القاهرة 05 يونيو 2018 الساعة 11:07 ص
جيلان صلاح الدين
منذ عدة أيام قامت الدنيا ولم تقعد بسبب كليب نشره الفنان محمد رمضان متضمناً مشهداً محذوفاً من مسلسله "نسر الصعيد"، وبغض النظر عن المستوى الفني للمسلسل؛ فإن الكليب كان يتضمن مشهد ذي إيحاء جنسي صريح، ,وبتتبع الصورة الفنية celebrity image التي يريد رمضان أن يرسخها لنفسه في هذه المرحلة من مشواره الفني، يمكن اعتبار نشر المشهد جاء كأحد التوابع لمهرجان "أقوى كارت في مصر" والمستمد بدوره من مهرجان "إوعى تجيب ورا" للمدفعجية والذي ظهر فيه محمد رمضان كأيقونة للفن المغاير/ما بعد الحداثي المتمرد على جميع معايير وقيم الفن التي يتم ترشيحها ودعمها على أنها "الأفضل" مثل (الجمال - الأصالة - البساطة - الرقي) أتى مهرجان "أقوى كارت في مصر" بنفس نرجسية نجوم راب العصابات gangsta rap خاصة أيام أمجاده في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات؛ والذي نشأ على أيدي جماعة NWA أو Niggas with Attitude وهم جماعة الزنوج الوقحين وأشهر من غنوا موسيقى هيب هوب الشوارع التي تعبر عن حياتهم ولغتهم بلا مواراة أو خجل وأشهرهم آيس كيوب ودكتور دري وإيزي ايه؛ تستخدم نفس الألفاظ والمصطلحات وتصف حياتهم دون خجل أو تنصل من أفعالهم اليومية؛ فالجنس والعنف والمخدرات هي طقوس حياتهم.
ومع ظهور المهرجانات كفن شعبي يتحدث عن المهمشين، بعيد نسبياً عن الطرب الشعبي للمطرب ذي الصوت الرنان أو المقبول، أتت المهرجانات لا لتعتمد على حلاوة الصوت أو الطرب بقدر ما تعتمد على اندماج المستمع.
ومن نفس المنطقة بزغ نجم محمد رمضان كمؤسس لفن أتى من قلب أكثر الأماكن المظلمة، حتى في طريقته الغنائية واختياره للألفاظ، بدايةً من الأغاني المتماشية مع الأفلام مثل مهرجانات فيلم "قلب الأسد" و"عبده موتة" وغيرها، ونهايةً بمهرجان "أقوى كارت في مصر" والذي يمثل نفس الشاب المصري ربيب الحواري والشوارع الضيقة بعد أن فتح الله عليه ومنحه التفوق على أعدائه، وهي سمة أيضاً من سمات ثقافة الجانجستر راب، حيث هناك دوماً أطراف نزاع، ويبدأ المطرب في إثبات تفوقه على أعدائه والطريقة التي تخلص منهم بها، مما تحقق تماماً في "أقوى كارت في مصر" وربما هي المرة الأولى التي يصبح فيها مهرجان شهيراً بصورة ماينستريم وهو يحمل تلك النزعة الاستعراضية الاستعلائية على الأعداء، بينما كانت غالبية المهرجانات التي حققت شهرة واسعة هي تلك التي تتحدث عن الحبيبة أو علاقة المغني بالنساء "هاتي بوسة يا بت"، "مش هروح" "? ?"، أو حتى مهرجانات بتيمة تتحدث عن معاناة الانسان مع المغريات وضعفه أمامها مثل "العب يلا" أو "شفت نملة"، أو غدر الصحاب مثل "الصاحب الخسيس" أو "مافيش صاحب يتصاحب" حيث البكائيات هي الغالبة على سمة هذه المهرجانات، بينما مهرجان "أقوى كارت في مصر" يحمل تلك النغمة ال empowering التي يريد من خلالها محمد رمضان -والشركة المعلنة من ورائه بالطبع- توصيل صورة ذهنية جديدة تمحي الصورة القديمة للولد المكافح المثابر الذي يتحدى الصعاب بصياعة ولكن بتعلق بالأمل في أن يصبح يوماً أكبر من أولئك الذين آذوه، أما الآن، فهو الملك الذي تربع على القمة، والذي يزداد قوةَ وثقة يوم بعد يوم، مما يجعل لهجته في مخاطبة الأعداء أكثر حدة وربما أيضاً وقاحة؛ في مهرجان "أنا أصلاً جن" من فيلم "قلب الأسد" والذي أثار الجدل حينذاك، يهدد رمضان ويتوعد أعداءه بطريقة من يعرف نفسه على الساحة؛ أما في "أقوى كارت في مصر" فهو يهدد بطريقة من وصل للقمة وينظر ?عدائه من علٍ، وملخص غنائه Here I am, deal with me.
