القاهرة 10 مارس 2018 الساعة 03:16 ص
أكرم مصطفى
إن سؤال " الديمقراطية" هو السؤال الرئيس لدى تيارات الإسلام السياسي، واستمرارا للملفات التي فتحتها مجلة " ذوات" الثقافية الإلكترونية والتي تصدرها مؤسسة " مؤمنون بلا حدود، وترأس تحريرها الكاتبة والصحفية المغربية سعيدة شريف، فإن المجلة في عددها الرابع والأربعين تحاول أن تجيب عن هذا السؤال، الذي صار يفرض نفسه على المجتمعات الحداثية، باعتبار الديمقراطية "منهجا لاتخاذ القرارات العامة من قبل الملزمين بها، ومنهجا ضروريا يقتضيه التعايش السلمي بين أفراد المجتمع وجماعاته، منهج يقوم على مبادئ ومؤسسات تمكّن الجماعة السياسية من إدارة أوجه الاختلاف في الآراء وتباين المصالح سلميًّا". لكن الديمقراطية لدى جماعات الإسلام السياسي، هي مؤشر على عطب حقيقي في البنية الفكرية لهذه الجماعات، التي تتباين مواقفها بين رافض لهذه القيم واعتبارها دخيلة على القيم الإسلامية، وبين متقبّل لها في جزئياتها الإجرائية دون الإيمان بمرجعياتها الفلسفية، الأمر الذي جعل هذه التيارات الإسلامية في صدام دائم مع متغيرات العصر، وفي مواجهة تحدي تحولاته الكبيرة والمتسارعة.
يُجمع الباحثون المتخصصون في تيارات الإسلام السياسي، على أن هذه الأخيرة تأسست في بداياتها على فكرة عداء الديمقراطية، وآمن دعاتها بمفاهيم عدت ركيزة أيديولوجية لها، مثل مفاهيم: الحاكمية وتطبيق الشريعة، وتقسيم العالم إلى دار إسلام ودار كفر، إضافة إلى مفهوم الشورى، الذي يرى فيه الإسلاميون نظام الحكم المتجاوز منذ المرحلة الأولى من "الخلافة الراشدة"، وهو مفهوم يعكس الرؤية السياسية لهذه التيارات، لهذا اعتبر مفهوما رديفا، تم اعتماده كتأصيل للعمل السياسي، مقابل مفهوم "الديمقراطية" الذي تطور في العالم الغربي.
ومع الثورات العربية ووصول بعض التيارات الإسلامية إلى السلطة في العالم العربي، وُضع الإسلام السياسي على المحك، وتم اختبار مفاهيمه وطريقة تدبيره للحكم، والتي أشرت عن استبداديتها، خاصة في التجربة المصرية مع حكم الإخوان المسلمين الذي لم يعمر طويلا، فقد كان الانتقال من البعد النظري والفكري لهذه التيارات، إلى مرحلة من التطبيق الفعلي، امتحانا عسيرا اصطدمت فيه هذه التيارات بواقع الممارسة السياسية والتحديات الكبرى التي تحيط بها، فأبانت عن افتقارها لرؤية واضحة للدولة، التي تعني مشروعا متكاملاً للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، يستلزم إعادة التوازن بين المؤسسات السياسية والسيادية وعلاقتها بالمجتمع وبالمواطن.
وللتقرب أكثر من الموضوع والكشف عن مفهوم الديمقراطية في علاقته بالإسلام السياسي، ورصد التحولات السياسية والفكرية التي عايشها هذا التيار، نقوم في ملف العدد (44) من مجلة "ذوات"، الصادرة عن مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، والمخصص لموضوع "الإسلام السياسي وسؤال الديمقراطية"، تقديم قراءة نقدية في المرجعية الفكرية للتيارات الإسلامية من هذا المفهوم، خاصة في المرحلة الأخيرة، والتي شكلت محكا رئيسا لها، والكشف عن العلاقة التي تجتمع لدى هذه التيارات بين مجال الدعوة ومجال السياسة، والتي توضح إلى أيّ مدى يمكن لتلك التيارات أن تكون ديمقراطية؟!
