القاهرة 27 فبراير 2018 الساعة 09:56 ص
حسين عبد العزيز
جعفر فشل في الالتحاق بكلية الفنون الجميلة كما لم يتمكن هتلر من أن يكون ممثلًا فعاقب الجميع
ترى ما هي العلاقة التي تجمع جعفر وهتلر؟!
سؤال غريب تولد داخل رأسي الخالية من الشعر منذ زمن بعيد، فبعد أن انتهيت من كتابه نص باسم "جعفر" وأعدت قراءة المسودة أكثر من مرة، لاحظت ثمة تشابه كبير ما بين هتلر وجعفر لدرجة كبيرة وتدعو للحيرة وتحفز على التصفيق مع إحناءة حقيقة لي على أني أبدعت تلك القصة التي كتبتها دون أدنى رغبة مني، أعني دون رغبة مسبقة في كتابة نص أدبي، حيث أني لم أكتب نصا أدبيا منذ أن حصلت على درجة الدكتوراة، حيث وجدت داخلي شيئا ما يحفزني على عدم كتابة أي نص أدبي بعد حصولي على الدكتوراة لأن الدكتور لا يجب عليه أن يكتب نصا أدبيا كما نجيب محفوظ ونحن لدينا يوسف إدريس المبدع الذي تخلى عن الدكتوراة من أجل الإبداع، فنحن لا نعرفه بالدكتور وإنما نعرفه بالمبدع بعكس الدكتور طه حسين الذي نعرفه بالدكتور، لأنه قدم إبداعا فكريا حتى في عمله الأدبي كان يناقش أفكارًا.
أقول هذا لأن الأدب يريد تجربة ورغبة ولا يريد شهادة عالية، كما الأبحاث العملية التي يجب أن يحصل عليها الباحث من إحدى الجامعات حتى يزداد الباحث خبرة وقيمة.
ولكن كتابة النص الأدبي له متعة لا يعرفها إلا من يبدع هذا النص، فأنا من الآن وصاعدا أستحق لقب مبدع، ويجب أن أسير في الشارع وأنا أعتز بهذا اللقب، حتى وأنا في البيت مع العائلة والجيران، ومن لا يحب ذلك فليحترق مثل "زيطة سائق التوتوك"، الكاره لنفسه ولأي شيء جميل.
وفي العمل يجب أن يعرف الزملاء أن بينهم مبدع ومن يعترض فيكتب مذكرة ليخرج فيها حقده أو يضرب رأسه في أي عمود كهرباء، فربما بعد أن يضرب العمود برأسه الناشفة يسقط سلك كهرباء فتصعقه فنرتاح منه، وليدعوا لي الزملاء والمجتمع على هذا المعروف.
أقول هذا لأنني في تلك القصة كنت صادقا وفاهما للواقع الذي يعيش فيه جعفر، هذا الشاب الذي يهوى الرسم وصيد السمك، فكان في الرسم فنانا وفي الصيد عبقريا، وقد اشتهر في الحي بصفة الصياد وبين الأصدقاء بصفة الفنان.
وأخذ يمارس حياته بالصفتان حتى غلبت عليه صفه الفنان في الحي عندما رأى الناس رسوماته وخصوصا ما يرسمه على الحيطان لأبطال وشهداء الثورة، وكانت رسوماته تأكيدا على اشتراكه في الثورة.
وكانت الناس سعيدة في الحي وعند المحافظة، وفجأة أصبح جعفر أشهر ثورجي في المنصورة من خلال رسوماته.
وأحبه أصدقاؤه بسبب براعته في صيد السمك في النيل، وفي البحر عندما يتوجهون إلى رأس البر في شهر أغسطس من كل عام. فقد كان جعفر يحمل أدوات الصيد ويجلس بالقرب من اللسان من أول النهار إلى ميعاد الذهاب إلى الشقة التي يأخذون مفتاحها من صديق لهم اسمه أشرف النجار، الذي يعد أغنى واحد في الشلة والدليل لديه شقة في رأس البر، تمليك، ولا يذهب معهم إلى رأس البر، لأنه لا يحب أن يحتك احتاكا مباشرا بالفقراء ودهماء المجتمع.
لأن الغنى مُحرِج، كما أن الفقر يعد أبو الإحراج!
وكان جعفر هو حديث كل جلسة على شط البحر من خلال سمكه ورسماته العبقرية والتي تجلت في لوحة عبارة عن امرأة تخرج من قلب البحر والشمس ترحل وتسحب أشعتها خلفها وقد تركت شعرها وراءها يغازله الهواء.
وشب جعفر مقبلا على الحياة، لكنه يفشل في أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة.
كما فشل هتلر في الالتحاق بأكاديمية الفنون بألمانيا.
يأس جعفر من كل شيء في الحياة، إلا من صيد السمك، وترك التعليم دفعة واحدة، وقرر أن ينضم إلى أي جماعة مع الاحتفاظ بهواية صيد السمك وأخذ يمارس الصعلكة كما كان يمارسها صعاليك القرن الماضي، وخصوصا السعدني، فقد أعجبته حياة السعدني في الصعلكة مع شلة قهوة "عبد الله"، وما فعله في باريس مع البنت اللهلوبة وفي لندن ومع الإفريقي.. وضاع منه الطريق.
فكان قراره أن ينتقم من المجتمع كله على قسوته معه.
كما فعل هتلر حين عاقب ألمانيا والعالم كله بفشله في الالتحاق بأكاديمية الفنون من أجل أن يصبح ممثلا، فأصبح نقاشا يدهن العالم بدمائه، كما فعل جعفر الذي أخذ يرسم لوحات بدماء ضحاياه التي تذبحها داعش.