القاهرة 08 مايو 2018 الساعة 11:11 ص
أجرى الحوار: فلورانس أوسينو - مركز Adwise
ترجمة: لطفي السيد منصور
جيل ليبوفتسكي، أحد أشهر علماء النفس والاجتماع الفرنسيين، ينظر لفلسفة ومجتمع ما بعد الحداثة برؤى وأفكار وتساؤلات ولقاءات مباشرة معه ، هو فيلسوف التفصيلات الصغيرة في الدلالة على الطبقة الإنسانية ومدى التغير في الوجود الإنساني لجهة الميول والرغبات والبناء الاجتماعي والتحول في كل الأفكارالصلبة والمستقرة.
هو المنشغل بالأمور الاجتماعية وبالنزعة الفردية ونزعات الموضة والاستهلاك المفرط في المجتمع الرأسمالي وتجليات تعوق مسيرة الديمقراطية تجسيداً للفراغ مع تزايد مفرط لحرية الأفراد وفقدان السيطرة على السيطرة نفسها، الى عالم "المرأة الثالثة" والماركات الصناعية المتجددة و"السعادة المفارقة".
فيلسوف لم يتوقف عن البحث عن تصورات جديدة لها علاقة بالثقافة والفكر والجماليات وفي خصائل الثقافة التي تنتجها الوسائط المدنية في مرحلة جديدة من الرأسمالية يسميها مرحلة الاستهلاك العالي أو مجتمعات الإفراط في الاستهلاك.
* بوصفك فيلسوًفا وعالم اجتماع صدر لك منذ فترة وجيزة كتاب "الإعجاب والتأثير" حول مجتمع الإغواء عن دار نشر "جاليمار". لقد تم امتهان الإغواء لآلاف السنين، ما الذي تغير؟
- تبدو الرغبة في الجاذبية وسلوكيات الإغواء (الحُلي، مستحضرات التجميل، الهدايا، غمزات العين، التدلل) في نواح عديدة متواصلة، منذ تكاثر الأنواع جنسيًّا. ومع ذلك، فإن الحداثة المفرطة الليبرالية تشير إلى انقطاع كبير في هذا التاريخ ذي آلاف السنين، حيث الكثير يفرض على مجتمعاتنا تعميم روح الإغواء وسيادة آلياته. نحن هنا للمرة الأولى في مجتمع الإغواء، حيث يتم تعميم قاعدة "الإعجاب والتأثير". لماذا؟ لعدة أسباب: أولاً، نحن في مجتمع استهلاكي يعيد التركيز على الفرد، حيث يقل تركيز المستهلكين على الصورة التي يرسلونها -حتى لو كانوا لا يزالون قلة– من تلك التي يشعرون بها. لم يعد امتلاك كائن جميل هو ما يميزك، بل البحث عن المتعة والإحساس. يرغب المستهلكون في الحب؛ فعلاقتهم بالعالم علاقةٌ "عاطفية". العلاقة مع الآخرين قد تراجعت لصالح العلاقة مع الذات؛ إنه استهلاك أكثر "حميمية"؛ نريد أن نعيش "هنا والآن". ثم، يولِّد مجتمع الاستهلاك رأسمالية الإغواء التي تحافظ على هذه الديناميكية. وهذه الرأسمالية لا تملك الاختيار. لأنه إذا كانت "الماركات" تنتج كما فعل "فورد" لتلبي طلبًا، فإن هذا "البراديم" قد انقلب الآن وهناك الكثير من العروض. يجب علينا الإغواء والجاذبية؛ لهذا السبب أدرجت هذه الرأسمالية في عملياتها ما يضطلع به الفن. نحن نرى ذلك جيدًا في العلاقات بين الفخامة والفن.
* كيف يعبر هذا الإغواء عن نفسه؟
- في الخمسينيات، كان الإغواء يمر من خلال الجدة والتقنية. في الوقت الحاضر، يمر من خلال التجريبي، الذي غزا جميع مجالات ثقافتنا: فنادق في وسط المدينة، متاجر لتصميم الأشياء، لاستخدام الحفلات الموسيقية الحية في إعداد المعلومات فيما يتعلق بالقنوات الإخبارية، كل شيء يجب أن يخلق صدى، اهتزازًا عاطفيًّا، وبكل بساطة وظيفيًّا. تقدم المتاحف مجسمات للمظاهر المعمارية، ومفرطة الإغواء (انظر متحف اللوفر أبو ظبي، وأوركسترا فيلهارموني، ومتحف جوجنهايم في بلباو، ومؤسسة لويس فويتون...) نحن بعيدون عن ناطحات السحاب الباردة، المجهولة والوظيفية لمدرسة شيكاغو. يتغلب العاطفي على العقلانية ويصبح أداة واجبة البيع.
* ماذا سيكون تأثير العلامات التجارية؟
- يصطدم مجتمع الإغواء بالعديد من التحديات: التحدي الإيكولوجي (البيئي) أولاً، بل وكذلك السياسي والثقافي. الأول سيكون مفتاحًا للعلامات التجارية. ولكن ما يعد له هو ارتباط الضرورة البيئية وضرورة الإغواء، خصوصًا أن مجتمع المنافسة المعولم لا يمكنه الهروب من إستراتيجيات الإغواء. من ناحية أخرى، من وجهة النظر السياسية وأيضًا الثقافية، لا يمكننا السماح لمجتمعنا أن ينسجم فقط مع الجاذبية والتأثير؛ لا يتم اختزال الحياة في ذلك. وليس بإمكان رأسمالية الإغواء أن تغير الأشياء في هذا المجال؛ من الضروري النظر إلى مؤسسات أخرى مثل المدرسة وأن يكون لها دور رئيسي تلعبه في التثقيف عند مرحلة معينة من النضج في مواجهة الاستهلاك والإغواء. هذا هو السبب في أنني أدافع عن "إغواء ثري"، "مُعَزَّز"، جميل ومثرٍ. كما يمكن تحدي العلامات التجارية التي توجه الذوق والتي يجب أن تؤدي دور المواطن.