القاهرة 08 مايو 2018 الساعة 11:29 ص
د. رمضان سيف الدين
إن أقوى ضربة تصيبك هى التى تصيب ملكات الروح فى مقتل, وأقوى ملكات الروح على الإطلاق هى ملكة الذوق العام , وليس الذوق العام كلمة نطلقها
على عواهنها دون أن نعرف مكوناتها , وفى أى الاشياء تتبدى وتتضح, إن الذوق العام صفة نطلقها ككل على التصرفات التى تحمل فى طياتها سمة من
سمات الجمال , وقدراً من اللباقة وحسن التصرف , ومراعاة الاَخرين فى حقوقهم البسيطة , ولك كما عليك , وأنا مثل غيرى ,ولا فرق بين الكل , وحسن اختيار العبارات , ورونق جمال النظرات دونما تتبع للعورات , وأماطة الأذى أمام الذات , وإفساح المجال للأخذ والرد فى العبارات دون امتهان للحرمات , والاعتراف بحق الأخرين فى الحياة وفى الكلام وفى الرد والتعقيب , ومراعاة مشاعر الأخرين , ولفت النظر دائما الى الجمال دون لفت النظر الى العيوب , والقيام للكبار وإماطة الأذى من الطرقات وافتراض حسن النيات.,والسكوت حين يكون الصمت أبلغ من الكلام , والتكلم حين يكون الكلام حق تبنى عليه حقوق ,والصمت عن كلام لا دليل عليه , والكلام على دليل يقود إلى جرم , والبحث والتنقيب عن اٌيات الجمال فى الكون , وجمال التكوين , وكيفية تكوين الجمال , والبحث عن المميزات ووضعها كبديل عن العيوب والخروقات , ووضع الحلول للمتعبين دونما تعقيد , وتغيير أوضاع المتعبين , والنظر فى أمر الحيارى والتائهين , والبحث عن الأحرار وأهل الحق , ومصادقة الرجال , والترفع عن الدنايا , ومواجهة الرزايا بثبات , والوفاء لأهل الحقوق , والاعتراف بالحق كفضيلة يعود إليها أولى النهى . والإنابة والإثابة , وكرم النفوس قبل كرم الفلوس , والترفق بالصغار , والتراحم مع الكبار ........إلخ ذلك بعضا من كل من الذوق العام
هذا الذوق العام تفنن فيه من تفنن وجادت علينا قريحته بأن يفرض على أولادنا الصغار فى المدارس أغنية هى من أغانى الحروب ,وموضعها ومكانها جبهات القتال وليس طابور الصباح على الإطلاق فهى لا تُعنى بصفة ولا تعُنى بقيمة ولا تعٌنى بصوت ولا بصورة ولا هى حدث ولا هى صورة فنية ولا هى صورة سريالية ولا أشعار عذبة ولا أبيات مقفاه إنما هى ضرب من ضروب التفنن فى إعلا ء وشحذ الهمة لموقف بعينه فإذا انتهى الموقف ,انتهت هذه الترهات , نعم هذه ترهات لا تمت الى الواقع الذى نعيشه بصلة , ولا تساهم فى إذكاء حرب أو إشعال نفس أو توهج حالة فنية إنما هى (جعورة أطلقها حنجورى فى لحظة من لحظات النزال )ليس لغيره أن يحولها إلى حالة ثابتة تدوم دائما أمام الكل وعلى الكل أن يخضع لها ويسمع ويطيع.
إن إنزال مثل هذه الصورة من أقداسها إلى مراتع الطفولة هو افتتاء ليس هذا موضعه وتجريم على إثر تجريف مهاد الطفولة الناعمة والتى هى ميدان تكوين الذوق العام , ففى الطفولة تتشكل الخطوط العريضة للذوق العام , وإذا بخط عريض يقضم كل هذه الخطوط ويأتى عليها طولاً وعرضاً فلا أنت تستطيع أن تبنى خطوطا للذوق العام ولا أنت تستطيع أن تضع بذرة حية من بذور الذوق العام , أو تصوراً جمالياًمن جماليات الروح العذبة التى تريد أن تتغذى منها المجتمعات فى المستقبل , إذ كيف لطفل يتعلم لضم الحروف الى الحروف أن يتصور موقعة نزالية وبعد لم يتصور حرفا من حرفها أو فهما من مفاهيمها , أننا نزج بأبنائنا الى آتون تدمير بنية الذوق العام ودفعهم دفعاً الى مصاف المفسدين بالذوق العام, مثلهم مثل (أديك فى الجركن تركن )وأديك فى السقف تمحر )أنها ذوقيات خربة لا تحسن وضع الشىء فى موضعه ولا تحسن تقدير الجمال وتصوره , بل لا تحسن بناءه فى نفوس الصغار أجل وأعظم من أن يوضع فيها ترهات كهذه الترهات الصباحية
0 هل يمكنك أن تنقل نفوس الأطفال إلى جبهات القتال كما نقلت جبهة القتال إلى طابور الصباح , إنك إن فعلت ذلك بدأت فى صناعة عنف صغير غير مرشد لا يلبث أن ينطلق فى وجه من صنعه حين يكبر فبدلا من زراعة بذور الجمال وضعت فى قلوب الصغار خيول الوهم ترتع فى الخيال الخصب فدمرت الخيال والجمال والذوق العام ..والى الله المشتكى