القاهرة 17 مارس 2018 الساعة 09:21 م
منى لملوم
لم تكن الرحلة تتضمن زيارة مكتبة الكونجرس (لمن لا يعرف فهي أكبر مكتبات العالم) كان من الصعب علي مغادرة واشنطن دون أن أمتع عيني وأشحن نفسي بطاقة المكان.
غدًا موعد الطائرة، ليس أمامي إذًا إلا مساء اليوم. في خطواتٍ متسارعة، ذهبنا إلى المبنى العريق نبحث عن مدخله حتى وصلنا إلى ذلك الخاص بالجمهور، لكنه كان مغلقًا. وقفت أمام الباب رافضة الرحيل، أخاطب العامل من خلف الباب المغلق أطالبه بالسماح لي بالدخول، لكنه ابتسم وهو يقول أن المكتبة تغلق في تمام الساعة السادسة، عبثًا حاولت إخباره أن الموقع الإلكتروني يذكر أن اليوم هو أحد الأيام الاستثنائية التي تفتح فيها المكتبة أبوابها حتى التاسعة.
جاءت فتاة أمريكية شقراء تريد هي الأخرى دخول المكتبة وفوجئت مثلي بأنها مغلقة، وحين همت بالرحيل استوقفها شكلي ونظراتي للمكتبة ووقوفي دون استجابة لكلامه، وحين عرفت أنني في زيارتي الأولى لواشنطن ولا أحد يعلم إن كانت ستتكرر أم لا، حاولت التخفيف عني لكنني كنت شبه متشبثة بالمكان!
لم أبدأ في التحرك إلا حين سمعت تلك الفكرة «يمكنك الحضور غدًا صباحًا قبل تحرك الطائرة»، هنا فقط ردت روحي إلي وتحول جنون الإصرار إلى اتزان الصبر.
بعد عودتي إلى الفندق، حزمت الحقائب وضبطت المنبه على الساعة السابعة، وفي الصباح تحركت بكل شغف إلى المكتبة التي تفتح أبوابها للجمهور في تمام الساعة التاسعة. يستغرق الطريق نصف ساعة ذهابًا ومثلها عودة، وتبلغ تكلفة الرحلة 40 دولارًا إذا استقللت سيارة أوبر، وكان موعد التحرك من الفندق إلى المطار في تمام العاشرة والنصف. لم يكن كل ذلك ليثنيني، وها أنا ذا أقف أمام مكتبة الكونجرس وها هي أبوابها مفتوحة لي هذه المرة. لا يمكنني وصف مدى تعاون ومحبة واحترام العاملين بالمكتبة، لن أنسى ملامح تلك السيدة ذات الشعر الأبيض؛ كانت قصيرة ونحيفة ودقيقة الملامح. سألتها عن مكتب الإهداءات، فتحركت معي وأشارت إلى الطريق وأخبرتني أنها ستكون في انتظاري بعد عودتي من هذا القسم لتجيب عن أي تساؤل آخر.
إذا دخلت مكتبة الكونجرس لا تنسَ أن تطلب كتابة كلمة عن زيارتك تُذيِّلها بتوقيعك في دفتر الزيارات. لا تحدث أصواتًا أو أ يإزعاج فلن ينتظر الجمهور عامل المكتبة لينبهك، بل سيكونون علي قلب رجل واحد لتبنيهك بأنفسهم. تأمَّل اللوحات الرائعة التي تزين المكتبة، وشاهد المسؤولة عن الجولة بالمكتبة وهي تشرح للأطفال الذين افترشوا الأرض جلوسًا ليسمعوا منها؛ كل الأطفال منتبهين، وبكامل تركيزهم، عيونهم مفتوحة وأفواههم أحيانًا.
إذا كنت باحثًا، لا تنسَ جلب ما يثبت ذلك حتى يتاح لك دخول القاعة المخصصة للباحثين فقط. قف أمام الزجاج لتشاهد المكتبة من أعلى، لا تنس التقاط صورٍ لكل ركن.
مع أن زيارتي للمكتبة لم تتعدَّ 20 دقيقة تقريبًا، فقد شاهدت كل ذلك والتقطت الصور أيضًا، وهذا يعني أني كنت أتحرك بسرعة شديدة حتى كاد قلبي يتوقف من سرعة الحركة والتنقل، وربما أزعجت طاقتي تلك أحد الأشخاص، لكن لم تسنح له الفرصة أن يعبر فاكتفى بنظرة مندهشة.
كان لابد قبل مغادرة المكان من التقاط الصور وأنا أنظر إلى المكتبة وأعطي ظهري للكونجرس، فأنا يشغلني المكتبات لا السياسات، ومع أن البيت الأبيض يحكم العالم والكونجرس يشرع له، يتبدل ساكنوه وتبقى المكتبة منارةً لا تتبدل.
عدت إلى الفندق في موعد المغادرة تمامًا، وطلبت حقائبي لمغادرة الفندق إلى ولايةٍ جديدة خضت فيها مغامرات أخرى، لكن هذه المرة، كانت مغامراجريئ تي ة بعض الشيء.