القاهرة 15 مايو 2018 الساعة 10:55 ص
ريم أبو الفضل
انطلاقًا من هموم الإنسان وآماله وآلامه..وعلى لوحة من الوجع يرسم لنا "جمال عبد الرحيم" تشكيلا إنسانيا من العلاقات الاجتماعية التي بُنيت على أبعاد سياسية واقتصادية وتغيرات مسّت المجتمع العربي.
كانت البداية من عنوان مجموعته وغلافها حيث"الجنرال الأخير" رجلٌ هرمٌ يجلس على كرسي السلطة، في يديه آثار دماء، وخلفيته كانت لجمع من النياشين والأوسمة.
من الغلاف والعنوان والإهداء للسائرين في طريق البحث عن الحقيقة رغم الآلام علِم القارئ أن سيكون بصحبة كاتب يلج به إلى عوالم تسودها ألوان من المعاناة، وصنوف من التمييز
يبدأ نصوصه بأبيات شعر لشاعر ثوري مثل "أحمد مطر"، أو مقولة لفيسلوف أو أديب ك "جان جاك روسو" اعتبرها الكاتب محاكاة للنص أو تقديم لمغزى النص.
لم يستطع الكاتب أن يواري سوأة السياسة التي تلقي بظلالها على أغلب نصوص المجموعة، تلك الرؤية التي تجلّت في أول نص "الصمت" في دلالة رمزية لفقد النطق حيث في تماس لرواية "العمى" ل"جوزيه ساراماجو".
يقول الكاتب..
"أحاول النطق أو على الأقل إقناع نفسي بأنها حالة مؤقتة وستزول حتمًا، لكن الشواهد كلها من حولي تقتل ذلك الأمل بلا رحمة"
جملة ذات بعد دلالي يقصد إليه الكاتب متخذًا من الحالة المرضية رمزا لانطلاق مقصوده الأعمق من حالة الخرس العضوية
ولا يجد حلا أو نهاية لقصته ذات الحالة الخاصة جدا إلا أن يقول
"أشعر بالإرهاق، سأتجه إلى فراشي لنيل قسط من الراحة، فغدا يوم آخر"
اعتبر "جمال عبد الرحيم" أن المهمشين ليسوا هامشا على صفحة الحياة كما كان يعتبرهم "جاك دريدا" و"جوليا كرستيفا" و"بيير بورديو" وغيرهم ممن كانوا يبحثون في صور التمييز والإقصاء والتهميش
فكما عنى "دريدا" بالمهمشين كمدخل لفهم ثقافة المجتمع وبحث "فوكو" في المرضى والمختلين عقليا كعناصر منعزلة
تناول "جمال عبد الرحيم" في نصوص مثل "السادة والعبيد" و"البريء" تراكم الظلم المجتمعي حيث رغبة البطل في الانتقام الناتج من قمعه، وتطرق إلى الإعلام الموّجه الذي يسيطر على عقول البسطاء الذي كان الجندي إحدى ضحاياه بشكل غير مباشر، كما غاص في أسباب العور المجتمعي الذي يخرج لنا إرهابا وتطرفا في نص "المعتقل" والعنصرية والتمييز في نص "انفصال"
ورغم تبني الكاتب للمتعبين والضعفاء في صورٍ مشهدية، وقصص بالغة الإنسانية إلا أن الكاتب لم يتطرق لليأس رغم سوداوية المشهد والأبطال الذين انحاز لهم في نص "الجنرال الأخير" حيث الإسقاط على واقعنا كانت النهاية كما تشبه الفانتازيا حين يتخلص العالم من الطغاة ، فلم تكن فكرة النهاية إلا مخرج أو حل لواقع مأزوم
وفي نهاية مقابلة ومغايرة لاستمرار الظلم في نص "الذئب" حيث مجتمع مُصغر يقبل بذاك الظلم والتمييز
ووسط كم الواقعية النقدية كانت للإنسانية والمشاعر حيزًا حيث النستالوجيا ووصف لمشاعر الفقد بلغة شاعرية رقيقة في نص "اغتيال عشق" كما كان اقتناص لقطة الموت للعابرين في حياتنا بارعا في نص "نعمة"
وكمن يضع يده على مواطن الوجع في المجتمع من شخوص وأحداث ولقطات حيث يرى الكاتب أن الثورة ليست فقط انحيازا للبسطاء بل هي ثورة على الفكر الخرِب فأشار للخرافة التي تسيطر على القرية من خلال نص "بنت الوكيل" في سرد شيق جاذب
على المستوى الفني واللغوي نجح الكاتب في رسم الشخصيات والأحداث والصور المشهدية التي تزخر بها المجموعة وخاصة الحياة المقهورة لهؤلاء المنهزمين متتبعا تفاصيلها دون خلل بعنصر التكثيف اللغوي.
فجمع بين اللغة القصصية التي تقوم على التكثيف الدلالي والحكائي مع توظيف ضمير الغائب واستخدام الراوي العليم الذي وظفه بشكل يناسب طبيعة القص والحدث.
عندما يبني الكاتب عالمه القصصي عليه أن يهدم بمعوله أو قلمه حائط الخوف من السلطة أو عسسها في محاولة لتغيير ولو بنقل الواقع ورصد فكرة الثورة والتحرر من الأقلام الموالية، فيخوض نزالًا لا ينتهي غالبا بانتصاره، ولكن بنقطة حبر تُحسب للحق والعدل والحرية..
هكذا كانت مجموعة" الجنرال الأخير" تغرد خارج السرب رغم طلقات الخرطوش التي تترصد الطيور الحرّة.