القاهرة 22 مارس 2018 الساعة 12:33 ص
رانيا عبد العظيم
صدر حديثا كتاب "في بلاغة الحجاج، نحو مقاربة بلاغية حجاجية لتحليل الخطابات" للباحث المغربي محمد مشبال عن دار كنوز المعرفة ، حيث يشتغل الباحث على تحليل الخطاب بلاغيا، حيث يوضح محمد مشبال في هذا الكتاب أن التحليل البلاغي للنصوص يتكئ على أسس مرجعية متعددة، مثل بلاغة أرسطو، وإجراءات البلاغة الجديدة، والاجتهادات المعاصرة في مجال البحث الحجاجي. بل إن التحليل البلاغي عند الباحث لا يجد حرجا في الانفتاح على مختلف المفاهيم والإجراءات المنتمية إلى الحقول المعرفية المجاورة، مثل التداوليات وحوارية باختين؛ لأن هدف التحليل البلاغي (الحجاجي) يتمثل في إضاءة الأبعاد الحجاجية داخل النصوص، وكل ما ساعد على ذلك يمكن دمجه في إجراءات التحليل. ولعل هذا الفهم العملي الموسع للتحليل البلاغي قريب من مصطلح "العلم الكلي" الذي يسمي به حازم القرطاجني البلاغةَ، على أساس أن مقاربة الخطاب بتناول الجزئيات (التحليل اللساني أو الإيقاعي أو الدلالي ...) يعود في النهاية إلى المعرفة الكلية بالخطاب (البلاغة).
ويرى أنه حتى " وقت قريب كان استخدام هذا اللفظ المركب: "بلاغة الحجاج" أو "البلاغة الحجاجية"، من الأمور التي إنْ لم تُدرَكْ على وجهها الذي ينبغي إدراكها به، فإنها على الأقل لم تحظ بالاهتمام والتقدير اللذين تقتضيهما معرفة عميقة متجذرة في التاريخ ومرتبطة بشؤون الناس ومتشعبة في علوم ومعارف مختلفة: المنطق والفلسفة وعلم السياسة والسكولوجيا وعلم الأخلاق".
ويؤكد في مقدمة الكتاب أن ثمة وعي معاصر بتحليل الخطاب منذ بدايات التسعينات وليس قبل ذلك، ، حيث يقول :"على الرغم من ظهور كتابات انخرطت في بلاغة الحجاج قبل هذا التاريخ؛ منها محاولات كيبيدي فارغا(1970) ورولان بارت (1970) وكتاب مارك أنجينو (1982) وغيرها، لأنها تظل محاولات معزولة وغير مؤثرة، ولا يمكن أن تلفت النظر في سياق مفتون بالنظرية الأدبية وبمناهج النقد الأدبي التي بلغت ذروة تطورها في الستينات والسبعينات. وفي هذا السياق ينبغي أن نفهم لماذا أصرّت جماعة مو على تأسيس بلاغة جديدة (1970) غير عابئة بالبلاغة الجديدة الأخرى التي كان برلمان قد أعلن ميلادها الجديد قبل ذلك بأزيد من عقدين من الزمن (1958)؛ فلم يكن منظورها البلاغي المشبع بالأدب، ليساعدها على رؤية الأمور كما يجب أن تُرى؛ فبلاغة برلمان بالنسبة إليها لا تتعدى أن تكون سلاحا في الجدل، أنشأها صاحبها في سياق فلسفي اقتضى منه مناقضة تصور العقلانية التجريبية للحقيقة الذي قاد إلى إدانة البلاغة، وَوَضْعَ تصور عقلاني بديل يقوم على مفهوم الاحتمال لا اليقين؛ أما البلاغة الجديدة التي حملتها الجماعة على عاتقها، فإنها تندرج في سياق مختلف؛ إنه سياق النظرية الأدبية واللغة الشعرية والبحث عن بديل جديد للأسلوبية؛ فموضوع بلاغتها الجديدة الأدب أو الأدبية، وموضوع بلاغة الحجاج الجدل".
ويكشف في المقدمة عن وضع بلاغة الحجاج في الثقافة العربية – في هذه الفترة وقبلها – ويرى أنها مختلفة عن الوضع في الثقافة الأوروبية تحديدا، مع تباين واضح يتمثل في أن الثقافة العربية لم تتعرّف بلاغة الحجاج إلاّ مع الألفية الجديدة؛ أي بعد أن كانت قد ترسّخت وانتشرت في الثقافة الأوروبية، بل وتطورت تطورات مذهلة، بينما ظلت الكتابات البلاغية الحجاجية عندنا محصورة في فئة قليلة من الباحثين، ويكاد الدرس البلاغي المهيمن في المؤسسات التعليمية والبحثية درسا تقليديا يربط البلاغة بالأدب والحجاج بالمنطق. ولا حاجة للتذكير هنا بالمحاولة الرائدة لأمين الخولي التي سعى فيها إلى تجديد البلاغة، ولكن على حساب بلاغة الحجاج التي اقترنت في وعيه بالمنطق الذي أفسد البلاغة والذوق والقيم الجمالية الإنسانية.
ويؤكد أن الكتاب هو محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة في أفق تقديم البلاغة باعتبارها منهجا في تحليل النصوص الحجاجية انطلاقا من استراتيجياتها الخطابية التي عدّها أرسطو الوسائل الأساس لصناعة الحجاج؛ وهي استراتيجيات اللوجوس والإيتوس والباطوس التي حدّدنا بعض تقنياتها والوسائل التي تنبثق منها، مثلما ناقشنا بعض القضايا التي تثيرها على مستوى التحليل والتقييم في النصوص الحيّة المرتبطة بسياقاتها التواصلية.
ولصياغة هذه الأسئلة اخترنا أن نناقش في القسم الأول قضايا عامة ذات صلة ببلاغة الحجاج، سواء على مستوى تحديد مفهومها وعلاقاتها ببلاغة الأدب، أو على مستوى رصد جملة من المبادئ التأويلية التي تستخدمها بعض المقاربات البلاغية المقترحة لتحليل الخطابات والنصوص.