طوال مشوار من إثارة الجدل ومضايقة الباحثين عن الأصالة والفن القيِّم، خرجت المهرجانات كفن شوارعي أصيل يتحدى التصنيف؛ لا يعتمد على الطرب الشعبي الغارق في البكائيات والمشاعر الفياضة الممتزجة بحنجرة ذهبية لمطرب بداية من أحمد عدوية ومن بعده حسن الأسمر وانتهاء إلى أحمد شيبة أو عبد الباسط حمودة أو حتى محمود الليثي، وإنما تتحدى التصنيف بموسيقى لا تحمل جماليات الفن المعتادة بتيمة مابعد حداثية متمردة، مستمدة اعتزاز فن الهيب هوب والراب الأجنبي بذوات مطربيه، وقصص صعودهم من القاع للقمة rags to riches ، ومن هنا أتت المبالغة الاحتفائية بالمظهر والثراء بعد سنوات من الفقر والحرمان؛ في مهرجان محمد رمضان الأخير ومن خلال تصرفاته، يكرس النجم المشاغب لصورة ابن القاع الوقح الذي وصل للقمة ولم ينفض عنه غبار أيام الحارة والصياعة، وإنما تحدى توقعات المحيطين به و بلغة الشارع "حط عليهم". كان اللوك الذي ظهر به محمد رمضان مستوحى من موضة مطربي الهيب هوب متأثراً بنجوم هيب هوب التسعينيات وأشهرهم بي ديدي (شون كومز) خاصة في ارتداء الملابس التي تنم عن الثراء الفاحش والبهرجة المبالغ فيها من ارتداء السلاسل الذهبية الثقيلة والتي تحمل عادةً اسم المطرب عليها مما ينم أكثر عن الافتخار، مما أطلق هو عليها روعة الستايل الجيتو؛ القادم من حواري وأزقة الأفروأمريكيين بعد أن يطالهم الثراء. صعود محمد رمضان وموسيقى المهرجانات مرتبط تماماً بنفس فكرة صعود هؤلاء الأفروأمريكيون بملابسهم المبهرجة وغنائهم المحشو بتلميحات جنسية وبعض الجرأة المستمدة من طبقتهم الاجتماعية وطبيعتهم الحياتية، مما جعل قبول محمد رمضان شبه مستحيل، خاصة في أوساط الطبقة المتوسطة المحافظة، بينما انقسمت الطبقتين المنفصلتين المتصلتين المتبقيتين حوله؛ الطبقة المخملية تعتبره آخر صيحات الموضة وكوول للغاية، بينما ترى فيه الطبقة المطحونة مثلاً أعلى وحلماً يتمنى معظم أبنائها لو حققوا ربع ما وصل إليه.
الحديث عن المهرجانات لا يمكن أن ينفصل عن محمد رمضان، وبعيداً عن أوكا وأورتيجا نفسيهما كظاهرة شديدة الشهرة والانتشار ربما تعبر بشكل أعم عن المهرجانات بعد أن تم كسوتها بقشرة التهذيب المجتمعي (ما إلعب يلا إلا مهرجان نصحي وإرشادي من ناحية المحتوى، حتى مع الموسيقى الراقصة) لكن محمد رمضان بالذات ومن خلال مهرجانه الأخير صنع صورة وربما ?ول مرة في تاريخ الأيقونة الشهيرة المصرية من خلال البلطجي الوقح الذي تنعم بالثراء فأصبح يواجه المجتمع بثقة لا بت "تعلُّق برضا ربنا" كما كانت النبرة في أغانيه الأولى. ولا يمكن إغفال هذا المهرجان ومن بعده صورة رمضان الأخيرة سواء من خلال مسلسله أو إعلان شبكة المحمول الثاني، إذا كنا نريد أن نلحق بركب الموجة الفنية القادمة والتي سيصبح محمد رمضان -أو نتاج آخر لتغيُّر الثقافة الشعبية للمرحلة- بطلها الأشهر والأكثر تأثيراً على عقلية الجماهير المستهدفة فيها.