ويتضمن ملف العدد (44) من مجلة "ذوات"، الذي أعدّه الباحث المغربي في علم الاجتماع، محمد قنفودي، مقالا تقديميا له بعنوان " الإسلام السياسي: بين الاختيارات المرجعية والمواقف السياسية"، وأربعة مقالات لباحثين عرب، هي: "الإسلام السياسي: أصوله النظرية وتجلّياته الراهنة" للباحث المغربي في العلوم السياسية وحقوق الإنسان، عبد الرحمان علال، و"الإسلام السياسي وتدبير العلاقة مع التيارات السياسية- تقييم حالة-" للباحث المصري في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد زغلول شلاطة، و"جدلية العقدي والسياسي في خطاب الحركات الإسلامية المغربية" للباحث المغربي في العلوم السياسية والقانون الدستوري عبد الإله سطي، ثم مقالة مترجمة للباحث المصرية سناء عبد العزيز تحت عنوان "الوجوه المتعددة للإسلام"، وهي للدكتور محمد أيوب الأستاذ البارز في العلاقات الدولية وإدارة العلوم السياسية بجامعة ميشيجان، ومنسق برنامج الدراسات الإسلامية في الجامعة نفسها. أما حوار الملف، فهو مع الباحث والكاتب المغربي سعيد ناشيد، الذي أغنى الملف بعدد من الأفكار والرؤى الدالة والمرتبطة بعدد من قضايا الإسلام السياسي، ارتبط أغلبها بجذور المفهوم وأصوله، وأهم المحطات التي عايشها هذا التيار على مرّ تاريخه، وأيضا بنيته المرجعية وكيف يمكن قراءة موقفه من مفهوم الديمقراطية، ثم معضلة الفصل بين الدعوي والسياسي، فضلا عن تدبير العلاقة مع الفرقاء السياسيين وتصدير خطاب المظلومية.
وبالإضافة إلى الملف، يتضمن العدد (44) من مجلة "ذوات" أبوابا أخرى، منها باب "رأي ذوات"، ويضم ثلاثة مقالات: "الوجود بين سلطة الحقيقة وتعديم الوعي" للكاتب والباحث السوري عماد صحناوي، و"انتحار المبدع: جدل الرفض والانكسار!!" للكاتب والإعلامي الأردني مفلح العدوان، و"ابن خلدون مخاطباً ساسة تونس تحت قبّة البرلمان" للباحث التونسي يوسف رحايمي؛ ويشتمل باب "ثقافة وفنون" على مقالين: الأول للكاتبة والباحث العراقية نادية هنادي سعدون بعنوان "ضغط اللحظة الدّاخلي في بناء القصة القصيرة - قراءة في مجموعتي: "إغماض العينين" و"حامل المظلة" للقاص لؤي حمزة عباس"، والثاني للباحث والأكاديمي المغربي الحسن الغشتول، بعنوان " نظرات في إنسانية الفكر وكونية الإبداع عند المبدعة زهرة زيراوي".
ويقدم باب "حوار ذوات" حوارا مع الشاعر السّوري الكردي إبراهيم اليوسف. الحوار أنجزته الشاعرة والإعلامية السورية الكردية سامية لاوند. أما "بورتريه ذوات" لهذا العدد، فقد خصصناه للفنان والتشكيلي العراقي ضياء العزاوي، الذي يمثل حالة فنية فريدة في العالم العربي، تتجلى في منجزه الفني التشكيلي الغنيّ والمتنوع، وهو ما جعل منه فنّانا استثنائيا، جسّد بأعماله وتجاربه الفنية أبلغ تجسيد لما يمكن تسميته "هوية تشكيلية عربية مميزة"، لا يمكن للعين أن تخطئ في التعرف عليها. البورتريه من إنجاز الفنان الأردني هاني حوراني.
وفي باب "سؤال ذوات"، يطرح الإعلامي والكاتب التونسي عيسى جابلي سؤال: هل انتهى تنظيم "داعش" الإرهابي؟ على مجموعة من الكتاب العرب، وفي "باب تربية وتعليم" يقدم الكاتب والباحث المغربي محمد الإدريسي، مقالا حول "في الحاجة إلى مشروع شخصي للتلميذ: ملامح من التعاطي السّوسيولوجي مع المفهوم"، فيما يقدم الكاتب والباحث الأردني عارف عادل مرشد قراءة في كتاب "الاحتلال وإعادة بناء الدولة: دراسة مقارنة لحالات اليابان وأفغانستان والعراق" للكاتب والباحث المصري محمد فايز فرحات، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، وذلك في باب "كتب"، والذي يتضمن أيضاً تقديماً لبعض الإصدارات الجديدة لمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، إضافة إلى لغة الأرقام، التي تعرض فيها أهم خلاصات تقرير مؤشر الديمقراطية بالعالم لعام 2017، الذي قدمته منظمة "فريدوم هاوس" الأمريكية، وعبرت فيه عن قلقها من تراجع الديمقراطية في الكثير من الدول عبر العالم.