القاهرة 29 مايو 2018 الساعة 11:45 ص
كتب ـ أحمد مصطفى الغـر | مجلة مصر المحروسة
فضائح متعددة، تحرش جنسي بكاتبات وشاعرات منذ زمن طويل بواسطة شخصية ثقافية معروفة في السويد، وفساد إداري ومالي، ومحاولات كسب بمشروعية وغير مشروعية، جراء تعامل الشخصية نفسها مع الأكاديمية السويدية للفنون، في تنظيم احتفالات ومناسبات بمبالغ مالية ضخمة، وكانت المحصلة النهائية ـ للأسف ـ إلغاء جائزة نوبل للآداب هذا العام. ومسألة الانتقادات المصاحبة لجائزة نوبل هى أمور قديمة متجددة في كل عام، مع اقتراب موعد إعلان الفائز، فآلية الاختيار لا تخضع للإبداع فقط، ولكن تصاحب الاختيارات أسرار أخرى، من بينها بكل تأكيد، مسائل سياسية وجغرافية، هذا بخلاف التذوق الشخصي للمحكمين من أعضاء الأكاديمية، وقد كان صادماً بما فيه الكفاية أن تمنح الجائزة لشاعر الأغاني والمغني الأمريكي "بوب ديلان"، وقيل حينها أن اللجنة قد كسرت القوالب المعهودة لمنح الجائزة، فللمرة الأولى يحصل على الجائزة كاتب أغان غير تقليدي، بل يمثل ثقافة الرفض، وهذا ربما يتعارض مع الرؤية المحافظة للشعر، والفن عموما.
قد يكون استغلال السلطة والنفوذ والعلاقات، هي أشياء رائجة في كل المجتمعات سواء كانت متحضرة أومتخلفة، لكن انكشاف الفضيحة التي هزت الأكاديمية السويدية للفنون جاء في سياق حملة "#أنا_أيضاً" التي اجتاحت العالم مؤخراً، حيث أن الاعتداءات الجنسية المزعومة حدثت في الفترة بين عامي 1996 و2017 وأن بعض تلك الممارسات حدثت في شقتين تعود ملكيتهما إلى الأكاديمية السويدية. حيث أن عدداً من النساء اللواتي شهدن في تقرير نشرته صحيفة "داغنز نيهيتر" أقررن بتعرضهن للاعتداء، من بين هؤلاء الروائية المعروفة "غابرييلا هاوكنسون"، المولودة عام 1968م، التي تُرجمت أعمالها إلى عدّة لغات، ومن أهم أعمالها ثلاثية «وريث آلديرمان»، «معبد الهراطقة» و«رجل الدماغ»، وكذلك فعلت الروائية والناقدة "إليز كارلسون"، والتي من أشهر أعمالها روايتها الأولى «فلي»، و«الكوكب الوحيد»، وأيضا الكاتبة والصحافية "لينا تين هوبين"، المولودة عام 1972م، والتي عملت في عدد من الصحف السويدية الكبرى، وعلى إثر ما حدث فإن قوانين الأكاديمية، قد تم تعديلها بقرار ملكي بعد تلك الفضيحة، حيث بات من المسموح به أن يتقدم الأعضاء باستقالاتهم، والتي كانت ممنوعة تماما، وبالفعل تمت استقالة عدد من شاغلي المقاعد، بمن فيهم الشاعرة "تارينا فورستنسون" زوجة المصور الفرنسي "جان كلود آرنو"، والذي ثار بسببه كل هذا اللغط، حيث لم يكتف المصور الفرنسي بمغازلة النساء والتحرش بهن، حيث تجاوز حدوده حين استخدم أسرار زوجته واستخدم أسماء الفائزين بجائزة نوبل قبل الإعلان عنها في مقامرات عبر الإنترنت من أجل مبالغ مالية كبيرة. هذا بخلاف أنه في أواخر أبريل 2018م، تحرش "جان كلود آرنو" بالأميرة فكتوريا، خلال مناسبة في دار الأكاديمية في جزيرة ديورغوردن وسط ستوكهولم.
يندر جدا إلغاء أو تأجيل منح جوائز نوبل، وآخر مرة أُلغيت فيها جائزة الآدب كانت في عام 1943م وذلك في ذروة الحرب العالمية الثانية، ويذكر أن إعلان موعد منح الجائزة يكون عادة في النصف الأول من أكتوبر تزامنا مع إعلان الفائزين في المجالات الأخرى. عموماً فمؤسسة نوبل المسؤولة عن تنفيذ وصية مخترع الديناميت "ألفريد نوبل"، قالت ان الأزمة التي عصفت بالأكاديمية قد أثرت سلباً على سمعة جائزة نوبل، فالنخبة الثقافية الموجودة في الأكاديمية السويدية تحظى باحترام يصل إلى حدّ التبجيل في السويد وفي العالم، منذ أن تأسست الأكاديمية عام 1786م على يد الملك غوستاف الثالث الذي كتب بنفسه جزءاً كبيراً من دستورها، وقد بلغت شهرة الأكاديمية الآفاق اعتباراً من عام 1900م حين أضيفت إلى مهامها مسؤولية منح جائزة نوبل للآداب كل عام، لكن نخبة "الثمانية عشر"، كما يسمّونهم في السويد، فقد جزءاّ كبيراً من هذا التبجيل عقب الفضيحة الأخيرة، وعلى إثره تأجلت جائزة هذا العام للعام القادم، وقد جادل بعض أعضاء الأكاديمية بأن الجائزة يجب أن تستمر لحماية التقاليد، لكن آخرين قالوا إن المؤسسة ليست مؤهلة في وضعها الحالي لمنح الجائزة. لكن بأي حال ومهما صاحب هذا التأجيل من لغط، فإن جائزة نوبل ستظل هى جائزة نوبل، ولا يوجد كاتباً مهما نال من شهرة أو مجد، لا يحلم بالحصول عليها، حتى الكاتب الياباني الأشهر "هاروكي موراكامي"، صاحب رواية "كافكا على الشاطئ"، وغيرها من الأعمال الكبرى، وبالرغم من كونه ليس في حاجة للجائزة المادية التي تصاحب الجائزة، أو حتى الشهرة التي تجلبها لصاحب الحظ السعيد المتوج بها، كونه سيصبح ذي اسم أكثر سطوعا ورهبة، لكن سيظل من يحمل الجائزة يحظى بما يعد اعترافاً دولياً و تقديراً تاريخياً لإبداعه، لكن لا تتعلق مسألة إختيار الفائز بنص معين، وإنما بتاريخ الكاتب و سيرة وطبيعة كتاباته، وهو ما يجعل الأمر لا يتعلق بإبداع بعينه للكاتب فحسب، وإلا لحصل عليها "هاروكي موراكامي" و"ميلان كونديرا" منذ سنوات.