القاهرة 06 مارس 2018 الساعة 12:11 م
د. مهدي الزرعوني ـ اليمن
برتولوتشى، ترك الشعر من أجل السينما
برتولوتشى، أدان حرب أمريكا على فيتنام
برتولوتشي هو مخرج سينمائي إيطالي تميز بأسلوب سينمائي فريد ربما أهله له كونه شاعرا كاد أن يترك الشعر من أجل كتابة الرواية ، لكنه اختار السينما، ليقوم بسرد الحكايات عبر الكاميرا وزوايا التصوير بدلا من أن يسردها بالكلمات المكتوبة.
ويمثل المكان أحد المكونات الفنية التي تميز أفلامه، حيث يوظفه، ليحمل دلالات فكرية ووعي سياسي قادر على إدهاش المشاهد، حيث يوظف برتولوتشي في أفلامه الموسيقى والغناء والمكان، الذي تتحرك فيه الكاميرا التي غالبا ما تكون في حركة مستمرة، وذات حضور متواصل لا يهدأ، إضافة إلى استخدامه التعبيري للألوان وأسلوبه السردي الذي يتلاعب بالزمن في سبيل خلق حاضر شبيه بالحلم.
ولد برناردو برتولوتشي في 16 مارس 1940م، في مدينة بارما بإيطاليا،، وهو إبن الشاعر والناقد السينمائي وأستاذ تأريخ الفن أتيليو بيرتولوتشي، مارس كتابة الشعر منذ صباه وقد ازداد ولعًا بالسينما مع انتقاله إلى روما واستقراره فيها أواخر الخمسينيات، وسعى إلى الإنخراط عمليًّا في هذا العالم الذي سحره، وبحصوله على كاميرا 16 ملي راح يصوِّر أفلامه القصيرة.
إبتدأ بيرناردو كتابة الشعر منذ طفولته، وكان نشر قصائده الأولى في الدوريات الأدبية قبل بلوغه الثانية عشر من عمره.
وفي سن العشرين، وحين كان طالباً في جامعة روما، فاز بجائزة الشعر الوطني، بمجموعته الشعرية الموسومة ” بحثاً عن اللغز “.
كان بيرتولوتشي قد أبدى في مراهقته حماسة ورغبة غير عادية نحو السينما، تلك العدوى التي إنتقلت إليه من والده، الذي كان يصطحبه دائماً معه إلى صالات السينما لمشاهدة الأفلام. وقد عمل حينها فيلمين قصيرين ـ مقاس 16 ملم، مدة الواحد 15 دقيقة ـ هما ” تيليفريك ” و ” ذبح الخنازير”.
غادر بيرتولوتشي مقعد دراسته في الجامعة عام 1961 ليلتحق ببازوليني كمساعد مخرج في فيلمه” الشحاذ ” والذي سيظل بيرتولوتشي يتذكر تلك الفرصة التـاريخية في كل مناسبة بفخر وإعتزاز، والتي لم تتاح لأي من أبناء جيله آنذاك.
يؤكد برتولوتشي على فكرة تدفق الزمن، وهي الفكرة التي تستحوذ عليه، ويقول عنها: «أن فكرة الإحساس بمرور الزمن هي بسيطة جدًّا، لكنها أساس أو منطلق الكثير من الشعر». الفيلم استُقبل بردود أفعال متضاربة، ولم ينجح تجاريًّا؛ لذلك بقي برتولوتشي عاطلًا عن العمل نحو سنتين. حين شرع في إخراج «قبل الثورة» (1964م)، يقول برتولوتشي: "عنوان فيلمي "قبل الثورة" يتصل بالتضمين المقتبس من تاليران في بداية الفيلم وهو(أولئك الذين عاشوا قبل الثورة وحدهم يعرفون مدى عذوبة الحياة)، الفيلم هو أكثر من مجرد سيرة ذاتية، كان عملية تطهّر.. محاولة لتخليص نفسي من مخاوفي الخاصة". البطل، فابريزيو، يعجز عن الانفصال عن روابطه العائلية التقليدية؛ بسبب تربيته الاجتماعية والثقافية. إنها قصة نضال خاسر.
هنا يحلِّل برتولوتشي جدوى معتقداته السياسية الثورية، محوِّلًا المفاهيم المعقدة بشأن الهوية الطبقية إلى دراما شخصية أخاذة. ومع أن الفيلم يستعير موقع الأحداث (في بارما) وأسماء الشخصيات وبعض العناصر السردية من رواية ستندال، الصادرة عام 1838م، فإن التفاصيل مختلفة تمامًا.
في عام 1968 يقوم برتولوتشي بعمل فيلم" الشريك " ليصبح إدانة سياسية واضحة لحرب أمريكا على فيتنام، وفي عام 1970، أنجز فيلمين للتلفزيون الإيطالي الأول هو:" مكيدة العنكبوت " المأخوذ عن قصة جورج لوي بورغيس " الخائن والبطل " وهو فيلم روائي قصير تزامن إنتاجه مع الفترة التي كان يخضع فيها بيرتولوتشي حينها إلى علاج نفسي مكثف. أما الفيلم الثاني فهو روائي طويل عالج فيه مشكلة آثار تلك العلاجات السيكولوجية.
إنه فيلم يتحدث عن إبن قدم إلى المدينة التي عاش فيها أبيه المغدور بحثاً عن قاتله الفاشي، والذي يتكشف فيما بعد أنه قتل من قبل رجال المقاومة الذين كان يعمل معهم، بسبب خيانته لهم وتعاونه مع الفاشيين.
الخطان السيكولوجي والسياسي في هذا الفيلم يسيران أيضاً بشكل متواز من خلال العقدة الأدبية من جانب، وتعريته الأيدلوجية الفاشية من جانب آخر. إلا إن هذا المزج الهرموني
إن ما كان يمّيز أفلام بيرتولوتشي في هذه المرحلة هو نضج إسلوبه الإنطباعي في السينما، ذلك الأسلوب الذي إستطاع أن يجمع في مضامينه بين الأدب والسياسة والتلميحات الفلسفية، والإستخدام
الفطن لنظرية فرويد في التحليل النفسي. أما فيما يتعلق بالجانب التقني والجمالي، فقد استخدم بيرتولوتشي الكاميرا كعنصر مشارك وفاعل في الحدث، وليس موضوعي محايد، كما هو الحال عند بازوليني مثلاً. كذلك إستخدامه المونتاج الإيقاعي والظلال والضياء، والتعليق الشعري المركبّ التغريبي والمختزل في المشهد، متماهياً بعض الشيء واستخدامات فيلليني.
تميزت أفلامه أيضاً باللقطات البانورامية للطبيعة تلك التي كانت تعكس التكوينات والألوان الإيطالية لرسامي عصر النهضة الأيطالي.