذت الآن الصحافة التي تهتم بالشأن النسائي أو الأسري تتوسع في الموضوعات، وتعطي أولوية للموضوعات الغريبة والأحداث غير المألوفة التي فرضها علينا انفتاحنا على العالم، وأصبح عامل السرعة والتنافس مهم جدا لنشر مثل هذه الموضوعات، لذلك نجد العديد من المجلات الأسبوعية أو الشهرية أصبح لها مواقع الكترونية لمواكبة الحدث أول بأول .
ما العمل الذي تعكفين على إنجازه حالياً؟
حالياً تحت الطبع مجموعة قصصية تحمل عنوان "عاملة المنزل رقم 14 " تحكي من خلال 22 قصة قصيرة وفي لقطات، مواقف مليئة بالحياة وتعطى ضوء عليها لنراها بوضوح من مشاعرنا الإنسانية.
هل الكاتب دائما ما يعاني حتى يجد الفكرة أو العمل الذي يظهره للناس؟
أتذكر في فيلم "احلى الاوقات" حديث منه شلبي عندما كانت تصف احساسها كممثلة وكيف أنها ترى نفسها وكأن هناك كاميرا تراقب تحركاتها وتصورها طوال الوقت، وكأنها تحكي عن حال الكاتب أيضا، فأنا في حالة حوار دائم مع مجهول داخلي، يحكي وأنا استمع له، وأحكي له وهو يسمعني، وأحيانا كثيرة ما أقوله لهذا الصوت أو يرد علي به أجده أجمل بكثير مما أكتب. فدائما الكاتب يحركه شغفه بالكتابة وقد يخطأ ويصيب، فهو في حالة بحث دائم عن الأجمل والأنسب ليصف به إحساس شخصياته وتحركاتهم، الخير والشر عندما يتصارعان أمامه، وكيف يخبئونه تاره، ويظهرونه أخرى، تناقض الشخصيات التي تتراقص أمام عينيه، وهو يحاول أن ينقل ذلك بدهشه وحرفية. إن عالم الكتابه عالم مدهش وممتع وأي تعب أو إرهاق فيه دائما مقترن باللذة.