القاهرة 01 مايو 2018 الساعة 08:38 ص
بقلم : د. هبة سعد الدين
كانت النقيصة الموجهة عادة للدراما التليفزيونية أنها بلا ذاكرة ، ولابد للكاتب؛ ليحصل على الخلود، عليه أن يذهب إلى السينما ، لكن تطور هذا الفن وظهور القنوات التليفزيونية المتخصصة فى عرضه أثبت أن الكاتب يمكن أن يحصل على الخلود من خلال أعمال تلفزيونية ناجحة؛ حيث ظهر تيار من الأعمال التليفزيونية التى تبحر بنا بعيداً عن المعتاد. وقد أثار المسلسل "الشارع اللى ورانا" تفاعل المشاهدين، ولفت انتباههم ما بين سخرية البعض من غموضه وإعجاب وتساؤلات البعض الآخر، واكتفى البعض أيضا بمتابعة صامتة عله يفهم بعد حين؛ بل تطور الأمر إلى شجارات على مواقع التواصل الاجتماعى انحيازاً للعمل أو هجوماً عليه.
كل هذا قد يعد جانباً من النجاح لمسلسل استطاع فى هذا الوقت إثارة كل هذا الجدال بين مشاهديه، لكننا بغض النظر عن ذلك أمام تجربة مختلفة ومتميزة تسعى لسطر ملامح متطورة للدراما التليفزيونية، فالتجربة هى العمل الأول المنفرد لكاتبه حاتم حافظ وعودة لمخرجه مجدى الهوارى بعد سنوات وأول بطولة لنجمته درة التى أكد الكاتب على دورها الكبير فى ظهور هذا العمل بجانب مخرجه الذى لم يبخل مادياً حتى يظهر العمل فى أبهى صورة.
عندما نرصد " الشارع اللي ورانا" ؛ نرى كافة مجالات الإبداع التى ظهرت بصورة مختلفة عما اعتدنا تليفزيونياً، فهذا الشكل الدرامى الذى يمزج مابين الزمان والمكان فى سرده من خلال سكان "البيت" من جانب، والحفاظ على إيقاع العمل من جانب آخر؛ حتى لا يفرط الغموض ولا يمنح الإيضاح بل يتبع اليسير على هامش المسافة بينهما ليمنحنا "المعرفة" بنفس القدر الذى قد تسمح به الحياة، وكأن توالى الحلقات فى حد ذاته قدراً مما أراده الكاتب وأدركه جيداً المخرج فظهرت كل حلقة كلوحة مليئة بالتفاصيل التى تكتمل بغيرها ولا تمنحك سوى التفكير فى كل منمناماتها الحوارية والتصويرية فى آن واحد .
هذه المرة نحن أمام عمل ملىء بالتفاصيل نظراً لجدية الفكرة التى يمكن تأويلها مابين الحلم الذى كان يلاحق "نادية" الشهيرة بدرة منذ الحلقة الأولى وقد يكون مساحة مابعد الموت لشخصيات اختلف زمانها ومكانها وجمع بينها محاولة المعرفة ؛ لكن ذلك جانب من المسلسل قد لا يلتفت له البعض أمام براعة العبارات التى تنطق بها الشخصيات وكيفية تجسيد ذلك من خلال ديكورات البيت واختيار اللقطات والزوايا والإضاءة وكافة العناصر التى تمتزج أمام الشاشة .
لقد اعتدنا الدراما التى تخبرنا بقصة واحدة أو عدة قصص قد تختلط بالتاريخ أو المكان أو ما وراءها بصورة ما خاصةً عندما يكون منبعها نصاً أدبياً ؛ لكننا فى "البيت اللى ورانا" نواجه لأول مرة دراما تليفزيونية تعزف على تفاصيل الصورة بكل أدواتها مستغلة كافة التطورات التكنولوجية، فالبيت الذى نراه يختلط علينا الأمر مابين تصديق وجوده أم أنه محض استخدام بارع لتكنولوجيا الصورة التى تبدو واضحة فى الجداريات التى تتغير لتتحول إلى شخصيات تخبرنا بالمزيد عن المسكوت عنه .
وتلك الإضاءة التى جعلت البيت كأنه شمس ينير ما حوله وداخله ليؤكد اللا زمان الذى تتحول أبجدية توقيته فى لحظة لمجرد غزل خيوط "ماما الهام" التى تغنى مع سكانه "الشمس طالعة" وكأن العزف على الشمس/النور/المعرفة جانب تتعدد صوره فى العمل .
لقد بحث المسلسل إخراجياً فى تفاصيل كل ماهو مكتوب لنرى حرباً فرنسية ومصر الستينيات والقاهرة الحديثة والقديمة والريفية فى جديلة حكايات لايمكن أن نكتفى بأنها فى إطار السيكو دراما كما أشار مؤلفها حاتم حافظ فى أحد حوارته ؛ لأننا هذه المرة أمام دراما وجوه متعددة تصلح للعديد من التأويلات وطرح الأفكار المجردة ونقاش ارتباطها بالموت والحياة من خلال حكايات شخصياتها ، الذى قد يكون سر التألق الذى ظهر به فنانى العمل حتى أن المشاهد قد ينسى اسماءهم ليتحولوا إلى ماما إلهام ونادية وشهاب ومريومة وثناء وأميرة .... الخ .
يثير هذا العمل الحوار حول الدراما التليفزيونية التى تطرق أبواباً جديدة من خلال تنوع سيطور من أدواتها ؛ لنتساءل هل يمكن أن يمثل هذا العمل نقطة تحول لنجد وجوهاً أخرى تطور وتبحث فى تفاصيل الصورة التليفزيونية مستغلة التكنولوجيا لنشاهد تجارب أخرى متميزة؟
فالكاتب الذى أبدع وجد كافة الأدوات التى أجادت تجسيد أدوارها من خلال مخرج أعاد اكتشاف تميزه فى عالم مختلف وأضاف له الكثير فحصد "الشارع اللى ورانا" شعار التألق للجميع .